هيئة التحرير
“علاقات لا تعرف الطرق المسدودة”، تعبيرٌ يستخدمه الكاتب والمحلل السياسي “حسام حمدان” للتعبير عن عمق العلاقات القطرية – الإيرانية، ومدى رسوخها، لافتاً إلى أن عمر تلك العلاقات يتجاوز ثلاثة عقود.
وتمثل العلاقات بين الدوحة وطهران، واحدة من أكثر الأمور المثيرة للجدل في العالم العربي على المستوين الشعبي والرسمي، خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق’ وانقلاب الحوثي في اليمن، وهي من الأحداث التي تتهم إيران باستغلالها لتنفيذ مشاريعها في المنطقة العربية.
سباحة عكس التيار
طبيعة العلاقات بين الجارين على ضفتي الخليج، والتي يصفها أمير قطر “تميم بن حمد آل ثاني” بأنها علاقات أخوة وصداقة، تعتبر بالنسبة للدول الخليجية والعربية سباحة بعكس التيار القومي العربي، وهو ما يبرز أيضاً في بحسب الكاتب “حمدان” في مقال له نشره موقع قناة الجزيرة القطرية، حيث يرى في تلك العلاقات تميزاً للدوحة عن بقية جيرانها العرب، الذين تجمعهم بإيران خصومة وطرق مسدودة، معتبراً أن ذروة تلك العلاقات بدأت بزيارة أمير قطر السابق، “حمد بن خليفة آل ثاني” إلى طهران عام 2000، وكانت الزيارة الأولى، التي يقوم بها حاكم دولة خليجية لإيران منذ عشرين عاماً في ذلك الحين.
وتتصف العلاقات العربية – الإيرانية بالتوتر منذ وصول “الخميني” إلى الحكم عام 1979، وظهور مبدأ تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول العربية، واستغلال المذهبية لخدمة ذلك المشروع، بحسب ما تراه الدول العربية.
سباحة قطر عكس التيار العربي من الناحية العملية، تتجاوز المجاملات السياسية والدعاية الإعلامية، كما يصفها “حمدان”، مؤكداً على أنها تشمل تنشيط وتفعيل العلاقات من خلال مجموعة من الاتفاقيات في مختلف المجالات، خاصةً ما يتعلق بمشروع نهر كارون الإيراني، وهو المشروع الذي يصفه الكاتب بواحدٍ من مشاريع دفع الدماء في عروق تلك العلاقة وتعميدها.
وكان مشروع نهر كارون قد أثار ضجة كبيرة بين سكان إقليم الأحواز العربي في إيران، إذ اتهم سكان الإقليم، النظام الإيراني بسرقة مياه النهر الوحيد، الذي يغذي حقولهم، ما أدى إلى بورانها بشكل شبه كامل، كما يقول الناشط الأهوازي “مرتضى الأهوازي” -اسم مستعار-، لمرصد مينا.
أكبر من صداقة وأقل من تحالف
على الرغم من محاولتها خلق توازن بين اتصالاتها بطهران من جهة والحاضنة العربية من جهة أخرى، عبر دعم العراق في حربه مع إيران عام 1982 والمشاركة في تحالف دعم الشرعية في اليمن عام 2015، إلا أن العلاقات بين الدوحة وطهران، تتجاوز مرحلة الصداقة أو حسن الجوار، وهو ما يذهب إليه المحلل السياسي “مسعود الزاهد”، حيث يصف العلاقات بين الطرفين بانها شبه تحالف، في الوقت الذي تتسم علاقات قطر بمحيطها العربي بالتوتر، خاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم ثلاثة أعضاء قطعوا علاقاتهم بالدوحة، قبل ما يزيد عن ثلاثة أعوام، وهم السعودية والإمارات والبحرين.
وكانت كل من الدول الثلاث بالإضافة إلى مصر وبعض الدول العربية والإسلامية قد أعلنت عام 2017 مقاطعة شاملة لقطر، بسبب علاقاتها مع إيران وأنشطتها الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين، التي تصنفها كل من الرياض والمنامة وأبوظبي والقاهرة، كمنظمة إرهابية.
حالة شبه التحالف بين الحكومة القطرية والنظام الإيراني، لا تأبه بحسب ما يؤكده “الزاهد” بالنظرة التوسعية لإيران في المنطقة العربية، على اعتبار أن العلاقات بينهما لا تزال تأخذ منحى أكثر اتساعاً، مشيراً إلى أن طهران تسعى لأن تجد لها في قطر موطئ قدم في مجلس التعاون بغية مواجهة خصومها الإقليميين وخاصة السعودية.
وتنظر إيران إلى الخليج العربي والشرق الأوسط على أنه جزء من امبراطوريتها الفارسية، حيث صرح الرئيس الإيراني، “حسن روحاني” خلال مراسم أقيمت بمناسبة الذكرى الأربعين للثورة الخمينية، بأنه قبل 100 تم فصل جزء كبير من جنوب إيران، وهو الجزء الذي يشكل اليوم عدد من البلدان في جنوب الخليج، في إشارة إلى البحرين والإمارات ومناطق من السعودية.
من تحت الطاولة..
خلافاً للمواقف العلنية، فإن ما يدور خلف كواليس العلاقات القطرية – الإيرانية، كان أكبر بكثير من ما تتداوله وسائل الإعلام وما يطفو إلى السطح، وفقاً لما ينشره المركز الدولي لدراسات السلام” الإيراني الناطق بالفارسية، مؤكداً أن قطر لم تؤيد بشكل صريح الموقف الإماراتي بخصوص جزيرة أبو موسى، التي تحتلها إيران، وإنما اتخذت موقفها حيال القضية ضمن إطار السياسات العامة لمجلس التعاون الخليجي.
وخلال العام الفائت أثار شقيق الأمير القطري، “خليفة بن حمد آل ثاني” موجة غضب في الشارع العربي بعد نشره صورةً له، أثناء زيارته لجزيرة أبو موسى الإماراتية، التي تحتلها إيران، ويظهر خلفه العلم الإيراني.
بعيداً عن قضايا الجزر الإماراتية، يرى، مركز الدراسات، أن قطر لم تكن جادة في مواقفها الإقليمية المشتركة مع سائر أعضاء مجلس التعاون، تحديداً فيما يتعلق بالحرب العراقية الإيرانية والتوسع الإيراني في المنطقة.
انجراف خطير ..
التعليقات والتوصيفات لمتانة ما يربط قطر وإيران، تحول إلى مادة عابرة للحدود والقارات، حيث تصف مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية، حالة تناغم المواقف بين الدولتين بأنه انجراف قطري خطير وكامل للحضن الإيراني، لافتة إلى أن عمق تلك العلاقات في ظل الأزمات المتتالية في المنطقة، يمثل وقاحة سياسية، لا سيما مع جهود المجتمع الدولي لعزل إيران اقتصاديا وسياسيا.
تبقى أكبر نقطة تحول في ملف العلاقات بين الدوحة وطهران، من وجهة نظر الكاتب الصحفي “محمد حسن أبو النور” في قرار قطر قبل سنوات تعيين سفيراً لها “فوق العادة” في إيران، مضيفاً: “اتخاذ قطر لتلك الخطوة كان يحمل رسالة إلى المحيط العربي بأن الدوحة مستمرة في سياسة تعميق العلاقات مع إيران تحت أي ضغط”.