المقدمة
عانق الأمير حمد زوجته موزة بنت ناصر ثم ابن عمه ووزير خارجيته حمد بن جاسم، عندما افتتح رئيس الفيفا جوزيف بلاتر الظرف في مركز زيورخ للمعارض مساء يوم 2 ديسمبر 2010 وأعلن أن عرض استضافة كأس العالم 2022 سيذهب إلى قطر.
تمثل هذه اللحظة تتويجاً لحملة صورية غير مسبوقة، حيث يمكن اعتبارها محاولة ناجحة لجعل البلاد مرئية قدر الإمكان من خلال الفن والهندسة المعمارية والتعليم والرياضة، فعندما تنطلق بطولة كأس العالم لكرة القدم في استاد البيت في الدوحة في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، سوف تكون قطر قد حققت بالفعل كل ما شرعت في تحقيقه.
لايوجد شك أن أي مشجع لكرة القدم يعرف اسم قطر، وسيتطيع تحديد موقعها على الخريطة، ولكن في نفس الوقت نعلم أن خلفية قطر وتاريخها وثقافتها وتقاليدها غير معروفة. من خلال هذه القراءة الطويلة، يحاول مركز أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقديم نظرة عامة والاضاءة على أجزاء من “معجزة الخليج” الغير المعروفة لأغلب الجمهور، والنظر خلف واجهة صحراء “إلدورادو” الساحرة.
نبذة تاريخية
العصور الأولى
باستثناء وجود عدد قليل من المستوطنات الصغيرة لصيد اللؤلؤ على الساحل يمكن إرجاع المستوطنات البشرية في قطر إلى العصر الحجري، حيث لم تكن هناك مدن مهمة حتى العصر الحديث.
تشير البيانات المناخية إلى أن قطر لم تكن دائماً صحراء، ولكن في العصور القديمة لم يكن من الممكن ممارسة الزراعة لأسباب مناخية.
أنشأت الإمبراطوريات الكلاسيكية العظيمة مثل إمبراطوريات الأمويين والعباسيين والفاطميين مراكزاً للثقافة الإسلامية في أماكن بعيدة كدمشق أو بغداد أو القاهرة. من الناحية النظرية، كانت قطر جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى الحرب العالمية الأولى، وبصرف النظر عن صيادي اللؤلؤ، كان البدو بشكل أساسي ولفترة طويلة هم من شقوا طريقهم إلى صحاري شبه الجزيرة العربية في ما يعرف الآن بقطر بالبحث عن أراضي الرعي.
القرن الثامن عشر
توجهت عشيرة آل ثاني نحو قطر في منتصف القرن 18، قادمة مما يعرف الآن بالمملكة العربية السعودية، وسرعان ما اكتسبت القبيلة البدوية نفوذاً وتمكنت من ترسيخ نفسها على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الصحراوية. اشتبكوا مراراً وتكراراً مع قبيلة آل خليفة، وهي قبيلة بدوية أخرى أكثر نفوذاً هاجرت جنوباً مما يعرف الآن بالكويت وبنت قلعة الزبارة على الساحل الشمالي الغربي لقطر.
حتى أن آل خليفة تمكنوا من غزو جزيرة البحرين المجاورة من الزبارة نظراً لموقعها ذي القيمة الاستراتيجية، فقد كانت الجزيرة منذ فترة طويلة مركزاً ثقافياً مهماً. هذا وقد بدا وكأنه فوز لآل خليفة حيث تم ذكره بالفعل على الألواح الحجرية للسومريين باسم مملكة دلمون.
اجتاح الغزاة قطر مرة أخرى عند نهاية القرن الثامن عشر، وهذه المرة من منطقة “نجد” قلب شبه الجزيرة العربية. لقد كانوا عصابات مخيفة تسمى ” الوهابيون” وهي طائفة إسلامية متشددة ظهرت حديثاً، سعوا جاهدين من أجل التجديد الروحي للإسلام من خلال ارتباط وثيق بزمن الإسلام المبكر، ويعتمدون على التفسير الحرفي لتقاليد النبي محمد. لقد دخلوا في تحالف مع قبيلة بدوية أخرى وهي “آل سعود” والتي أصبحت فيما بعد الحاكمة اليوم في المملكة العربية السعودية. وسرعان ما انتشر الخوف بين صحاري العراق والخليج بسبب الميليشيات الوهابية، ولفترة قصيرة استولت أيضاُ على قلعة آل ثاني. لم يحظ التفسير الوهابي للإسلام بقبول جزئي إلا في قطر حتى الآن.
القرن التاسع عشر
في القرن التاسع عشر، كان الخليج الفارسي سيئ السمعة لكونه معقلاً للقراصنة. رأت شركة الهند الشرقية البريطانية أن طرقها التجارية إلى الهند في خطر بسبب المناوشات بين آل خليفة وآل ثاني وغارات القراصنة المتكررة. في عام 1821، دمرت سفينة شراعية بريطانية “مستوطنة البدع” وهي مستوطنة سابقة في الدوحة تم ذكرها لأول مرة في عام 1801، قامت بطرد 400 شخصاً من البدو. في عام 1841، حول البريطانيون القرية إلى أنقاض مرة أخرى بزعم أن حكام الدوحة لم يتمكنوا من دفع غرامة قدرها 300 جنيه في ذلك الوقت.
تقدم آل ثاني نحو الدوحة في وقت ما حوالي منتصف القرن 19، حيث لم تكن هناك دولة قطرية موحدة، في حين أن آل ثاني كانوا أقوى من العائلات البدوية الأخرى لكنهم كانو بعيدين عن السيطرة على كل قطر.
