فتحت قرارات قوات سورية الديمقراطية “قسد”، بطرد عائلات عربية من مساكنها في أحد أحياء مدينة الحسكة، الباب مجددًا على ممارسات الإدارة الكردية الفعلية لتلك القوات بحق المكون العربي في مناطق سيطرتها (والذي يشكل أغلب السكان).. ما بعث تساؤلات عما إذا كانت “قسد” تحاول فرض التغيير السكاني هناك.
وأمهلت السلطات الكردية عدة عائلات عربية للخروج من منازلها في حي غويران بمدينة الحسكة، شمال شرقي سورية، بذريعة أن تلك المنازل تعود ملكيتها لـ “الحكومة”، كما جرى إطلاق تهديدات للعائلات بالعقوبة حال عدم الخروج.
مساكن الشرطة
ذكرت مصادر مطلعة هناك لوسائل إعلامية أن محور الأزمة يدور حول مساكن الشرطة الواقعة في حي غويران جنوب المدينة.
المصادر أكدت أن دوريات الأسايش التابعة لـ “وحدات حماية الشعب” (عمود “قسد” الفقري وقيادتها الحقيقية) داهمت عدّة منازل في منطقة مساكن الشرطة، بحي غويران في مدينة الحسكة، حيث طالبت ساكني المنازل بمغادرتها مع التهديد بالعقوبة حال عدم الامتثال لمطالب المليشيات الكردية.
ليرفض الساكنون في تلك المنازل إخلاءها، الأمر الذي قاد إلى نشوب عراك بين عناصر المليشيا وبعض النسوة من السكان، حيث أمهلت المليشيات القاطنين في المنازل لمدة محددة لإخلائها.
وتحت ذريعة ملكية المساكن للحكومة، يبدو أن “قسد” تريد إنزال عائلات عناصرها في تلك البيوت – وفق ذات المصادر – في خطوة تضاف لعمليات تغيير بنية المنطقة (ذات الغالبية العربية) في مدينة الحسكة التي يتقاسم فيها نظام بشار الأسد السيطرة مع “قسد”.
كما لم يتضح مقدار المهلة التي منحتها “قسد” للقاطنين في المنازل.. حيث ذكرت المصادر أن “مساكن الشرطة” هي منطقة سكنية مؤلفة من عدة أبنية كانت مخصصة لسكن عائلات عناصر الشرطة التابعين للنظام السوري، ثم في الفترات الماضية سكنتها عائلات عربية من المنطقة بعضها دمرت منازلها بقصف التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الإرهابي على حي النشوة الغربية القريب من غويران.
ليست المرة الأولى
يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تستولي فيها على منازل في المدينة ومواقع بحجة أنها أبنية حكومية..
فقد سبق لـ “قسد” أن وضعت يدها في وقت سابق على معظم الأبنية الحكومية الخدمية في المدينة ومجموعة من المناطق السكنية المرتبطة، بها مثل مبنى السجل المدني ومديرية الصناعة ومديرية الحبوب، ولم يبق من سيطرة نظام الأسد في مدينة الحسكة سوى ما يعرف بالمربع الأمني.
وتشير معلومات أن “قسد” أضحت تسيطر على معظم مدينة الحسكة، خصوصًا بعد سيطرتها على المناطق المجاورة للقاعدة الأميركية قرب حي غويران وسجن الصناعة، فلم تبق للنظام سوى الفروع الأمنية في المدينة.
أما حي غويران نفسه فله أهمية خاصة، فهو يقع على ضفة نهر الخابور، جنوب مدينة الحسكة، ويعتبر المدخل الجنوبي للمدينة على الطريق الواصل إلى ناحية مركدة ومحافظة دير الزور، وهو امتداد للأحياء ذات الغالبية العربية في المدينة والتي كانت معقل المعارضة السورية للنظام في المدينة.
عودة للوراء
في حيثيات المشكلة العربية الكردية ومساع وحدات حماية الشعب الكردي فرض تغيرات ديمغرافية في الشمال الشرقي من سورية.. بدأت القضية منذ سنين خلت استغل فيها “حزب الاتحاد الديمقراطي” قضية الأقليات ” الأكراد” الذين اضطهدهم نظام الأسد (كما اضطهد بقية السوريين) حيث سعت الميليشيات الكردية للحصول على دعم غربي على أنها مكون عسكري معارض لحكم الأسد، حيث أردات الإيهام أنها في صف الثورة السورية، مع سعيها على استمالة المكونات العربية منها والسريانية والتركمانية لصف الوحدات الكردية لإبعاد النزعة الانفصالية..
