هيئة التحرير
بعد استقالة الحكومة اللبنانية، بدأت تفاصيل جديدة عن انفجار مرفآ بيروت، تكشف علم أصحاب القرار والسلطات المختصة بقرب وقوع الكارثة التي دمرت أجزاء واسعة من بيروت وخلفت 163 قتيلا وآلاف الجرحى.
الوثائق كشفت أن “مسؤولين أمنيين لبنانيين حذروا رئيس الوزراء ورئيس الدولة خلال الشهر الماضي من أن وجود 2750 طنا من نترات الأمونيوم في مخزن بمرفأ بيروت يمثل خطرا أمنيا ربما يدمر العاصمة إذا انفجرت تلك المواد”. مؤكدة أنه “لم يمر إلا أسبوعين من التحذير حتى وقع الانفجار الهائل الذي أزال معالم المرفأ “.
وقال مسؤول أمني كبير لوكالة “رويترز”: إن “الرسالة التي أرسلت للحكومة لخصت أن ما توصل إليه تحقيق قضائي بدأ في يناير/كانون الثاني الماضي إلى ضرورة تأمين المواد الكيميائية على الفور”. مشيراً إلى أنه “كان هناك خطر أن تستخدم هذه المواد في هجوم إرهابي إذا سرقت”.
المسؤول الأمني الذي طلب عدم نشر اسمه، أشار إلى أنه “في نهاية التحقيق أعد النائب العام تقريرا نهائيا تم إرساله إلى السلطات”. مؤكداً أنه “شارك في صياغة الرسالة وحذرت من أن هذا قد يدمر بيروت إذا انفجر”.
وكانت السلطات اللبنانية قد أوقفت مدير عام الجمارك “بدري ضاهر” إلى جانب ١٩ شخصا آخرين بينهم مديرون عامّون حاليون وسابقون، على ذمة التحقيق في ملابسات الانفجار.
يذكر أن تقريراً من المديرية العامة لأمن الدولة عن الأحداث التي أدت إلى الانفجار أشار إلى رسالة أرسلت بالبريد الخاص إلى الرئيس “ميشال عون” ورئيس الوزراء “حسان دياب” في 20 يوليو/تموز الماضي.
وفي وقت سابق، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب استقالة حكومته، مبرراً ذلك باستجابته لمطالب اللبنانيين بمحاسبة المسؤولين عن كارثة مرفأ بيروت، ورغبتهم في التغيير الحقيقي إلى دولة القانون والعدالة والشفافية.
العمال السوريين والشرارة..
الأوساط اللبنانية تداولت معلومات أن جهاز أمن الدولة أبلغ كافة المسؤولين بمن فيهم “عون” و”دياب” بخصوص خطر وجود هذه المادة في العنبر رقم ١٢ في المرفأ. مشيرة إلى أنه “كان من المفترض أن يقوم حسان دياب بزيارة تفقدية للمكان، وفي الموازاة قام جهاز أمن الدولة باستقدام حدادين لتثبيت أبواب حديدية في العنبر، وأثناء عمل هؤلاء اندلع الحريق”.
وقال مسؤول أمني “الصيانة بدأت وأرسلت (سلطات المرفأ) فريقا من العمال السوريين ولم يكن هناك من يشرف عليهم عندما دخلوا لإصلاح الفجوات”. مؤكداً أن “شررا تطاير من أعمال اللحام خلال الإصلاح وأشعل حريقا وبدأت النيران في الانتشار”.
المسؤول اللبناني أشار إلى أنه “نظرا لتخزين مفرقعات في العنبر نفسه بعد ساعة بدأ حريق كبير بفعل المفرقعات، وامتد ذلك إلى المادة التي انفجرت عندما تجاوزت درجة الحرارة 210 درجات”. محملاً المسؤول لسلطات الميناء وعدم الإشراف على فريق الإصلاح، وتخزين المفرقعات بجانب كمية كبيرة من مواد شديدة الانفجار.
وذكرت “رويترز” أنها لم تستطع التحقق من مصير العمال الذين كانوا يؤدون أعمال الإصلاح في العنبر.