يرتبط صعود آل ثاني لحٌكم قطرارتباطاً وثيقاً بالبريطانيين، ففي عام 1868 وقعوا اتفاقية حماية، واليوم آل ثاني هم أمراء قطر. في حين أن خليفة يدير ثروات البحرين وأحفاد آل سعود يحكمون المملكة العربية السعودية بفضل تحالفهم مع الوهابيين. استمر التنافس بين العائلات حتى يومنا هذا وأصبح أكثر وضوحاً في القرن الحادي والعشرين.
القرن العشرين
أصبحت قطر رسمياً محمية بريطانية في عام 1916 بعد أن طرد آل ثاني العثمانيين في معركة الوكرة. عاش بضعة آلاف من السكان في الغالب حياة صعبة وبسيطة في المحيط الاستعماري عن طريق صيد اللؤلؤ، حيث عاش المرء سابقاً على هامش الإمبراطوريات الإسلامية، ولكن بعد الحرب العالمية الأولى تغير كل شيء بالنسبة للقطريين.
كانت دول الخليج لا تزال تصدّر 80 في المائة من اللؤلؤ المتداول إلى جميع أنحاء العالم اثناء الحماية البريطانية، حيث كانت المنطقة تعتمد اعتماداً شبه كامل على التجارة في غياب الأنشطة الاقتصادية الأخرى. حدث تطوران في أجزاء بعيدة من العالم دمروا هذا الأساس الاقتصادي في غضون بضع سنوات وأغرقوا شعوب المنطقة في بؤس وجودي. أدت بداية الأزمة الاقتصادية العالمية في أوروبا والولايات المتحدة في عام 1920 إلى انهيار الطلب، ببساطة لم يكن هناك ما يكفي من المال لشراء اللؤلؤ من الخليج.
اكتشف رجل أعمال ياباني طريقة لزراعة اللؤلؤ في نفس الوقت تقريباً، فكانت اللآلئ المستزرعة من الشرق الأقصى أرخص وكانت جودتها عالية، أما في الخليج فقد اعتمد الحصاد على حظ البحارة ومهارة الغواصين، فانهارت تجارة اللؤلؤ من الخليج بنسبة 90 في المئة فأثرت على الأسرة الحاكمة وعانى الشعب القطري من الجوع وسقط في مضائق تبدو ميؤوساً منها.
لكن القدر كان له تطور آخر في جعبته، حيث تم اكتشاف النفط لأول مرة في قطر عام 1939، مدفوعاً بتعطش الإمبراطورية البريطانية الجامح للطاقة. بعد عشر سنوات فقط ، كانت البلاد تصدّر المواد الخام القيمّة، فانفتح شريان حياة جديد كما لو كان من العدم.
في عام 1971 وبصعوبة كبيرة منح البريطانيون قطر الاستقلال أخيراً. منع آل ثاني الاتصال بالإمارات العربية المتحدة، التي أصبحت مستقلة أيضاً. في عام 1973، استحوذت الدولة المشكّلة حديثاً على أسهم في شركتي الطاقة الرائدتين في البلاد ” شركة قطر للبترول” و “شل قطر”، و في وقت مبكر من عام 1977 كانت كلتا الشركتين في أيدي القطريين.
في عام 1989 استغلت قطر جنباً إلى جنب مع إيران حقل “جنوب بارس” أكبر حقل للغاز الطبيعي المسال في العالم لإضافة مصدر آخر للازدهار لها. نمت القوة الاقتصادية للإمارة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ حوالي 300 مليون دولار أمريكي في عام 1970 لتصبح 7.4 مليار دولار أمريكي في عام 1990، ثم اصبح 183 مليار دولار أمريكي في عام 2018 وهو أعلى دخل في العالم.
حققت البلاد قفزة نوعية خلال فترة حكم الشيخ خليفة بن حمد (1972-1995) مدفوعة بالثروة الجديدة الناتجة عن البترودولار. الأول كان فندق “شيراتون المستقبل” الذي تم بناؤه في عام 1982، في ذلك الوقت كان الفندق الفاخر على شكل هرم بعيداً جداً عن المدينة لدرجة أنه واجه في البداية مشاكل في العثور على ضيوفه – يمكن العثور على العديد من الصور من هذه الفترة على الإنترنت- إنها تظهر بلدة صغيرة هادئة ثم صحراء وفي وسط الأرض القاحلة يتواجد مجمع الفندق الوحيد، أما اليوم يقع الفندق في ظل ناطحات السحاب في وسط الخليج الغربي. من الصعب تخيل موقع أكثر مركزية في المدينة اليوم.
الأيام الحالية
ازداد التغيير سرعةً في عهد الشيخ حمد (1995-2013)، الذي أطاح بوالده في انقلاب غير دموي. كان حجر الزاوية في حكمه هو تنويع الاقتصاد من أجل تأمين الازدهار لعصر ما بعد الغاز، لأن الموارد الأحفورية محدودة في قطر أيضاً. ولهذا الغرض استحوذت الإمارة في المقام الأول على ممتلكات الشركات في الأسواق القائمة: من إيرباص إلى فولكس فاجن، عبر الشركة الفرنسية الفاخرة Moët Hennessy – Louis Vuitton إلى أسهم في شركة الطاقة الروسية العملاقة Rosneft.
كٌلف الأمير بمشاريع بنية تحتية واسعة النطاق تحقيقاً لهذه الغاية. هكذا نشأ المجمع الجامعي “المدينة التعليمية”، حيث توجد فروع لأفضل الجامعات الدولية مثل جامعة نورث وسترن أو جورج تاون، بالإضافة إلى منطقة الأعمال في الخليج الغربي المذكورة أعلاه.
