“الموت للديكتاتور”، يبدو أنه الشعار الذي بات الأعلى صوتا في المدن الإيرانية، التي تشهد اليوم موجة احتجاجات جديدة، سرعان ما انتشرت رقعتها تحت وطأة الفقر والظلم والفساد، لتكون أسعار الوقود التي رفعتها الحكومة، هي شراراتها الأولى.
إذا وخلال ثمان وأربعين ساعة فقط من التظاهر، حدد الشعب الإيراني عدوه وهدفه الأول من الانتفاضة الجديدة، أو ما يمكن تسميته بـ”بوادر الثورة”، إنه رأس هرم السلطة، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية “علي خامنئي”، والذي أظهرت مقاطع فيديو بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعة من المتظاهرين وهم يحرقون صوره ويدوسونها بأقدامهم.
من المتوسط إلى أصفهان، عدو واحد للشعوب
لوهلة قد يظن المتابع أن مقاطع حرق وتمزيق صور “خامنئي” التي شاهدها اليوم، هي جانب من مظاهرات العراق المنتفض حالياً، بسبب درجة التشابه الكبير بين المظاهرات في البلدين، من حيث الأسباب والمعطيات وحتى النتائج، خاصة مع ارتفاع عدد قتلى مظاهرات إيران إلى 5 قتلى، برصاص قوات الأمن، خلال ساعات قليلة فقط من اندلاع الاحتجاجات.
محللون سياسيون من جهتهم، رأوا في تشابه المشهد بين الثورة العراقية وحتى ما جرى في سوريا ويجري في لبنان من جهة، وبين الانتفاضة الإيرانية من جهةٍ أخرى، مؤشراً على أن النظام الإيراني بات يمثل العدو الاول لشعوب المنطقة بشكل كامل، خاصة وأن أجهزته الأمنية والعسكرية غارقة بدماء تلك الشعوب منذ أكثر من 40 عاماً.
وأضاف المحللون: “الإيرانيون لن يكون بأغلى ثمناً من السوريين أو اللبنانيين ولا العراقيين، بل على العكس، فإن النظام الإيراني يرى في الانتفاضة الإيرانية خطراً حقيقياً يهدد ساحته الداخلية، وبالتالي فإن البطش والقوة المفرطة ستكون حاضرة في التظاهرات، وهو ما دل عليه وصول عدد القتلى إلى 5 خلال ساعات فقط”، لافتين إلى أن أجهزة النظام باتت تستشعر خطراً حقيقياً يهدده، لا سيما وأن المظاهرات هذه المرة، تأتي متزامنة مع مظاهرات خارجية تستهدف النفوذ والكيان السياسي والأمني للنظام في إيران.
إمبراطورية الجوع والركوع
“قد لا يصدق عاقل بأن عشرين سنتاً (وهي مقدار الزيادة على أسعار البنزين)، أدت إلى إشعال بلدٍ بأكمله، ولكن في إمبراطورية “خامنئي” التي أسسها سلفه “خميني”؛ كل شيء ممكن ووارد ومنطقي”، يقول الناشط الإيراني المعارض “ميلاد هدايتي” لمرصد “مينا”، تعليقاً على التظاهرات في البلاد، مشيراً إلى أنها كانت “القشة الألف” التي تقصم ظهر البعير للمرة الألف.
وأضاف “هدايتي”: “نعم هناك ألف سبب وسبب لقيام التظاهرات في إيران، ولكن فعلاً أسعار الوقود كانت سبباً رئيسياً لانتفاضة الشعب في بلد يصل فيه حد الأجور إلى 200 دولار شهرياً على الأكثر، في ظل غلاءٍ عام ضرب كل النواحي المعيشية من مواد غذائية وأساسية، نعم خارج إيران “20” سنتاً لا تملك قيمة، ولكن داخل إيران قد تعادل شرارة ثورة”، مجدداً التأكيد على أن الثورة لم تكن فقط بسبب زيادة أسعار البنزين، ولكن الزيادة كانت شرارة جديدة للانتفاض.