الباخرة ووثائق “رويترز” ..
التفاصيل الجديدة التي كشفها المسؤول الأمني ليست جديدة، فقد سبقها سلسلة من المذكرات والرسائل التي بعث بها مسؤولو المرفأ والجمارك والأمن إلى المحاكم على مدار السنوات الست السابقة، وحثوا فيها مرارا القضاة على إصدار أمر بنقل نترات الأمونيوم من مكانها.
الشحنة وصلت إلى بيروت عن طريق السفينة “روسوس”، المستأجرة لحساب روسيا وترفع علم مولدوفا، وتحمل نترات الأمونيوم من جورجيا إلى موزمبيق.
وبالعودة إلى وثائق وكالة “رويترز”، سعيا لمعرفة المالك الأصلي لهذه الشحنة، اذ كشفت عن قصة معقدة تشمل وثائق مفقودة، وأنشطة سرية، وشبكة شركات صغيرة مغمورة تنتشر في أرجاء العالم.
كما نفى كل من كانت لهم صلة بالشحنة معرفتهم بمالكها الأصلي، وامتنعوا عن الرد على الأسئلة، اذ أكدوا أنهم لا يعرفون مالك السفينة، ولا شركة صناعة الأسمدة الجورجية التي أنتجت الشحنة، ولا الشركة الإفريقية التي طلبت شراءها، إلا أنهم نقلوا أن الشركة التي اشترت لم تدفع ثمن الشحنة.
وأوضح تقرير أمن الدولة إن سلطات المرفأ احتجزت السفينة في ديسمبر/كانون الأول 2013 بالأمر القضائي 1031/2013 بسبب ديون عليها لحساب شركتين قدمتا طلبا للقضاء في بيروت لحجزها، وفي مايو/أيار 2014 اعتبرت السلطات السفينة غير صالحة للإبحار وتم تفريغ شحنتها في أكتوبر/تشرين الأول 2014 وتخزينها فيما عرف بالعنبر 12.
السجلات الملاحية تظهر أن السفينة جرى تحميلها بنيترات الأمونيوم في جورجيا في سبتمبر/أيلول من عام 2013، بهدف تسليمها إلى شركة لصناعة المتفجرات في موزمبيق. غير أن قبطان السفينة واثنين من أفراد الطاقم يقولون إن تعليمات صدرت إليهم قبل أن تغادر السفينة البحر المتوسط من رجل الأعمال الروسي “إيجور جريشوشكين”، الذي كانوا يعتبرونه المالك الفعلي للسفينة، بالتوقف على غير ما كان مقررا في بيروت وتحميل شحنة إضافية.
رجل الاعمال الروسي..
وقال مصدر أمني إن الشرطة القبرصية استجوبت “جريشوشكين” في منزله بقبرص الخميس الماضي فيما يتصل بالشحنة، بينما أكد متحدث باسم الشرطة القبرصية، أنه تم استجواب شخص لم يُكشف عن اسمه بناء على طلب من الشرطة الدولية في بيروت.
بدوره، أفاد القبطان” بروكوشيف” بأن السفينة “روسوس” وصلت بيروت في نوفمبر تشرين الثاني 2013 وبها تسريب وحالتها العامة متهالكة، قائلاً: “كانت تعاني بالفعل من مشاكل”.
يذكر أنه قبل 4 أشهر من رسوها في بيروت، احتجزت سلطات ميناء اشبيلية في يوليو تموز 2013، السفينة لمدة 13 يوما بعد اكتشاف العديد من أوجه القصور التي كان بينها تعطل أبواب، وتآكل في منطقة السطح، وقصور في المحركات المساعدة، حسبما ورد في بيانات الشحن.
وأظهرت البيانات أن السفينة استأنفت الإبحار بعد أن أصدرت شركة “التفتيش ماريتايم لويد” لها “شهادة سلامة إنشاءات سفينة شحن”، وهي شهادة يفترض أن تتضمن مسحا لها.، وشركة ماريتايم لويد ومقرها جورجيا هي شركة غير مصنفة، وتعد بين أبرز شركات التفتيش وأكثرها استخداما.