الأجانب
يشكل الأجانب في قطر الآن حوالي 90 في المئة من السكان. تميز قطر بقوة بين حقوق القطريين وحقوق الأجانب كدولة ريعية كلاسيكية تعيش على الدخل من صادرات المواد الخام، حيث يحصل السكان المحليون على مزايا اجتماعية واسعة النطاق: الرعاية الصحية مجانية لهم، وكذلك الكهرباء والغاز.
بلغ متوسط دخل الأسرة القطرية في عام 2014 أكثر من 19000 يورو شهرياً. في المقابل يتشارك العمال الضيوف في صناعة البناء في غرف بسيطة متعددة الأسرة.
تختلف قطر اختلافاً كبيراً في التعامل مع الأجانب حسب الجنسيات والقطاعات التي يعمل فيها الناس. ففي الأسفل يوجد عمال البناء غالباً من نيبال، وقوات الأمن ومعظمهم من شرق أفريقيا، في قطاع الخدمات يعمل العديد من الفلبينيين في ظل ظروف أفضل نسبياً، المغتربون الغربيون هم في قمة هرم الأجانب معظمهم يأتون من البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية مثل بريطانيا العظمى أو أستراليا.
أكبر مجموعة هي مجموعة الهنود، حيث يشكلون 25 في المائة من السكان ويمكن العثور عليهم في جميع الطبقات الاجتماعية. على عكس ما يفترض غالباً من الخارج، يمكن أيضاً العثور على العديد من الهنود والباكستانيين في مناصب قيادية في مجال الأعمال. و تقلصت الجالية المصرية الكبيرة تقليدياً مؤخراً بسبب العلاقات المصرية القطرية الصعبة. ووفقاً لسفارة قطر في برلين يعيش حوالي 1800 ألماني حاليا في قطر.
يعتقد الخبراء أنه لا يمكن للمرء أن يفهم الترسيم بين السكان المحليين والأجانب دون النظر في دوافع الأسرة الحاكمة. يقول باحث في مركز الأبحاث الألماني CARPO ” إن وراء نموذج الدولة القطرية ليس فقط الرغبة في الحفاظ على الازدهار، ولكن أيضاً يوجد هدف تعزيز شرعية الأسرة الحاكمة”. لم يتم التخطيط للتنسيق القانوني، وهو مسار للحصول على الجنسية للعمال الضيوف، وهذا ينطبق أيضاً على المغتربين من أوروبا. وكما هو الحال في دول الخليج الأخرى، فإن السبب وراء ذلك هو الخوف من التسلل الأجنبي وفقدان تقاليدهم الخاصة.
حقوق الإنسان
لم يكن النمو ممكناً إلا بسبب عشرات الآلاف من العمال المهاجرين الشباب من جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وأفريقيا الذين يكدحون في قطر. في كثير من الأحيان في ظل أسوأ ظروف العمل كان ما يسمى بنظام “الكفالة” يجعل ظروفهم المعيشية أسوأ، هذا المبدأ منتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء منطقة الخليج و في لبنان والأردن. تعني الكفالة في جوهرها ان كل عامل أجنبي يحتاج إلى ضامن محلي، و التبعيات المرتبطة هي بوابة لإساءة الاستخدام.
أدى تسليط الضوء على الرأي العام العالمي إلى إصلاحات في قطر منذ منح كأس العالم. على الرغم من أن وضع حقوق الانسان هنالك لايزال صعباً. يقول رئيس منظمة العمل الدولية (ILO) “إنها ليست مسألة أبيض وأسود، هناك العديد من ظلال اللون الرمادي”. أحد أهم التطورات الحاصلة هي إلغاء نظام الكفالة، كما أشادت منظمة العمل الدولية بتطبيق الحد الأدنى للأجور وهو الأول من نوعه في منطقة الخليج، حيث نصت القوانين على انه يجب على الشركات عدم السماح لعمالها بالكدح في الهواء الطلق خلال الساعات الأكثر حرارة.
اشتكى في العام الماضي 34,425 عاملاً من حرمانهم من الأجور، حتى المخرج من نظام الكفالة ليس دائما ناجحاً في التطبيق العملي، فلا يزال هنالك عمال يموتون في مواقع البناء في قطر. وفقاً لمنظمة العمل الدولية توفي 50 شخصاً في العمل في عام 2020 وحده، وأصيب 500 آخرون بجروح خطيرة، وكان معظمهم من عمال البناء من الهند وبنغلاديش ونيبال.
بالإضافة إلى حقوق العمال، تعرضت قطر أيضاً لانتقادات بسبب معاملتها للنساء والمثليين والمتحولين جنسياً، حيث أن المرأة لاتمتلك حقوق متساوية مع الرجل في قطر، و ينطبق عليها مبدأ الوصاية القديم عند توقيع العقود و عند السفر إلى الخارج، فهي تحتاج إلى إذن من أحد الأقارب الذكور. وفي حين أن عدد النساء اللواتي يدرسن في قطر أكبر من عدد الرجال، إلا أن هذا الرقم لا ينعكس في سوق العمل، حيث تبلغ حصة التوظيف 37 في المائة فقط.
يفرض القانون عقوبة السجن لعدة سنوات على الشذوذ الجنسي. ولاتعتبر جريمة جنائية. لفت سفير كأس العالم القطري الانتباه مؤخراً إلى نفسه في تقرير تلفزيوني ألماني ببيان وصف فيه المثلية الجنسية بأنها “اضطراب عقلي”.
