طرحت زيارة الوفد الرسمي اللبناني إلى سوريا، وهي الأولى من نوعها منذ عشر سنوات، الكثير من التساؤلات، في ظل تجاوز العقوبات الامريكية المفروضة على النظام السوري وداعميه، واخترقت “قانون قيصر” تحت غطاء المسعى الأميركي لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، إلى لبنان عبر سوريا.
الاهتمام السوري بالزيارة من خلال استقبال وزير خارجية نظام الأسد “فيصل المقداد”” للوفد اللبناني عند معبر “جديدة يابوس”، وإجراء مباحثات في وزارة الخارجية، أعطى الزيارة بعدا سياسيا، بخلاف ما أشارت إليه رئيسة الوفد نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع والخارجية اللبنانية “زينة عكر”، التي استبقت الزيارة بالقول: إن “غايتها بحث موضوع استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية، وليس أي موضوع آخر”.
الزيارة والنفط الإيراني..
مصادر لبنانية متابعة أوضحت أن “الزيارة أتت هزيلة لكونها مرت من تحت إبط الاميركي وبعلمه، وكان هدفها الاساسي إخماد الاهتمام الاعلامي والسياسي بالباخرة الايرانية والتي لم تجرؤ على دخول المياه الاقليمية اللبنانية لأسباب تتعلق بالفيتو الأميركي”، بحسب موقع “جنوبية” موضحة أن “الموافقة الأمريكية لاستجرار الغاز عبر سوريا لقطع الطريق على ايران وميليشيا حزب الله التي تعرقل أي حل سياسي مطروح في لبنان”.
وكانت صحيفة “غارديان” البريطانية اشارت إلى أن “المرحلة الأخيرة من رحلة الناقلة الإيرانية وتفريغ الحمولة تشكل اختبارا حاسما لعزم واشنطن على الاستمرار في عقوباتها التي أثرت بشكل كبير على إيران”، إذ أكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، أن “الوقود من دولة خاضعة لعقوبات واسعة، كإيران، ليس حلا مستداما لأزمة الطاقة في لبنان، لبنان ليس بحاجة للوقود الإيراني.
وفي السياق نفسه، أعلن وفد من الكونغرس الأميركي خلال اختتام زيارته للبنان الأربعاء الفائت، أن “أي وقود يمر عبر سوريا سيتعرض للعقوبات المفروضة من الكونغرس”، مشددا على أن “حزب الله منظمة تستحوذ على جزء من المال، وهذا لن يحل أزمة الوقود في لبنان، لا أحد يجب أن يعتقد بأن إيران ستحل أزمات لبنان”.
بدوره، أعلن مسؤول لبناني عن قيام وفد وزاري من حكومة بلاده بزيارة دمشق بهدف تمهيد الطريق لخطة تدعمها الولايات المتحدة لتخفيف أزمة الكهرباء في لبنان عن طريق استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا، إذ كان المسؤولون اللبنانيون سابقا يتجنبون زيارة سوريا إلا فيما ندر وعبر زيارات خاصة منذ بدء الثورة في العام 2011، وتبنت بيروت سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، في الوقت الذي يقاتل “حزب الله” إلى جانب النظام السوري في لبنان.
الأسد وبايدن..
طالما كانت العلاقات مع دمشق نقطة احتكاك بين حلفاء الأسد وخصومه في لبنان، دعت ميليشيا “حزب الله” المدعومة من إيران والذي أدرجته واشنطن على قائمة الجماعات الإرهابية إلى تعاون أوثق مع سوريا، وذكر مراسل صحيفة التايمز في لبنان، “ريشارد سبنسر” في تقرير تحت عنوان (الأسد وبايدن يتحدان لحلّ أزمة الطاقة اللبنانية)، أنّ “إعلان نظام الأسد والولايات المتحدة استعدادهما للعمل سوياً على خطة لمساعدة لبنان بالحصول على الكهرباء، دليل على تغيير في السياسات تجاه الشرق الأوسط، بقيادة الرئيس جو بايدن”.