نقطة محاربة الإرهاب كانت وسيلة مهمة استغلتها الوحدات الكردية في مساعيها للسيطرة الميدانية والحصول على الدعم الغربي.. فكانت الانطلاقة العملية في معارك عين العرب “كوباني” ضد تنظيم الدولة “داعش” في إطار تحالف دولي لمحاربة الإرهاب..
مع استيلاء الوحدات الشعبية الكردية (لم تكن “قسد” قد أنشئت بعد) على تل أبيض، ذات الأهمية الاستراتيجية مع تركيا وتوسعها شرقًا ووصل مناطقها في مقاطعة الجزيرة بعين العرب.. انطلق مسلسل التضييق الممنهج الذي مارسته الوحدات الشعبية على المكونات العربية في مناطقها، بدءًا من سلسلة من عمليات التهجير في مناطق الاشتباك بحجة محاربة التنظيم، لتبدأ مرحلة جديدة من المجاهرة بالتهجير والتضييق على المكونات العربية في غرفة عمليات بركان الفرات كـ لواء ثوار الرقة، بعد إخلال الوحدات الشعبية بوعودها بتسليم المدينة لأهلها، والتي بادرت لإعلانها إدارة ذاتية تتبع لمقاطعة الجزيرة (أصبحت رابع إدارة كردية في سورية بعد إدارات عين العرب والقامشلي وعفرين في آب 2015).
الرفض الشعبي بدأ واضحًا حينها، مع إعلان لواء ثوار الرقة وحملة الرقة تذبح بصمت (تنسيقية شعبية) مع عدد من الفعاليات المدنية والثورية في محافظة الرقة رفضهم الشديد لقرار تل أبيض إدارة ذاتية كردية، خصوصًا بعد مسلسل التهجير القسري لآلاف العائلات العربية باتجاه الحدود التركية والمناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، التي كانت واقعًا فُرض بالقوة من قبل وحدات الحماية الشعبية، بالتزامن مع عجز المكونات العربية عن التصدي لهذه التصرفات ما خلق حالة من الصراع الداخلي بين مكونات غرفة بركان الفرات العسكرية وسرّع في انهاء الغرفة.
“قسد” واجهة وتعتيم
اتجهت الوحدات الكردية في تشرين الأول أكتوبر من عام 2015 للإعلان عن تشكيل عسكري جديد تقوده وحدات الحماية الشعبية، عرف باسم “قوات سوريا الديمقراطية” يتألف بشكل أساسي من وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، مع المجلس العسكري السرياني، وجيش الثوار (مكون من عدة فصائل عربية من الجيش الحر حاربتها جبهة النصرة في إدلب).. حيث تدعم تلك التشكيلات بشكل كبير من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية باسم “محاربة الإرهاب”.
خطوة قرءت كتكتيك اتبعته وحدات الحماية الكردية كواجهة لعمليات التهجير والمعارك، في مسعى لإظهار المكون العربي طرفًا أساسيًا في المشهد المعقد هناك، حيث تتحكم به من الخلف “الوحدات الشعبية الكردية ” ما يمنحها درءً وذريعة للالتفاف على المعارضين لعمليات التوسع، مع إظهار توسعها على أنه في خضم محاربة الإرهاب وأنه ليس ضمن مشروعها الانفصالي والدليل مشاركة قوى غير كردية في تلك العمليات.. وفق ما أشارت له تقارير عدة.
ليشهد شهر أكتوبر تشرين الثاني عام 2015 انطلاق قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التوسعي في ريف الحسكة، مع إعلانها بدء عملية عسكرية ضد تنظيم الدولة “داعش” بعد دعم كبير ودفعات من السلاح وجسر جوي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.. ما سمح لها بالسيطرة على كامل منطقة البحيرة الخاتونية الواقعة شمال بلدة الهول بريف الحسكة بعد اشتباكات مع عناصر تنظيم الدولة، والتي اعطتها دعمًا قويًا من التحالف الدولي وساعدتها على الظهور بمظهر الفصيل الأقوى المحارب للإرهاب في سوريا..
