لم تكد تمر أيام على الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة نحو 200 شخص وتسبب بإصابة 6 آلاف آخرين وتشريد نحو 300 ألف مواطن، هز انفجار بلدة تليل في عكار شمالي لبنان، وأسفر عن وقوع عشرات القتلى والمصابين.
وعلى الرغم من أن نترات الأمونيوم لم تكن هذه المرة وراء الانفجار بل صهريج مازوت، خلف وراءه ما لا يقل عن 22 قتيلًا وأكثر من 75 جريحا، بحسب مصادر في الصليب الأحمر اللبناني، إلا أن مراقبين يرون أن تبعات الكارثة الجديدة لن تكون أقل من سابقتها، خاصة في ظل الصمت الحكومي حول أسباب الانفجار وتعدد روايات التي تحدثت عن الحادثة.
روايتان مختلفتان
في ظل غياب أي بيانات رسمية حكومية، ذكرت وسائل الإعلام اللبنانية، اليوم الأحد، عن شهود عيان، روايتين عن سبب انفجار خزانات المحروقات التي كانت مخبأة في قطعة أرض في بلدة التليل في عكار شمال لبنان.
وبينما نقلت قناة “ال بي سي”، عن شهود عيان، قولهم إن المواطنين الذين تجمعوا قرب خزانات المحروقات التي صادرها الجيش سمعوا صوت طلقة نارية تسببت في الانفجار واندلاع الحريق في صهاريج المحروقات، لافتين إلى أنه تم العثور على رصاصة في أحد الصهاريج المحترقة.
وفي الوقت ذاته، ذكر شهود عيان رواية أخرى، قائلين إن أحد المواطنين أشعل سيجارة قرب خزانات المحروقات وهو ما أدى إلى اشتعال الحريق والانفجار.
هذه السيناريوهات، تأتي بينما لم يصدر أي بيان عن الجيش أو القوى الأمنية بهذا الشأن، اذ طلب الرئيس اللبناني ميشال عون من القضاء، البدء بإجراء التحقيقات اللازمة في الحادث، للكشف عن ملابساته، كما طالب باستنفار القوى والأجهزة الأمنية والصحية في المنطقة لمكافحة الحريق والعمل على نقل المصابين إلى المستشفيات والمراكز الصحية وتقديم الإسعافات لهم على حساب وزارة الصحة.
انفجار أم تفجير؟
في معرض تعليقه على الكارثة، يصر الناشط اللبناني “خلدون ملحم”، على تسميتها بالتفجير وليس الانفجار لأنها مفتعلة، وهي نتيجة حتمية للصراع الدائر على شحنات الوقود في لبنان، خاصة في المناطق الحدودية والتي تنشط فيها عمليات التهريب.
ويقول ملحم أن ما حدث كان متوقعا، بعد البيان الذي أصدرته مجموعات محلية، مهددة باستهداف صهاريج تعمل على تهريب المحروقات من لبنان إلى سوريا، مشيرا إلى بيان لمجموعة تسمي نفسها “القوة الضاربة في عكار”، كانت أعلنت خلاله عن قرارها مصادرة أي شاحنة وقود تمر عبر البلدة لصالح المولدات.
وبحسب “ملحم”، فإن المجموعة أصدرت قبل أيام بيانا قالت فيه إنه “بعد تكرار مرور الشاحنات والآليات ليلا عبر مجدلا، وبعد توقف مولدات الاشتراك 24/24 بسبب شح مادة المازوت، وفي ظل وجود حالات مرضية من غسيل كلى وأكسجين للمرضى، فإننا سنصادر صهاريج المازوت”.
وتوجهت المجموعة في بيانها إلى نواب بالمنطقة واصفة إياهم بأنهم “امتهنوا التهريب إلى الداخل السوري”، قائلة: “صهاريجكم ومصالحكم سيتم استهدافها بالنار وسيتم استهداف أبنائكم”، داعية أبناء عكار إلى مؤازرة وحماية عناصرها، حسبما أكد “ملحم”.
يشار إلى أن عمليات تهريب الوقود من الأراضي اللبنانية باتجاه مناطق سيطرة النظام في سوريا تتم بشكل شبه يومي، وكان المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، قال العام الماضي، إن 124 معبراً غير رسمي تمر خلالها عمليات تهريب واسعة بين البلدين، إذ تواجه ميليشيا “حزب الله” اتهامات مباشرة بالمسؤولية عن هذا الملف من خلال تحالفها مع نظام الأسد.
ويوم الأربعاء الماضي، أعلن الجيش اللبناني، ضبط “خزانات تحتوي كميات كبيرة من مادة المازوت”، مخبأة تحت الأرض في موقعا ببلدة الأنصار بالبقاع، فيما أشارت وسائل إعلام لبنانية حينها إلى أن الموقع يتبع لشبكة تعمل على تهريب المازوت إلى سوريا.
“مجزرة الوقود” تشعل الشارع
لا يخفي الصحفي “فارس العايد” تشاؤمه من تمكن السلطات اللبنانية من الوصول إلى حقيقة أسباب المجزرة عبر التحقيقات، خاصة في ظل الصراعات داخل أروقة السياسة، معتبرا أن أي عملية تحقيق جديدة سيكون شأنها شأن تحقيقات المرفأ التي عجزت منذ عام على كشف حقيقة ما حدث.
كما يتوقع “العايد” أن يشهد لبنان خلال الفترة المقبلة توترا إضافي على إثر الكارثة، مشيرا إلى أن المجزرة الجديدة ستشعل الشارع اللبناني ضد الطبقات السياسية مجددا.