وأكد المراسل “سبنسر” أنّ “الجانب السوري أعلن عن استعداده للمساعدة عبر جلب الغاز من مصر عبر الأردن، وهو الاقتراح الذي أعلنت عنه السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا، والذي فاجأ المراقبين الدوليين”، مشيراً إلى أن “القرار قد يرفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا”،
إلى جانب ذلك، أوضح الكاتب الأمريكي أن “بايدن يراجع سياسة واشنطن في سوريا، بعد تمسك الرئيسان أوباما وترامب بالموقف الأوروبي – الأمريكي، المؤيد لإحكام العقوبات طالما بقي بشار الأسد في السلطة”، لافتاً إلى أن “الحكومة اللبنانية أدركت سريعاً أهمية تخفيف الولايات المتحدة العقوبات على سوريا، وأرسلت وفداً لبنانياً رفيع المستوى، في زيارة غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، وفرض العقوبات”.
وأفادت “التايمز” بأن “اقتراح السفيرة الأمريكية جاء استجابة لإيجاد حلّ بديل عن عرض إيران مساعدة لبنان، وذلك بعد إعلان تنظيم حزب الله عن تحضيره لاستيراد النفط الإيراني، على الأرجح عبر سوريا”، مؤكدة أن “سفينة النفط الأولى انطلقت وسط تكهنات بإيقافها من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة، ولكنّ، لا تتوفر الوسائل القانونية الكافية للقيام بذلك”.
كما اعتبر الكاتب “سبنسر” أن “بايدن يفضل الانفتاح على سوريا حالياً بدلاً من إيران، وعلى الرغم من أن سوريا وإيران حليفتان، يحاول بعض الحلفاء الإقليميين إقناع بايدن بأن نفوذ إيران في طهران يمكنه أن يتضاءل، في حال عودة بشار إلى الحضن العربي، عبر التجارة والاعتراف الدبلوماسي”، لافتاً إلى أن “الأمر الذي يشكل مصدر قلق لحزب الله، لأن الحزب طوّر أسلحة وطرق تجارية مع إيران عبر سوريا”.
وبعد أسبوعين على إعلان رئاسة الجمهورية تبلّغها موافقة واشنطن على مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية والغاز من مصر والأردن، مروراً بسوريا، زار الوفد اللبناني سوريا، واتفق الجانبان على متابعة الأمور الفنية عبر فريق فني مشترك، ومن المنتظر ان تشهد الأيام المقبلة اجتماعاً في العاصمة الأردنية عمّان، لوزراء سوريا والأردن ومصر ولبنان، لتوقيع مذكّرة تفاهم بشأن نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، كما لتوقيع مذكرة أردنية – سورية – لبنانية لاستجرار الكهرباء من الأردن إلى لبنان.
في المقابل، أعلنت الولايات المتحدة أنها “تجري محادثات مع مصر والأردن للمساعدة في إيجاد حلول لأزمة الطاقة في لبنان”، بينما تُعد العقوبات الأمريكية على سوريا عاملا معقدا في أي جهد لمساعدة لبنان عبر جارته لكن السفيرة الأمريكية في لبنان “دوروثي شيا” قالت: إن “هناك إرادة لتنفيذ الخطة”.
وأكد مصادر أردنية أن عمان تستضيف اجتماعا رباعيا، الأربعاء المقبل، بمشاركة نظام الأسد ولبنان ومصر لبحث الخطوات اللازمة لتفعيل الاتفاقيات بين هذه الدول بتمرير الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان عبر سوريا
بدوره لفت وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر، إى أنه “سيتم عقد اجتماع رباعي، لبناني سوري أردني مصري، الأسبوع المقبل، في الأردن للتعرف على الخطوات اللازمة لتفعيل الاتفاقيات بين الدول الأربع، لافتاً إلى أنه “سنبحث المواضيع الفنية والتقنية والمالية، ونضع برنامج عمل وجدولا زمنيا، ونفعل فريق عمل تقنيا فنيا للكشف على كل المواقع في لبنان وسوريا ومصر والأردن، ويتم التأكد من سلامة استثماراتها، حتى يتم تشغيلها بشكل آمن، وهذا يمكن أن يبدأ بين لبنان وسوريا، لانهما مترابطان فورا، وبين سوريا والأردن ومصر”.
يشار إلى أن لبنان، يشهد منذ أشهر شحا في المحروقات ينعكس على مختلف القطاعات من مستشفيات وأفران واتصالات ومواد غذائية، وذلك على وقع أزمة اقتصادية تتفاقم منذ عامين وصنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.
ومنذ أكثر من سنة، يتفاوض لبنان مع القاهرة لاستجرار الغاز عبر الأردن وسوريا، وفق ما كان مصدر مطلع على الملف أفاد فرانس برس، لكن العقوبات الأميركية على سوريا، وآخرها قانون قيصر، شكلت على الدوام عقبة أمام الاتفاق.