ثم ظهرت مطامع قوات “قسد” تظهر بريف حلب الشمالي بعد تعزيز سيطرتها على المناطق الواقعة بين مقاطعة الجزيرة ومنطقة عين العرب “كوباني”، لباشر بمرحلة التفكير بوصل عين العرب بمقاطعتها في عفرين من خلال السيطرة على بلدات ريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة الثوار.
شهد تعاظم الصراع بين “قسد” والمكونات العربية التي عملت على التكتل في جيش العشائر وجبهة ثوار الرقة لمواجهة المشروع الانفصالي لقسد، ممارسة قوات “قسد” حينها عمليات تهجير مدروسة للمكونات العربية من المناطق التي سيطرت عليها، ثم قامت بحملات اعتقال واسعة للشباب العربي وضمهم لـ معسكرات التدريب التابعة لها، إضافة لمصادرة الممتلكات العامة والخاصة وعمليات النهب والسلب وتدمير القرى العربية بشكل كامل ومنع أهلها من العودة إليها.
وتسبب التضييق والخيار المرّ الذي وقعت فيه فصائل الثوار بعد خطوات “قسد” حينها، برضوخ جبهة ثوار الرقة في شباط فبراير 2016 ودخولها ضمن قوات سوريا الديمقراطية بشكل رسمي.. ما عزز دعاية “قسد” الإعلامية ودعم محاولة إظهار التنوع الذي تضمه في صفوفها مع سعيها لإثبات وجود المكون العربي كـ قوة أساسية كبيرة متحالفة معها لإعطاء حربها وتقدمها للمناطق العربي شرعية أكبر أمام الإعلام والدول الغربية الداعمة.
في كانون الأول ديسمبر عام 2016 تجددت الخلافات بين قسد والمكونات العربية ضمنها، فاندلعت مواجهات مسلحة بين قوات “قسد” وعناصر لواء ثوار الرقة، على خلفية اعتقالات نفذتها عناصر “قسد” بحق عناصر من اللواء، تطورت لاشتباكات مسلحة بين الطرفين في قرية الجرن بريف الرقة الشمالي، لرفض “أبو عيسى” المشاركة بشكل فاعل مع قوات “قسد” في معركة “غضب الفرات”، ورفضه دخول قوات “قسد” لمدينة الرقة، والانتهاكات التي تقوم بها “قسد” بحق المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، خصوصًا عمليات التهجير والاعتقال وسرقة الممتلكات، حيث وصلت حينها لمرحلة إجبار قيادات من لواء ثوار الرقة لإعلان انشقاقهم تحت تهديد القتل وبعد اعتقالهم،
يذكر أن تصرفات “قسد” لم تقتصر على المكون العربي بل عانت المكونات والتيارات السياسية والأحزاب المعارضة لتصرفها من عمليات الملاحقة والاعتقال، حيث استمرت لما بعد السيطرة على مدينة الرقة وبدء مراحل إنهاء الفصيل العربي الأبرز ممثلاً بلواء ثوار الرقة، من خلال اعتقال قياداته وإجبارهم على تفكيك اللواء واعتقال عناصره وحصارهم في مقراتهم.
تقارير دولية
صدر عام 2018 تقرير لمنظمة العفو الدولية، فضح مخطط لتهجير سكان القرى العرب شمال وشمال شرق سورية، حيث يكشف التقرير ممارسات “YPG” ( وحدات حماية الشعب الكردية) التي تشكل بالأساس العمود الفقري لما يسمى بقوات “قسد”.
حيث عملت القوات الكردية بعد إحكام سيطرتها على القرى العريبة – بحسب تقرير منظمة العفو الدولية – على تهديم هذه القرى وحرق البيوت وتسويتها بالأرض تحت حجة أنها مناطق عسكرية حتى مسحتها تمامًا من الوجود ، كما وتقوم هذه الوحدات المسلحة بممارسات غير إنسانية بحق أهالي وسكان هذه القرى وترحيلهم وتهجيرهم منها.