وصباح اليوم الأحد أقدم أهالي بلدة التليل في عكار شمال لبنان، حيث وقع الانفجار في خزانات الوقود التي كانت مخزنة، أقدموا على حرق الشاحنات الموجودة في مستودع الرمل والبحص حيث وقع الانفجار، كردة فعل على الكارثة، كما أحرقوا شاحنة قرب منزل صاحب الخزان، مهددين بإحراق منزله.
كما أعلن “ثوار عكّار” في بيان أنه سيتمّ قطع جميع الطرقات الرئيسية والفرعية بالسواتر الترابية عند الساعة الـ10 مساء اليوم، داعين الناس للنزول إلى الشارع، معلنين في الوقت نفسه “العصيان المدني”.
بالتزامن مع ذلك، ضرب الجيش اللبناني طوقا أمنيا حول محيط موقع الانفجار، ولا تزال عمليات المسح مستمرة من قبل الجيش والصليب الأحمر اللبناني، بحثا عن ضحايا ومفقودين محتملين، فيما ذكر مصدر عسكري أن الجيش اللبناني كان قد صادر صهريج وقود مخبأ ويوزع وقودا على السكان عندما وقع الانفجار.
الحريري على خط الأزمة
في أول تعليق له، غرد رئيس الوزراء اللبناني السابق “سعد الحريري”، مطالباً باستقالة الرئيس “ميشال عون”، إذ كتب تغريدة على “تويتر” قال فيها، إن “مجزرة عكار لا تختلف عن مجزرة المرفأ”، مضيفاً أن “ما حصل في الجريمتين لو كان هناك دولة تحترم الإنسان لاستقال مسؤولوها، بدءاً برئيس الجمهورية إلى آخر مسؤول عن هذا الإهمال. طفح الكيل. حياة اللبنانيين وأمنهم أولوية الأولويات”.
وفي بيان قال الحريري إن “عكار حرّكت أوجاع جميع اللبنانيين، ولم تتحرك فيها أدوات الفتنة، أنت (في إشارة إلى عون) ترى أوجاع الناس فتنة ونحن نراها صرخة تعلو في وجهك، ارحل يا فخامة الرئيس.. ارحل”.
كما تساءل “كيف يجيز رئيس الجمهورية لنفسه أن يقفز فوق أوجاع الناس في عكار ليتحدث في اجتماع مجلس الدفاع عن أنشطة جماعات متشددة لخلق نوع من الفوضى والفلتان الأمني؟”.
وأضاف “عكار ليست قندهار، وليست خارج الدولة، فخامتك أصبحت خارج الدولة ورئيسا لجمهورية التيار العوني، وعكار مظلومة لديك وفي عهدك، والنار اشتعلت بقلبها قبل أن تشتعل بخزانات التهريب”.
وفي ردود الفعل الأخرى على الانفجار، وصفه مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان بـ”المجزرة”، وحمّل المسؤولية “السلطة الحاكمة العاجزة” عن إدارة البلاد، داعيا إلى “تشكيل الحكومة فورا خلال أيام قليلة، لأن الأمر لم يعد يحتمل مزيدا من الانهيار والفوضى والقتل والدمار”.
عون يحذر من “تسييس” المأساة
دعا الرئيس اللبناني “ميشال عون” إلى اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للدفاع، ظهر اليوم الأحد، لبحث تداعيات حادثة انفجار عكار.
وحذّر “عون” من “تسييس دماء الشهداء واستغلالها” في حادثة الانفجار، وقال بيان للرئاسة اللبنانية بعد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع “نحذر من تسييس المأساة التي وقعت في التليل واستغلال دماء الشهداء، لرفع شعارات وإطلاق دعوات تكشف عن نوايا مطلقيها وضلوعهم في مخططات الإساءة إلى النظام ومؤسساته”.
كما أضاف البيان أن “الأزمات التي نمر بها وما ينجم عنها من آثار تحثّنا جميعًا على عدم التهرّب من المسؤوليات الأخلاقية والإنسانية والدستورية التي تحتّم علينا اتّخاذ ما يلزم من تدابير لمواجهتها.
وطالب عون بـ”الإسراع في إجراء التحقيقات للكشف عن الملابسات والأسباب التي أدت إلى وقوع الكارثة في التليل، ومحاكمة مسبّبيها ومن يقف وراءهم”.
يشار إلى أن الجيش اللبناني كان قد أعلن السبت أنه باشر “عمليات دهم محطات الوقود ومصادرة الكميات المخزنة من مادة البنزين”. ونشر الجيش على منصات التواصل صورا يظهر فيها جنود يوزعون بأنفسهم البنزين على السيارات في محطات وقود.
وأكد الجيش في بيان أن وحداته “ستصادر كل كميات البنزين التي يتم ضبطها مخزنة في هذه المحطات على أن يُصار إلى توزيعها مباشرة على المواطن دون بدل”.
ويعاني لبنان من شح في الوقود الضروري لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء، وفي المازوت المستخدم لتشغيل المولدات الخاصة، مع نضوب احتياطي الدولار لدى مصرف لبنان وتأخره في فتح اعتمادات للاستيراد.
كما يواجه لبنان منذ صيف 2019 انهيارا اقتصاديا غير مسبوق يعد من الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر بحسب البنك الدولي، وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، في حين فقدت الليرة البنانية أكثر من 90 % من قيمتها أمام الدولار.