ولفت “هدايتي” إلى أن الإيرانيين يعيشون في بلد تجاوزت فيه نسب البطالة حد 28 في المئة بحسب الإحصائيات الأخيرة، وأكثر من 40 في المئة من سكانه يعيشون تحت خط الفقر، أي بأقل من 350 دولار شهرياً، وذلك وفقاً لإحصائيات البرلمان، فإنه من الطبيعي أن تشعل السنتات العشرين انتفاضة وثورة وحرب، على حد قوله، مشيراً إلى أن الشعب لا يقاتل اليوم فقط من أجل حرية وديمقراطية، وإنما من أجل الحياة ولقمة العيش.
كما أردف: “إيران اليوم يمكن وصفها بشكل مباشر بـ إمبراطورية الجوع والركوع، فالكل جائع والكل فقير والكل معدوم، وعلى الرغم من ذلك، هم ممنوعين حتى من الصراخ، وكل شيء مسموح لهم هو الركوع والخضوع، ولسان حال النظام يقول، تألم ولكن لا تصرخ”.
الجنس مقابل الغذاء وربما الدواء
“إن كانت العراق تقايض النفط في الغذاء أيام نظام صدام حسين، فإن في بلاد الثورة الإسلامية نسبة كبيرة من الفتيات اضطررن لمبادلة الجنس إما بالغذاء أو الدواء، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، ليس منذ سنة او اثنتين أو ثلاثة، وإنما منذ عقود”، يضيف “هدايتي” واصفاً حال الفقر الذي وصل إليه الإيرانيون.
وأشار “هدايتي” إلى أن الجنس يتم عبر عدة طرق منها التقليدية المعروفة بالنسبة للجميع، ومنها ما يتم عبر رعاية المؤسسات الدينية والعمائم، وفق ما يسمى بـ”المتعة”، مضيفاً: “تخيل تحت أي نظامٍ نعيش، في بلاد النفط والغاز والثروة، هناك من تضطر لبيع جسدها من أجل لقمة طعام أو حبة دواء، مليارات تنفق على الحوثيين وبشار الأسد وميليشيات العراق ولبنان، وهنا على أرض إيران من ينام على أنغام خوار بطنه”.
إلى جانب ذلك، أوضح “هدايتي” أن إيران اليوم مقسومة عملياً إلى قسمين، الأول هو طبقة الحكام التي لديها كل شيئ، وطبقة العامة التي لا تملك أي شيء سوى تقديم الخدمات للطبقة الأولى، على حد وصفه، مضيفاً: “بين الطبقتين طبقة صغيرة جداً يمكن أن نسميها نسبياً بالطبقة الوسطى، وهي على الطبقة التي على يمكنها في أحسن الأحوال أن تكمل شهراً كاملاً دون الاقتراض أو اللجوء إلى أعمال مشبوهة كالدعارة أو المخدرات أو الاتجار بالممنوعات الأخرى”.
ليست فردية من نوعها ولكنها قد تكون الأشد
ضمن دول منطقة الشرق الأوسط، يمكن تصنيف إيران كأكثر دولة إقليمية شهدت حركات احتجاجية وأنصاف ثورات، بدءاً من الثورة الخضراء ضد نظام “أحمدي نجاد” عام 2009، وصولاً إلى احتجاجات اليوم، مروراً باحتجاجات مطلع العام 2018، وضمن هذا الإطار يقول “هدايتي”: “المظاهرات الحالية ليست الأولى من نوعها، ولكنها الأشد طبعاً، نحن أمام جيل نشأ على الثورات ضد النظام القمعي، واليوم الشعب كما ذكرت يقاتل للعيش للأمعاء الممتلئة، يقاتل على حياته”.
وأشار “هدايتي” إلى أن المظاهرات الحالية ستوسع الفجوة بين النظام والشعب، موضحاً: “أنا لا أحاول الحديث بمشاعر ولا أحاول أن أزرع الصحراء، ولكنن يمكنني القول بأن أهمية الاحتجاجات المتتالية تكمن في ما تشير إليه بأن النظام لم يعد كما كان، وأننا في لحظة معينة من الزمن سنتمكن من اقتلاعه ومحاسبة رموزه”.
واعتبر “هدايتي” أن المرحلة الحالية، هي أسوأ وأضعف مراحل النظام، كونه يواجه حرباً ضد الحوثيين في اليمن، وثورة ضد ميليشياته في لبنان والعراق، واستنزاف في سوريا، بالإضافة إلى بوادر ثورة داخلية، مشيراً إلى أن كل ذلك قد يدفع لأن تتسع رقعة الاحتجاجات أكثر من أي وقت سابق.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.