أعلنت قوات سوريا الديمقراطية الكردية “قسد”، يوم الخميس أنها لن تسلم عناصر داعش وعائلاتهم المحتجزين لديها لأي جهة كانت.
وكان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قال بعد أن سحب قواته من شمال سوريا؛ بأن مهمة سجون داعش سوف تنتقل إلى القوات التركية التي تحاول السيطرة على المنطقة وطرد الأكراد منها.
وقال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “مظلوم عبيدي” في حوار مع قناة “روداو” الكردية: “مسلحو داعش المعتقلون وعائلاتهم لدينا، نحن من ألقى عليهم القبض، ونحن من يحدد مصيرهم”.
وأكد “عبيدي” أن الأكراد لن يوافقوا على تسليم إرهابيي “داعش” إلى تركيا أو الحكومة السورية، حتى في حال سيطرتهم على الأراضي التي تقع تحت سيطرة “قسد”.
وتنتشر في شمال سوريا سجون لعناصر داعش وعائلاتهم، وسجون لنساء داعش، تضم آلافاً من التنظيم الإرهابي، ينتمون لأكثر من 50 دولة، كلها تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية الكردية، ما يشير إلى قدرة قسد على افتعال أكثر من 50 مشكلة في العالم.
وأردات القوات الكردية التي حاولت خلال السنوات الماضية مستغلة مشاركتها في دحر التنظيم من شمال سوريا، إقامة كانتون لها في مناطق تسكنها الأغلبية العربية على غرار “إقليم كردستان العراق” الذاتي الإدارة، لكن تركيا الجارة الشمالية لسوريا نظرت للأمر على أنه تهديد لأمنها القومي، وهي التي تصنف القوات الكردية المسلحة ضمن قائمتها السوداء وتصفهم بـ “الإرهابيين”.
وإقامة إدارة ذاتية للأكراد في شمال سوريا يعني تشجيع أكراد جنوب تركيا على التمرد على حكومة أنقرة للانضمام إلى الكانتون التركي في شمال سوريا، لتحقيق الحلم الكردي في إقامة وطن قومي لهم، يمتد على أربع دول “العراق، سوريا، تركيا، إيران”، لذا بدأت تركيا منذ بداية 2018 بكسر الامتداد الكردي الذي كاد أن يصل إلى ساحل المتوسط انطلاقاً من الحدود العراقية السورية، بعد القضاء على داعش، فأطلقت أنقرة عملية عسكرية ضد الأكراد في ريف حلب وبالتحديد منطقة عفرين وريفها التي سيطرت عليها الإدارة الذاتية لأكثر من عامين.
وأقامت فيها منشآت مدنية، العملية العسكرية التركية حينها حملت اسم “غصن الزيتون” وتمكنت تركيا من تحقيق هدف العملية وأخلت المدينة من المقاتلين الأكراد، ورفع العلم التركي وعلم المعارضة السورية في سماء عفرين.
تزامنت العملية العسكرية التركية بتوقيع مصالحة بين نظام الأسد وغوطة دمشق الشرقية، أدت إلى إفراغ الغوطة التي كانت تتمتع باستقلالية خارجة عن إدارة العاصمة دمشق المتاخمة لها لطيلة ست سنوات، وهُجر سكان الغوطة نحو الشمال السوري، ما فهم على أنه توافق دولي يقضي باستحواذ روسيا على دمشق.
مقابل حصول أنقرة على شمال سوريا لحماية حدودها الجنوبية، ووفق هذا المضمون أطلقت أنقرة علميتها العسكرية الأخيرة في المناطق التي سيطرت عليها القوات الكردية بموافقة دولية وأمريكية.
شعر الأكراد بعد أن كان يطلق عليهم اسم “الحلفاء” بالخذلان الدولي، إثر كشف أمريكا ظهرهم للترك، وسحبها قواتها من القواعد المنتشرة شماليّ سوريا، وبات الأكراد وجهاً لوجه مع قوات دولة منظمة لها قوة عسكرية، إضافة للفصائل السورية المعارضة المدعومة تركياً، لم يكن أمام الإدارة الذاتية الكردية سوى خيار واحد لمنع القوات التركية والفصائل الموالية لها من الدخول لمناطقهم، وهذا الخيار كان الكرد يرفضونه على مدى عامين بالرغم من الوساطات الدولية التي تدخلت لكنهم في النهاية وجدوا أنفسهم مضطرين لتسليم المنطقة بما فيها لدمشق، حتى إنهم لم يفاوضوا على آبار النفط التي تريد دمشق ومن ورائها موسكو الوصول إليها.