الثقافة والتقاليد
لقد تشكلت التنمية في قطر من خلال النظر إلى جيرانها، سواء كان ذلك في شكل ناطحات السحاب أو المتاحف أو الأحداث الرياضية و تطوير المطارات إلى محاور دولية. وبإمكاننا ان نعرف هذه الدوافع من خلال الخطط المماثلة في دبي و أبو ظبي أو الكويت أو البحرين. في بعض الأحيان تخلفت قطر عن الركب في التنمية وأحياناً كانت في طليعة الابتكارات. إذا نظرنا من الخارج، فإن المنافسة تتزايد في مدن دول الخليج حول من يبني بشكل أكبر وأوسع، حيث ترى الدوحة نفسها كنظير أكثر إسلامية وأكثر تقليدية لدبي، و نرى أن الخطط طموحة بنفس القدر ولكن ربما تكون أقل ضخامة.
كان لدى الأب الأمير حمد بن خليفة متحف للفن الإسلامي بناه المهندس المعماري النجم “باي”، وتم تصميم المكتبة الوطنية من قبل “ريم كولهاس”، كما قام حمد ببناء جامعات وتجديد الملاعب و الثقافة والرياضة. وتعتبر الان الخطوط الجوية القطرية واحدة من شركات الطيران الكبرى في الخليج.
تقسم العشيرة الحاكمة المهام فيما بينها، حيث يعتمد الأمير السابق حمد بشكل أساسي على أبناء زوجته الثانية والمفضلة موزة (63 عاماً). الشيخة موزة هي شخصية نسائية في الشرق الأوسط، امرأة جميلة ونحيفة ذات عظام وجنتين مرتفعتين، يشار إليها مراراً وتكراراً على أنها المرأة الأكثر نفوذاً في الخليج. عندما تُدعى الدوحة إلى حدث أزياء تجلس الشيخة موزة بين عارضات الأزياء والمصممين النجوم، فهي محبوبة مؤسسة قطر المرموقة، وبالتالي فهي مهندسة ما يسمى بالمدينة التعليمية. تم تجميع فروع جامعات النخبة العالمية هنا على مساحة 1200 هكتار – وهناك دائماُ منحوتة من تصميم داميان هيرست بينهما.
استناداً إلى النموذج الغربي وبما أن المواد الخام محدودة فإن قطر ستصبح مجتمعاً معرفياً، هذه هي رؤية آل ثاني لعام 2030. كما تمثل بنات الشيخ موزة – أخوات الأمير- الأساس للعالم الخارجي. “المياسة” البالغة من العمر 39 عاماً، هي راعية وجامعة أعمال فنية مليارديرة تقوم بجمع منحوتات جيف كونز وصممت للتو عدد نوفمبر من مجلة فوغ العربية، وقامت بوضع صديقتها عارضة الأزياء نعومي كامبل على الغلاف.
” هند ” ابنة موزة الأخرى في أواخر الثلاثين من عمرها، تعمل كنائبة لوالدتها ووزية للتعليم. لديها ستة أطفال وأكملت أول سباق ثلاثي أولمبي لها في هامبورغ. الهدف المشترك لموزة وبناتها: جعل قطر لائقةً بهذه المرحلة بعد النفط والغاز. ويقال إن الأمير نفسه البالغ من العمر 42 عاماً، كان يحب الرياضة منذ أن كان طفلاً، حيث إنه رجل أكثر توازناً. كان صامتاً منذ فترة طويلة بشأن الانتقادات الشديدة لقطر كدولة مضيفة لكأس العالم لكنه فقد أعصابه في الآونة الأخيرة وقال إن هناك “حملة غير مسبوقة” ضد بلاده، كما لو أن التطور الذي مرت به قطر في السنوات الأخيرة غير معترف به.
الأمير تميم
لا يزال النظام السياسي يشبه الملكية المطلقة، حيث يواصل الأمير تميم الذي يحكم البلاد منذ عام 2013 أسلوب والده الطموح إلى حد كبير. تلقى الأمير تعليمه في هارو وساندهيرست، وهو أقل تواضعاً من والده ولديه إتقان شامل للغة وأساليب المنطقة المصرفية في لندن..
كما شرع الأمير تميم في بعض الإصلاحات السياسية الحذرة. في عام 2021، أجريت انتخابات مجلس الشورى الاستشاري لأول مرة وسمح لجميع القطريين البالغين الذين عاش أسلافهم في قطر منذ عام 1930 على الأقل بالترشح، باستثناء قبيلة واحدة.
وبقدر ما تكون هذه القصة صحيحة بطريقة ما، يبقى السؤال إلى أي مدى لا يزال بإمكان قطر تجسيد دور المستضعف الأبدي الذي مارسته بنجاح كبير؟
تمثل قطر في الدبلوماسية الرياضية المؤسسة بامتياز مثل أي دولة أخرى. العلاقات الاقتصادية والشخصية وثيقة للغاية لدرجة أنه يبدو أحياناً كما لو أنه لا يمكن للمرء الهروب من قوة الإمارة.
الموارد
لا شيء غذى صعود البلاد تماما مثل مواردها، تمتلك قطر ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم – إلى جانب روسيا وإيران – وكلا البلدين يخضعان الآن للعقوبات. منذ عام 2005 يدير القطريون “جهاز قطر للاستثمار” وهو أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم بفضل الدخل من صادرات المواد الخام. لا يمكن أن تكون محفظة الصندوق أكثر اختلاطاً بدءاً من النادي الفرنسي التقليدي باريس سان جيرمان إلى متجر هارودز الفاخر في لندن إلى أسهم في فولكس فاجن.