“تيموراز كافتارادزه” المفتش في ماريتايم لويد قال: إنه “لا يمكنه أن يؤكد ما إذا كانت الشركة قدمت أم لا وثائق خاصة بالتفتيش للمسؤولين في ميناء اشبيلية”، موضحاً أنه” كان يعمل بالشركة في العام 2013 لكن آخرين من طاقم العاملين والإدارة جرى تغييرهم منذ ذلك الحين.”
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني أكدت مجموعة مذكرة باريس للتفاهم حول رقابة دولة الميناء التي تضم 27 دولة بحرية وجرى احتجاز السفينة “روسوس” بموجب سلطتها، أن السفينة احتُجزت وجرى تفتيشها في اشبيلية، كما تؤكد مولدوفا المسجلة بها السفينة، أنها مملوكة لبريروود كورب ومقرها بنما، طبقا لشهادة ملكية السفينة.
الشركة المستوردة..
السجلات الدولية تفيد أن مستأجر السفينة كان شركة “تيتو شيبنج” ليمتد ومقرها جزر مارشال وجرى حلها في 2014 وفقا لقاعدة بيانات السجل العالمي التي تقول إنها تقدم خدمات تسجيل الشحن البحري لجزر مارشال، اذ قال “إيجور زهاريا”، مدير وكالة مولدوفا البحرية، أن “جريشوشكين” كان مدير شركة “تيتو شيبنج.”
وأعطى قبطان “روسوس” عنوان البريد الإلكتروني الذي كان وأفراد الطاقم يستخدمونه لشركة “تيتو شيبنج”، إلا أن تلك العناوين لم ترد على أي من طلبات التعليق التي أرسلت إليها. موضحاً أنه “يعتبر جريشوشكين وتيتو كيانا واحدا.”
بدوره، أفاد أنطونيو كونيا فاز، المتحدث باسم الشركة الموزمبيقية التي طلبت شراء شحنة نيترات الأمونيوم، فابريكا دي اسبوزيفوس موسامبيكي، وهي شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات (إف.إي.إم)، إن الشركة لم تكن المالك للشحنة في ذلك الوقت لأنها اتفقت على الدفع عند التسليم.
وكانت الشركة المنتجة هي روستافي أزوت الجورجية لصناعة الأسمدة، والتي تمت تصفيتها بعد ذلك. وقال مالكها في ذلك الحين، رجل الأعمال “رومان بيبيا”، إنه فقد السيطرة على مصنع “روستافي” لنيترات الأمونيوم في العام 2016.
بينما تظهر وثائق قضائية في المملكة المتحدة أن أحد الدائنين أجبر الشركة على بيع أصولها في مزاد في ذلك العام، وتدير شركة أخرى المصنع حاليا، هي: جيه.إس.سي روستافي” أزوت التي قالت أيضا إنه لا يمكنها الكشف عن مالك الشحنة، حسبما ذكر “ليفان بورديلادزي”، النائب الأول لمدير المصنع حاليا.
وقالت شركة “فابريكا دي اسبوزيفوس موسامبيكي”، وهي شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات (إف.إي.إم)، إنها طلبت الشحنة عبر شركة تجارية، سافارو ليمتد، التي لها شركتان مسجلتان في لندن وأوكرانيا لكن موقعها الإلكتروني لا يعمل حاليا.
يذكر أنه دارت مواجهات في ساحة الشهداء وسط العاصمة اللبنانية بين قوات الأمن ومحتجين يطالبون بمحاسبة المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت، ويسود توتر في محيط ساحة الشهداء، واقترب بعض المحتجين من أحد الشوارع المؤدية إلى مقر البرلمان، اذ عمدوا إلى رشق أفراد قوى الأمن بالحجارة، والذين ردوا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع.
ورفع عدد من المحتجين شعارات تندد بما سموه الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، مطالبين بتشكيل حكومة حيادية وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.