انتقم الأكراد لكرامتهم ولم يواجهوا الأتراك وحيدين، لكنهم لم يفرطوا بورقة التوت الأخيرة التي لولاها لقضت عليهم القوات التركية منذ اليوم الأول لعملية “نبع السلام”، ألا وهي “فزاعة داعش”.
ما يزال آلاف من مقاتلي داعش تحت قبضة القوات الكردية، وبالرغم من طلب أمريكا للدول الأوربية وكندا واستراليا استرجاع مواطنيهم الدواعش من شمال سوريا، إلا أنهم أصروا على الرفض، كما أن العراق صرح أمس الأربعاء بأنه لن يستقبل عناصر داعش على أراضيه.
أعلنت الحكومة العراقية اليوم الأربعاء أنها لن تقبل بقايا عناصر تنظيم الدولة “داعش” الإرهابي على أراضيها، حيث أعلن الرئيس العراقي “برهم صالح” أنه لن يستقبل محتجزي داعش في سوريا على الأراضي العراقية، وأن العراق ليس “مكباً” لما تبقى من التنظيم الإرهابي في سوريا.
وصرح مستشار الرئيس العراقي “شروان الوائلي” أن “صالح” تلقى اتصالاً من وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” لكن المحادثات تناولات علاقة البلدين، دون أن يتطرق “بامبيو” لملف الإرهاب، واحتمالية نقل عناصر التنظيم إلى العراق.
وتتهم فرنسا كلاً من أمريكا وتركيا بالتسبب في فلتان أمني شمال سوريا، واحتمالية كبيرة لعودة التنظيم الإرهابي، بعد القرارات الأخيرة لكلتا الدولتين هناك.
كما اتهمت بريطانيا وفرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بالمساهمة في عودة داعش بسبب سحب الأولى 1000 جندي بشكل أحادي الجانب شمال سوريا، وشن الثانية عملية عسكرية في ذات المنطقة، وصفتها بريطانية بـ “الطائشة”.
وتعتبر أكبر دولتين أوروبيتين، أن أمريكا وتركيا أضاعتا مكاسب خمس سنوات من قتال تنظيم الدولة “داعش”، وبدأت بريطانيا وفرنسا بوضع خطط إجرائية للتعامل مع هروب عناصر من تنظيم الدولة “داعش” من سجونهم التي كانت تشرف عليها الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا.
وقال رئيس وزراء فرنسا “إدوار فيليب” في جلسة أمام البرلمان أمس الثلاثاء: ” هذه القرارات تلقي بظلال من الشك على خمسة أعوام من جهد التحالف . . . هذا التدخل مدمر لأمننا الجماعي بجانب العودة المحتومة للدولة الإسلامية في شمال سوريا وربما في شمال غرب العراق أيضاً”.
وتصر فرنسا على عدم رغبتها في استعادة “مواطنيها” الذين انضموا إلى تنظيم الدولة “داعش” كما تعمل على التوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية من أجل استقبالهم في سجونها ومحاكمتهم لديها، على الرغم من تجديد الولايات المتحدة الأمريكية لطلبها من الدول الأوروبية في استعادة مواطنيها “الدواعش”.
وسط كل هذا الزخم الدولي لـ “فزاعة داعش” تعمد القوات الكردية إلى التلويح بها بكثرة هذه الأيام، حيث هرب عشرات من سجناء داعش من سجن قريب على تل عيسى تسيطر عليه “قسد” التي ادعت أن اشتداد القصف التركي تسبب بهروبهم.
كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي “إيف لو دريان” أمس الأربعاء أن 9 داعشيات فرنسيات هربن، ويناقش “لو دريان” ملف داعش في العراق اليوم.
لذلك ترى القوات الكردية أن داعش هي الورقة الأخيرة التي ستنقذها مما هي فيه، ولن تتخلى عنها لو تخلت عن آبار النفط كلها في شمال سوريا.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.