الغاز
لا ينتمي الشيخ العطية إلى عشيرة آل ثاني، بل إلى إحدى العائلات المهمة الأخرى في البلاد. كان له أيضاً دور فعال في صعود قطر بصفته وزيراً سابقاً للطاقة، حيث أن عطية هو الذي بدء ببناء ما هو الآن أكبر أسطول في العالم من سفن نقل الغاز المتخصصة، ووفقاً لما فكر به عطية ” يمكن للسفن أن تعمل في المكان الذي لايمكن أن تصل إليه خطوط الأنابيب، وإذا تعذر نقل الغاز بهذه الطريقة فيجب عليك تغيير حالة تجميعه، و إذا قمت بضغطه سوف يصبح سائلاً إلى LNG (الغاز الطبيعي المسال)، حيث يمكن شحنه بسهولة مثل النفط.” كانت خطة الأمير الأب منذ منتصف 1990 أن تصبح قطر المصدر الرئيسي للغاز، و كان الهدف أن تصبح قطعة مهمة من أحجية الصور المقطعة للاقتصاد العالمي لتبقى أكثر أماناً كدولة ذات سيادة.
عندما اكتشف القطريون حقل الغاز كان الجميع يريدون النفط فقط. ومرة أخرى أخذ الأب الأمير حمد بن خليفة قروضاً كبيرة، حيث تحملت الإدارة مخاطرة كبيرة في ذلك الوقت، لأن إنتاج الغاز الطبيعي المسال معقد ومكلف. كثيراً ما يقول العطية في الظهور العلني “كان لدى الأمير الإرادة وكانت لدي الأفكار”. ارتفع الطلب في آسيا على وجه الخصوص بسرعة وارتفعت الأسعار معه، و في وقت مبكر من عام 2006، كانت قطر ثاني أكبر منتج للغاز في العالم. في عام 2015، بلغ عدد أسطول الغاز الطبيعي المسال أكثر من 60 سفينة. فأصبحت قطر قوة عظمى في مجال الغاز.
“إنه الاقتصاد ، أيها الأحمق!”
يلفت كأس العالم الانتباه إلى المدى الذي وصلت إليه المملكة مع رواسب الغاز الطبيعي العملاقة. كتبت دراسة جديدة ل “مركز السياسة الأوروبية” (CEP).” أن قطر الآن متشابكة اقتصادياُ بشكل وثيق مع أوروبا والولايات المتحدة وتوسع نفوذها باستمرار، حيث تشبه استراتيجية البلاد استراتيجية الصين. أما في محاولة اكتساب القوة المؤسسية من أجل التأثير على القرارات المهمة فهي على عكس الصين، لا تعتمد على الاستثمارات الاستراتيجية والاستحواذ على البنية التحتية الحيوية، ولكن على استراتيجيات القوة الناعمة التي تلعب أنشطة الرعاية في كرة القدم الأوروبية دوراً رئيسياً فيها.”
المثال الأبرز هو نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم، حيث ساعد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركزوي شركة قطر الرياضية الاستثمارية المملوكة للدولة في شراء النادي، وعلى رأسها ناصر الخليفي، حيث ضخ السياسي ورجل الأعمال القطري أكثر من مليار يورو في النادي خاصة للاعبين المشهورين عالميا مثل نيمار وكيليان مبابي وليونيل ميسي.
كما تحافظ فرنسا وقطر على علاقات تجارية تتجاوز الرياضة، حيث استحوذت الدولة الصحراوية على حصص في شركات مثل فينشي ولاغاردير، وتمتلك قطر الآن 30 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز رافال وهي ذات أهمية استراتيجية لشركة توتال بسبب احتياطياتها من الغاز، وحصلت شركة الطاقة في يونيو على عقد لتوسيع أكبر مشروع للغاز الطبيعي المسال في العالم.
في ألمانيا: تشارك الإمارة في عدد من الشركات ولم تسبب حتى الآن سوى القليل من الضجة العامة. وتشارك الدولة الخليجية التي يمتلك صندوقها السيادي أكثر من 450 مليار دولار، في دويتشه بنك وفولكس فاجن وسيمنز وهاباغ لويد وغيرها. وأعلنت RWE في أكتوبر تشرين الأول أنها ستستحوذ على مطور أمريكي لنظام الطاقة الشمسية وستحصل على دعم من صندوق الثروة السيادية القطري للتمويل الذي تبلغ قيمته مليار يورو وهو أكبر مساهم منفرد بزيادة 9 %. ورأى العضو المنتدب لجمعية حماية المساهمين DSW ” ان التزام القطريين للوهلة الأولى مثير للجدل من وجهة نظر ESG، ولا يتناسب حقا مع الصورة”. ESG تعني معايير الاستدامة، G للحوكمة أي إدارة الشركات.. وقال: “من ناحية أخرى، ليس لدينا حتى الآن أي مؤشرات على أن المساهم الرئيسي من قطر سيمارس أي تأثير على الشركات الأخرى ذات التأثير سلبي”.
يتضح مدى رغبة القطريين في الاقتراب من الدوائر المؤثرة في استثماراتهم في بريطانيا العظمى. حيث استحوذت المحمية البريطانية السابقة على أهم مجتمع بريطاني، ويجتمع أفراد العائلة المالكة القطرية بانتظام مع أفراد العائلة المالكة البريطانية. العلاقات الاقتصادية وثيقة – في بريطانيا العظمى، يقال إن قطر استثمرت ما يعادل حوالي 46 مليار يورو في الاستثمارات والعقارات. صندوق الثروة السيادية هو مساهم رئيسي في بنك باركليز وسلسلة محلات السوبر ماركت سينسبري والشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية IAG. ولدى القطريون أيضاً حصة في مطار هيثرو.