وعن مجريات الأحداث وتقرير العفو الدولية حينها ومساعي الوحدات الكردية في السنوات الماضية للتغيير الديمغرافي في مناطق شمال وشمال شرق سورية وفي مناطق جرت عمليات الترحيل،علّق الباحث في العلاقات الدولية باسل الحاج جاسم، وفق ما نقلته “سبوتنيك” الروسية.. أنه من: “الواضح من تقرير منظمة العفو الدولية، والواضح على أرض الواقع أنه أكبر من مجرد تقرير، فخلال فترة زمنية ليست طويلة يعني خلال عدة سنوات ما تشهده مناطق شمال وشمال شرق سورية ومايطلق عليه اليوم شرق الفرات والمناطق الحدودية ولاسيما في شق كبير مع تركيا والعراق، هناك ما يشبه محاولات أمريكية لتكرار سيناريو ماحدث في شمال العراق مع تغيير ديمغرافي وجغرافي، والولايات المتحدة الأمريكية ومع دعمها للإمتداد السوري لـ “حزب العمال الكردستاني” بين مزدوجين تحت ذريعة محاربة “داعش” يبدو أنّ الفكرة أو التجربة في شمال العراق ألهمتهم للقيام بذلك ومحاولة لتكرارهم إقامة كيان إنفصالي في هذه المناطق السورية ذات الأغلبية العربية”.
معضلة وتعقيد
أوضح حاج جاسم في حواره مع سبوتنيك أنه وحسب “تقرير منظمة العفو الدولية وكما ذكرنا في البداية بالنسبة لأكراد سورية لم يكن خلال الفترة الماضية لديهم أي خلافات مع محيطهم العربي، على العكس في فترات تاريخية سابقة كان هناك رؤساء حكومات من أصول كردية، إلا أن تزايد مشكلات الأكراد في دول الجوار والتجربة التي قامت الولايات المتحدة بها في شمال العراق هي التي ألهمتهم وعززت الشعور الإنفصالي عند بعض الفئات منهم، واليوم يتزعمها الإمتداد السوري لـ “حزب العمال الكردستاني”..
لكن في سورية لا يوجد لتحقيق هذا الهدف أي مقومات ديمغرافية أو جغرافية – وفق الباحث- حيث لو نظرنا إلى المناطق التي ينتشر فيها الأكراد مثلًا في الحسكة والمالكية والقامشلي وعين العرب وأيضًا في عفرين في شمال حلب بالإضافة إلى حي الأكراد في دمشق والذي معظم سكان هذا الحي إندمجوا مع محيطهم وحتى لسانهم عربي والكثير منهم يقال عنه فقط من أصول كردية ، لو نظرنا بالنسبة لعين العرب وعفرين بالنسبة للتوزع الديمغرافي لعموم سكان سورية فهناك لو إفترضنا أن نسبة الأكراد تتجاوز في هاتين البلدتين 80 بالمئة فهي لاتتجاوز نسبتهم 1 % لعموم السوريين..
“وإذا ما أخذنا بأحدث الدراسات لعموم المناطق التي يتواجد فيها الأكراد فالنسبة لاتتجاوز 6 % من عموم سكان الجمهوريبة العربية السورية، إذن لا توجد مقومات ديمغرافية أولاً ، وجغرافية ثانيًا، لو نظرنا جغرافيًا في مناطق شمال وشمال شرق سورية فهناك مئات الكيلو مترات، و في هذه المساحات هناك مئات الآف من العرب وربما الملايين من العرب ومن التركمان أيضًا”.
مؤخرًا شهدت بلدات ريف دير الزور (العربية) تصاعد المواجهات بين العرب والوحدات العسكرية الكردية بعد حملات الحصار والخطف والاعتداء التي تنفذها قوات “قسد” بحق عدد من أبناء البلدات والقرى بريف دير الزور، كـ الطيانة وذيبان والحوايج والشحيل وقبلها في العديد من مناطق انتشارها بريفي الحسكة والرقة.. فخرج الأهالي بالمظاهرات والاحتجاجات الداعية لطرد “قسد” من المنطقة في الوقت الذي اندلعت فيه اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة في العديد من بلدات ريف دير الزور وأسفرت عن طرد “قسد” من عدة قرى وبلدات واستعادة مواقع كانت تتخذها مقرًا لها على مدى السنوات الماضية وحاولت خلالها فرض أجندتها المرتبطة بمخططات أعمق..