هيئة التحرير
لا يبدو أن تهديد الوجود الإيراني في سوريا، بات ينحصر فقط بالمخططات الأمريكية والتسويات، التي قد تصل إليها واشنطن مع موسكو حيال تلك القضية، وذلك مع تصاعد أزمة انتشار وباء كورونا المستجد في إيران، الذي بات عاملاً إضافياً قد يجبر إيران على إعادة النظر بحجم وجودها العسكري في سوريا، بحسب ما يراه المبعوث الأمريكي إلى طهران، “بريان هوك”.
وتحتفظ إيران بنحو 70 ألف مقاتل منظمين ضمن ميليشيات تنتشر بشكل خاص في المناطق الحدودية مع العراق، وأرياف دمشق وحمص.
الحكم بوجود رابط بين كورونا والوجود العسكري في سوريا، يأتي من وجهة نظر “هوك” في ما لاحظته الاستخبارات الأمريكية خلال الأسابيع الماضية، من تطبيق القوات الإيرانية لعمليات إعادة انتشار وانسحابات تكتيكية في العديد من المناطق السورية، بالتزامن مع اشتداد آثار الوباء على الساحة الإيرانية، وتعاظم أثاره على الاقتصاد المحلي.
وكانت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، قد حذرت من تبعات كارثية لوباء كورونا على إيران، لا سيما على الاقتصاد، مشيرةً إلى أن الوباء قد يجهز على ما تبقى من الاقتصاد الإيراني، مع تصاعد معدلات انكماش الاقتصاد الإيراني إلى 10 في المئة.
خطوات إلى الوراء
عملية الانسحاب من سوريا، ستكون بحسب ما يراه “هوك” جزءاً من عملية تراجع عامة للعمليات الإيرانية ومشروعاتها في الشرق الأوسط عموماً، موضحاً: “إيران قد تظهر حماساً أقل لدعم الميليشيات، التي تخوض حرباً بالوكالة عنها، خاصةً وأن عدد ضحايا الفيروس وصل إلى 7 آلاف شخص، بحسب الإحصائيات المعلنة”، في إشارة إلى إمكانية أن تكون الإحصائيات أعلى بكثير من ما هو معلن.
وسبق لوزارة الصحة الإيرانية، أن أعلنت قبل أيام أن إجمالي عدد الإصابات في البلاد، تجاوز 100 ألف إصابة مع زيادة ملحوظة في معدل الإصابات.
تأثيرات كورونا وامكانيات تعديل الأولويات الإيرانية، يعني أيضاً احمالية استعداد النظام الإيراني لمواجهة أخطار قادمة من الساحة الداخلية، خاصة بعد الانتقادات الموجهة إلى النظام بسوء إدارة ملف كورونا، فبحسب ما يشير إليه المعارض الإيراني “محسن سزيغارا”، فإنه من المرجح قيام ثورة جياع جديدة في إيران، لافتاً إلى أن الانتفاضة الحالية قد تفاجئ النظام وتفوق قدراته عل قمعها.
وتزامن انتشار كورونا مع ارتفاع معدلات الغلاء، خاصةً بالنسبة للمواد الغذائية، التي باتت يستنزف ثلث دخل الأسر العاملة، في حين تشير تقديرات شبه رسمية إلى أن عدد العاطلين عن العمل وصل إلى قرابة مليون شخص بسبب أزمة كورونا، ليصل إجمالي العاطلين عن العمل إلى نحو 2 مليوني شخص.
العودة إلى المربع الأول
صحيح أن كورونا ضرب في إيران، ولكن أثاره ستطال تطورات المشهد السوري، وفقاً لما يرويه الناشط الإيراني المعارض، “محمد رضائي” في حديثه مع مرصد مينا، الذي يلفت إلى أن كورونا وحالة الخسائر الكبيرة في الاقتصاد، ستحد بشكل كبير من قدرة النظام على تحمل تكاليف انتشار الميلشيات في سوريا، والتي يقدر عددها تقريباً بـ 70 ألف عنصر، خاصةً وانه أيضاً يدعم ميليشيات أخرى في كل من اليمن والعراق ولبنان.
ويقدر مركز فارس للدراسات الشرق أوسطية تكلفة المشاركة الإيرانية في الحرب السورية بـ 15 مليار دولار سنوياً، بينها أموال كانت تذهب بشكل مباشر لدعم النظام والباقي كان بخصص لتمويل دفع رواتب الفصائل والميليشيات.
حالة الانسحاب الجزئي من سوريا خاصةً، يفسرها الناشط “رضائي” -اسم مستعار-، بأنها تشير إلى حالة تبدل نظرة وتعامل النظام الإيراني للتطورات على الساحة الداخلية، وبالتالي فإن دعم الاقتصاد المحلي يمر عبر تخفيف النفقات الخارجية، التي يمثل دعم الميليشيات الجزء الأكبر منها، موضحاً: “أعتقد أن الظروف الحالية بما فيها آثار وباء كورونا قد تدفع قيادة النظام إلى التفكير بالعودة إلى مربع نفوذها الأول في سوريا كما كان عليه الحال قبل عام 2011، أو الاكتفاء ببقاء المستشارين العسكريين”.
وسبق لوكلات أنباء إيرانية أن نقلت عن مسؤولين إيرانيين تصريحاتهم بأن بلادهم تسير على نحو إقتصادي سيء، وذلك على وقع تشديد العقوبات الاقتصادية وآثار فيروس كورونا، مرجحين ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى 5 ملايين شخص.
كما يضيف “رضائي”: “إيران ستكون على الأقل مجبرة على المفاضلة بين ميليشياتها، في سبيل ضغط النفقات، وهنا تبدو سوريا أضعف الساحات بالنسبة لإيران، أولا كونها تواجه منافسة على النفوذ من قبل الروس، وثانياً كونها أكثر الساحات التي تتعرض فيها لضغوط دولية، مقارنة باليمن، بالإضافة إلى أن العراق ولبنان يمثلان أهمية أكبر بالنسبة للمشروع الإيراني في الشرق الأوسد”.
في السياق ذاته، فإن كثرة المطالبات الدولية بسحب الميليشيات الإيرانية من سوريا، قد تدفع النظام الإيراني، بحسب ما يقوله الناشط “رضائي” إلى اتخاذ تلك الخطوة، بالتفاوض مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة على اتمام تلك المسألة، مقابل تخفيف العقوبات والسماح لطهران بالحصول على قروض من صندوق النقد.
وكانت الولايات المتحدة قد رفضت منح لحكومة الإيرانية قرضاً بـ 5 مليارات دولار أمريكي، كان إيران قد طلبته من صندوق النقد الدولي.
كما تسببت العقوبات الأمريكية، بخسائر للاقتصاد الإيراني وصلت إلى نحو 50 مليار دولا، حتى مطلع العام الحالي، في حين يشير صندوق النقد الدولي إلى انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 9.5 في المئة العام الماضي.