كما هو الحال في ألمانيا، يعرفون أكثر باسم الشركاء الصامتين. ينتمي الشغف الخاص إلى سوق العقارات في لندن، والذي يبدو أنه مكة المكرمة الثانية للشيوخ. وهم يمتلكون حوالي 4000 منزل في جميع أنحاء الجزيرة، وعقارات في العاصمة تبلغ قيمتها عشرات المليارات، بما في ذلك The Shard، أطول مبنى في المدينة. كما اشترى صندوق الثروة السيادية متجر هارودز الفاخر. كما استحوذت العائلة المالكة القطرية على جزء من بعض أغلى فنادق الخمس نجوم في لندن، مثل ريتز وكلاريدجز وسافوي، وتعرف منطقة مايفير الجميلة في لندن بالفعل باسم “الدوحة الصغيرة”. وحقيقة أن القطريين يروجون أيضاً للتطرف السياسي والإسلامي مثل جماعة الإخوان المسلمين، نادراً مايتم مناقشة ذلك في دوائر لندن. وفي العام الماضي، نشرت صحيفة “التايمز” تقريراً عن دعوى قضائية رفعها عدد من السوريين في محكمة لندن العليا متهمين القطريين بدعم جبهة النصرة الإسلامية بالملايين، ثم رفع حاكم قطر دعوى قضائية ضد الصحيفة.
في الولايات المتحدة: تستثمر الإمارة الآن مباشرة بشكل متوسط. منح صندوق الثروة السيادية إيلون ماسك 375 مليون دولار للاستحواذ على تويتر. في الولايات المتحدة كما هو الحال في أوروبا، تميز صندوق الثروة السيادية قبل كل شيء بالاستثمارات في قطاعات العقارات والبنوك والطاقة، ولكن يمكن رؤية تفضيل العلامات التجارية الفاخرة ايضاً، حيث تنتمي الأسهم في مبنى إمباير ستيت إلى المحفظة مثل الأسهم في تيفاني. وكان الأكثر أهمية من الناحية الجيوستراتيجية هي الحيازات في أكبر منتج للطاقة في أمريكا Vistra Energy وفي شركة Golden Pass LNG، التي ستصدّر الغاز السائل الأمريكي إلى العالم بدءاً من عام 2023 بمجرد شراء القطريين. جعلت المشاركة في تويتر القطريين على الأقل شخصيات هامشية في مناوشات سياسية، حيث طلب الرئيس جو بايدن من هيئة مراقبة الاستثمار فحص ما إذا كان هيكل الملكية يتعارض مع أهداف السياسة الأمنية.
ليس من الواضح دائماً إلى أي مدى تهدف جميع هذه الاستثمارات إلى أن تكون بمثابة استثمارات مالية أو لتعزيز القوة المؤسسية للإمارة.
أداة التواصل
وضعت قطر نفسها كرائدة في الرأي العالمي مع قناة الجزيرة التلفزيونية، التي تأسست في عام 1996. ومع ذلك، فإن البرنامج العربي والقناة التي تبث باللغة الإنجليزية تختلف اختلافاً كبيراً عمّا هو في اللغة العربية حيث يتم تمثيل المصالح الوطنية القطرية في بعض الأحيان بقوة، في حين أن لهجة البرنامج الإنجليزي هي أكثر واقعية. استخدمت قطر قناة الجزيرة كأداة لما يسمى بالقوة الناعمة، متوقعة صعود قنوات مثل روسيا اليوم أو CCTV.
بدأ صعود الإمارة من حيث التواصل والأخبار والصور المتحركة عندما تأسست الجزيرة في أحد المستودعات في عام 1996، كانت المنطقة في شارع خليفة حيث لا تزال المحطة قائمة حتى الان. بعد عشر سنوات كانت ناطحات السحاب تنمو بالفعل في السماء على الكورنيش عندما تم استكمال برنامج اللغة العربية ببرنامج باللغة الإنجليزية.
وبينما استمرت القنوات الحكومية المملة في الخليج في بث العروض العسكرية لمدة ساعة، عبرت الجزيرة الحدود منذ البداية، فقد انتقد الشيوخ المتطرفون إسرائيل هناك ولكن في نفس الوقت طٌلب من السياسيين الإسرائيليين إجراء مقابلات وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره في البلدان المجاورة في ذلك الوقت.
عهد الأمير بهذه المهمة إلى “صلاح نجم”، وهو رجل نحيف ولد في مصر ولكنه نشأ في أمستردام، حيث عرف نجم على الفور أن ساعة الثورة قد حلت.
و حتى هذه اللحظة تخضع الصحافة لرقابة الدولة في جميع الدول العربية تقريباً، فقد كان القادة الاستبداديون حريصين بشأن المعلومات التي وصلت إلى رعاياهم – والأهم من ذلك – ما لم يصل.
سرعان ما أصبحت الجزيرة القناة المفضلة لكثير من الناس في المنطقة، وأصبح شعار المحطة مأثوراً “الرأي والرأي الآخر”. هنا تم إطلاع المرء على العالم العربي وما وراءه – فقط انتقاد قطر وآل ثاني هو من المحرمات. ووفرت الجزيرة منبراً للإسرائيليين أو مسؤولي حماس أو المنشقين من المملكة العربية السعودية، كما ردت الولايات المتحدة بغضب على الرسائل المرئية والصوتية من أسامة بن لادن وإخوته الإرهابيين، والتي غالباً ما كانت تبث دون تعليق. كما تم منح جماعة الإخوان المسلمين التي لا تزال الدوحة تحتفظ بعلاقات وثيقة معها ” منتدى” وهو ما تنفيه القيادة اليوم.
استغرق الإخوان المسلمون الكثير من وقت البث خاصة خلال الربيع العربي، لأن قطر دعمت المتمردين في مصر وسوريا وليبيا واليمن على عكس جيرانها، وبالتالي جعلت نفسها لا تحظى بشعبية مع الأنظمة الاستبدادية الخليجية الأخرى التي أرادت الحفاظ على الوضع الراهن للحكام المطلقين.
الشي الوحيد المؤكد هو أن المذيع زاد بشكل كبير من التوترات بين قطر وجيرانها. واتهمت الرياض وأبو ظبي أمير قطر باستخدام قناة الجزيرة كسلاح سياسي، واتهموها بالسماح لنفسها بأن تصبح تابعاً لأسامة بن لادن، و تابعاً لجهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد.
من يدعم حماس في قطاع غزة، ويدفع أجور ورواتب المسؤولين هناك ويدعو في الوقت نفسه وزير الخارجية الإسرائيلي إلى الدوحة؟ من هو الحليف المهم للولايات المتحدة من خارج الناتو الذي أنشأ أيضا مكتب اتصال لطالبان؟ ، أي نوع من التمثيل الدبلوماسي؟
بلغ استياء الجيران من قطر ومحطتها التلفزيونية ذروته في ما يسمى بأزمة قطر في عام 2017، حيث أرادت الدول المجاورة إعادة البلاد إلى خط الحصار الجوي البري البحري، و كان إغلاق قناة الجزيرة على رأس قائمة المطالب بإنهاء هذا الحصار. استمرت ثلاث سنوات ونصف، ثم استسلمت دول الجوار وخرجت قطر من الصراع أقوى.
الإسلاموية
تتهم الدوحة مراراً بأنها قريبة من الإسلاميين والجماعات المتطرفة. في السنوات الأخيرة وجد أعضاء الأحزاب الإسلامية المضطهدة من جميع أنحاء المنطقة ملاذاً هنا، نذكر منهم جماعة الإخوان المسلمين في مصر وطالبان، و أيضاً أعضاء المعارضة السورية وأعضاء حزب الإصلاح اليمني. يقول حمد بن جاسم آل ثاني: “نحن لا نساعد هذه الجماعات، ولكن لكي نتمكن من التفاوض معها، يجب أن نكون قابلين للتنبؤ وموثوقين بالنسبة لهم، إن دور الوسيط فريد من نوعه وأعتقد أننا نقوم بعمل جيد “. ويبدو أن حكومة الولايات المتحدة توافق أيضاً على ذلك، ففي كانون الثاني/يناير منح الرئيس جو بايدن قطر صفة “حليف مهم من خارج الناتو”، وهذا يجعل البلاد قريبة من الولايات المتحدة أكثر من السعوديين وهو هدف طال انتظاره للأسرة الحاكمة.
كما أثيرت مزاعم تمويل الإرهاب مراراً وتكراراً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى حقيقة أن قطر دعمت المتمردين في دمشق خلال الربيع العربي عام 2011 مثل المملكة العربية السعودية ودعمت أيضاً المقاتلين في طرابلس وصنعاء. اعتٌبر حمد بن جاسم مرة أخرى شخصية رئيسية، حتى أن المحكمة العليا لبريطانيا العظمى اتهمت رئيس الوزراء آنذاك باستخدام مكتبه في الدوحة كمركز لتمويل جبهة النصرة – وهي فرع سوري لتنظيم القاعدة الإرهابي- .
لكن لماذا أرادت قطر أن تلعب دوراً في سوريا ؟
قال حمد بن جاسم في مقابلة مع بي بي سي: “اعتقدت في ذلك الوقت أنه لا ينبغي لنا التمسك بهذه الأنظمة القديمة، ولكن أيضاً أن نتعاطف مع الناس الذين يقاتلون من أجل هذه الثورات”. ويضيف أنه لا توجد “حقيقة واحدة مطلقة لا سيما في شبه الجزيرة العربية”.
الإخوان المسلمون وعقلهم المدبر في قطر
إن روابط قطر الوثيقة مع اللاعبين الرئيسيين في جماعة الإخوان المسلمين لها جذور تاريخية فهي ليست ظاهرة جديدة. يمكن إرجاع هذا التعاون إلى 1950 و 1960، عندما اضطر العديد من مثقفي الإخوان المؤثرين إلى الفرار من مصر كرد فعل على الملاحقة القضائية من قبل نظام عبد الناصر، حيث قدمت قطر ملاذاً لهم. ومنذ ذلك الحين لعبت الدولة الخليجية باستمرار دوراً رئيسياً في المساعدة على تعزيز مفاهيم وأفكار جماعة الإخوان المسلمين بين سكان الدول العربية – ومؤخراً – العالم الغربي.
وخير مثال على هذا التحالف هو قصة “يوسف القرضاوي” أحد أشهر أعلام جماعة الإخوان المسلمين وقوة فكرية رائدة في التنظيم لسنوات طويلة، وهو مذيع مشهور في برنامج الجزيرة العربية، غادر مصر وانتقل إلى قطر بعد سجنه عدة مرات بسبب وعظه وتحريضه ضد الرئيس عبد الناصر في أوائل عام 1960 ، حيث أقام هناك حتى وفاته في وقت سابق من هذا العام.
وقد طور القرضاوي علاقات وثيقة مع قادة قطر، ويمكن اعتباره صديقاً خاصا لعائلة آل ثاني الحاكمة، فكان مرشداً شخصياً للشيخ خليفة جد الأمير الحالي والملك من 1972-1995. وخلال حفل تنصيب الزعيم الحالي للبلاد في عام 2013، أظهر الحكام علناً احترامهم للقرضاوي في إيماءات تشير إلى الثقة العميقة، حيث قام كل من الأمير المنتهية ولايته والأمير الجديد الباحث البالغ من العمر 87 عاماَ بتقبيله أمام كاميرات البث.
حقق القرضاوي مسيرة مهنية مهمة في قطر، حيث أسس العديد من المؤسسات التعليمية الدينية وأسس كلية الشريعة بجامعة قطر. لكن تأثيره الأكثر شهرة كان عبر برنامجاً حوارياً تلفزيونياً أسبوعياً بعنوان “الشريعة والحياة” والذي تبثه قناة الجزيرة منذ عام 1996، وتابع البرنامج بانتظام ما يقرب من 60 مليون مشاهد في جميع أنحاء العالم الإسلامي. كان القرضاوي أيضا الباحث الرئيسي وراء موقع “إسلام أون لاين”، وهو موقع إسلامي شهير مقره القاهرة يضم موارد وفتاوى.
كان القرضاوي أحد أكثر الشخصيات العامة في الجناح الراديكالي لجماعة الإخوان المسلمين، كما يقول مسؤول سابق في مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الخزانة ” قد يبدو كرجل عجوز مثقف، ومع ذلك كان لا بد من مراعاة آرائه الدينية بأكبر قدر ممكن من الحذر.” وزع القرضاوي من مقره في منفاه الآمن في قطر عدداَ لا يحصى من البيانات السياسية والدينية على ملايين الأشخاص باستخدام منصاته الإعلامية المختلفة. يجب تصنيف العديد من مواقفه بوضوح على أنها أصولية ومتطرفة، فهي تعطي نظرة ثاقبة حقيقية للعقلية الحقيقية لجماعة الإخوان. دعا القرضاوي إلى تدمير إسرائيل، ووافق على استخدام الانتحاريين لمهاجمة البلاد، وأظهر تفهماً لقتل اليهود على يد أدولف هتلر وتغاضى عن العنف ضد القوات الأمريكية في العراق.
فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، أيد الحق في تعدد الزوجات ودافع عن ضرب النساء وطلب تبعية الإناث، ووافق على العقوبات البدنية للمثليين جنسياً وطالب بعقوبة الإعدام للملحدين والذين يتركون الإسلام. علاوة على ذلك، تنبأ بأن “الإسلام سيعود إلى أوروبا كفاتح ومنتصر بعد طرده منها مرتين، لن يكون الفتح هذه المرة بالسيف بل بالوعظ والأيديولوجية”.
صنف القرضاوي عموماً الشريعة الإسلامية فوق القانون العلماني في المجتمعات التي يشكل فيها المسلمون أقلية، حيث يسمح لهم مؤقتاً بالتكيف جزئياً مع أنظمة القانون المحلية. ومع ذلك، يجب أن يكون الهدف طويل الأجل هو إعادة تشكيل المجتمعات غير الإسلامية والتطبيق الكامل للشريعة الإسلامية. وبالتالي لا ينبغي للمجتمعات المسلمة في أوروبا أن تندمج مع نفسها بل يجب أن تبقى مختلفة بشكل دائم وتنتظر الأوقات المستقبلية للقيادة الإسلامية.
تم إدراج القرضاوي كإرهابي من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر في عام 2017. وكان قد منع من دخول الولايات المتحدة منذ عام 1999، والمملكة المتحدة منذ عام 2008، وفرنسا منذ عام 2012. واتهمت المنظمتان التي يرأسهما القرضاوي” اتحاد الله” و “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” بدعم الإرهاب.
الخاتمة
بعد نهائيات كأس العالم في 18 ديسمبر، هل ستتغير النظرة إلى قطر، أم أن التركيز على هذه المملكة الصغيرة سيتلاشى؟
من المرجح أن تظل حقوق الإنسان في قطر قضية إعلامية دائمة في هذا البلد. لم تعد الانتقادات السياسية كبيرة كما كانت قبل، فنالك مايقارب أربعين في المائة من روسيا وأربعة في المائة فقط من قطر من واردات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2020، و أرادت الحكومة الألمانية تغيير ذلك بشكل أساسي منذ الحرب العدوانية الروسية في أوكرانيا، فقد أوضحت صور الانحناء العميق لوزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك لوزير الطاقة القطري، وحتى مؤيدي “السياسة الخارجية القائمة على القيم” كان عليهم أن يدركوا في غضون ذلك انه إذا أراد المرء تحرير نفسه من الاعتماد على استبداد حربي مثل النظام الروسي فسيكون التعاون مع الأنظمة الاستبدادية ضروري من أجل الدفء الداخلي.
لن يتم تقييم حجم تأثير كأس العالم لكرة القدم على الدولة والمجتمع في قطر إلا في غضون بضع سنوات. ترغب الدولة القطرية في الاحتفاظ بسيادة التفسير بالقمع، فهناك أوجه تشابه مع الأنظمة الاستبدادية الأخرى كما هو الحال في روسيا أو الصين أو مصر. ولكن أبعد من ذلك، تعتمد قطر على “القوة الناعمة” أكثر من أي دولة أخرى تقريباً، فهي تعتمد على الاستثمارات في التكنولوجيا والثقافة والرياضة والإعلام التي تبلغ قيمتها المليارات. ومن الأمثلة البارزة: شركة الطيران الخطوط الجوية القطرية، ومتحف الفن الإسلامي في الدوحة، والاستيلاء على نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم أو قناة الجزيرة الإخبارية.
أدركت الأسرة الحاكمة في وقت مبكر أنها لا تستطيع منع الانتقادات من الغرب، ولكن يمكنها تخفيفها من خلال شبكاتها الإعلامية الخاصة. فكانت الدوحة مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان لعقود، ويحظر النظام الإضرابات ويحظر المظاهرات الكبرى، لكنها انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التابع للأمم المتحدة في عام 2018.
وهناك الكثير مما يشير إلى أن القوى المحافظة في قطر سوف تسحب إصلاحاتها المبدئية ولكن ربما بعد كأس العالم، عندما تتحرك القافلة الإعلامية ويتحول الاهتمام الدولي إلى ساحة أخرى.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.