سيطول سؤال السوريين عن الكيفية التي تعاملت بها السلطات السورية مع فايروس كورونا، وكانت مجموعة من التقارير الدولية قد صدرت جول هذا الأمر، من بينها تقرير موسع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بدأ فيه باعتراف وزير الصحة السوريي نزار يازجي اعترف فيه بأول إصابة رسمية بفيروس كورونا في البلاد.
فبعد أسابيع من بدء انتشار شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي عن وصول الوباء إلى هناك. وحسب ما أورده التقرير فإنه على الرغم من أنه لم يتم الكشف عن البلد الأصلي للمريض، إلّا أن العديد من السوريين خشيوا فعلاً من أن الوجود المكثف للميليشيات الشيعية الإيرانية والأجنبية على أراضيهم يمكن أن يشكل تهديداً كبيراً للصحة العامة نظراً لدور الجمهورية الإسلامية الموثق جيداً في نشر المرض.
ومع تنامي الأزمة، ستتعرض كل إدارة من الإدارات الثلاث التي تسيطر على أجزاء مختلفة من البلاد لضغوط شديدة لتجنب وقوع كوارث إنسانية نظراً لافتقارها إلى الموارد والتحديات الرئيسية الأخرى – خاصة في منطقة إدلب الحدودية الصغيرة المكتظة بالسكان، والتي تضم الآن مئات آلاف المشردين (النازحين داخلياً) مع مأوى غير مناسب إلى حد كبير.
• الإنكار
يؤكد التقرير على إنكار أجهزة النظام وجود الوباء في سوريا لمدة شهرين كاملين، حيث اعتمد النظام على دعايته المعتادة بأن البلاد “بخير” في ظل زعامة بشار الأسد و “محمية من الله”. ومع ذلك، تغيّر فحوى الرسائل في منتصف آذار/مارس، عندما أشارت منشورات مواقع التواصل الاجتماعي المحلية والتقارير الإخبارية المستقلة إلى انتشار المرض. وحالياً، يحاول النظام الاستفادة من الأزمة كفرصة لحشد الدعم المحلي والدولي، بينما يدعو إلى رفع العقوبات الاقتصادية، على الرغم من أن أياً من العقوبات المعنية لا تستهدف القطاع الطبي.
وبالفعل، فبالنسبة لكل خطوة منع واحتواء تبدو إيجابية التي اتخذها النظام (في وقت متأخر وبما يخدم مآربه)، يمكن للمرء أن يجد دليلاً أكبر على عدم فعاليتها وكونها معتّمة.
وكان تقرير المعهد قد أورد مثالاً على الإهمال الذي تمارسه الأجهزة الحكومية، فعلى سبيل المثال، نشرت “وكالة الأنباء العربية السورية” فيديو بعنوان “معاً ضد كورونا”، يشير إلى أن تفشي المرض يشكل تهديداً لجميع المواطنين ويوصي بكيفية تقليل انتشاره.
وبالمثل، فإن اللوحات الإعلانية والنشرات الإعلانية حول أهمية النظافة الشخصية الجيدة والتشتيت الاجتماعي، بدأت في الظهور في شوارع دمشق لتشجيع الناس على البقاء في منازلهم. ولكن في الوقت نفسه، تسربت صور تُظهر حشود من الأفراد يتلقون رواتبهم والمواد الغذائية الأساسية، مما يشير إلى أن الرسائل لا يتم أخذها على محمل الجد من قبل المواطنين أو السلطات على حد سواء.
وبالمثل، تم تعليق وسائل النقل العام، وحتى تم إغلاق جامع السيدة زينب – الذي يعتمد عليه النظام والميليشيات المدعومة من إيران لنشر دعايتهم – حتى 15 آذار/ مارس. ومع ذلك، جاءت هذه الخطوة بعد فوات الأوان، حيث أن العديد من المقاتلين والحجاج الأجانب الذين تجمعوا هناك بأعداد كبيرة قبل الإغلاق قد عادوا بالفعل إلى بلدانهم الأصلية (خاصة العراق) مصابين بفيروس كورونا.
• شركاء النظام غير الجديرين بالثقة
وفي الوقت نفسه، يقود رجل الأعمال وعضو “مجلس الشعب” السوري محمد حمشو الجهود لتوزيع المواد الغذائية ومعدات التعقيم. ومع ذلك، فهو شريك مرتبط دولياً بنظام أثبت أنه غير جدير بالثقة طوال الأزمة. وكثيراً ما تعاونت دمشق مع الجهود التي بدأها مواطنون عاديون ونشطاء المجتمع المدني في حلب ودرعا والسويداء ومناطق أخرى لتعكس صورة “التآزر” تحت قيادة الأسد.
والأسوأ من ذلك أن وزارة الصحة ذكرت بعبثية في 30 آذار/مارس أنه تم اكتشاف عشر حالات فقط في جميع أنحاء سوريا، مع وفاة شخصين – على الرغم من حقيقة أن الأطباء أخبروا صحيفة “ذي ناشيونال” قبل أربعة أيام من ذلك التاريخ أن ما لا يقل عن خمسين مريضاً ماتوا في مستشفى واحد فقط في دمشق.
كما أن رد النظام يدعو للتشكيك في سيادته على الأراضي. فوفقاً لناشطين مناهضين للنظام، وُضِع الآن العديد من المقاتلين المدعومين من إيران في الحجر الصحي بالقرب من الخطوط الأمامية في إدلب وحلب.
وأفاد التقرير “أن آلاف المقاتلين الشيعة المنتشرين هناك تجاهلوا إجراءات احتواء تفشي الفيروس التي أصدرها الأسد – على سبيل المثال، قامت الميليشيات “كتائب الإمام الحسين” و”قوات الرضا” و”لواء الفاطميون” بتنظيم احتفالات دينية ومسابقات رياضية خلال الأسبوعين الماضيين”.
وجاء في تقرير المعهد أن تتالي صدور التقارير المتشككة بسلوك أجهزة النظام “دفعت السوريين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة إلى الدعوة إلى قطع العلاقات الاقتصادية مع مناطق النظام”.
وبالمثل، قاد «حزب الله» اللبناني المعركة ضد فيروس “كوفيد-19” في مناطق يُفترَض أنها تحت سيطرة النظام في محافظة دير الزور. وعلى الرغم من الرسائل الصادرة من دمشق ومفادها أن “كل شيء على ما يرام”، إلّا أنه تم بالكامل عزل بلدة الدوير في المحافظة بعد أن خرج الفيروس عن نطاق السيطرة هناك.
حكومة الإنقاذ: تكنوقراطية لكنها تفتقر إلى الموارد
كما جاء في تقرير المعهد فيما يتصل بالمناطق الواقعة خارج سيطرة النظام أنه “قبل تفشي الوباء، كانت “حكومة الإنقاذ” – «هيئة تحرير الشام»، الجبهة المدنية للتحالف الجهادي القيادي في إدلب – مثّقلة بقلّة الموارد بسبب الهجمات اللانهائية للنظام وللمتحالفين معه. ووفقاً لمدير منظمة “الخوذ البيضاء”، رائد الصالح، تم تدمير 70 في المائة من البنية التحتية الصحية/الطبية في أراضيها. وتشير مجموعة “منسقو استجابة سوريا”، وهي منظمة غير حكومية محلية، إلى أن سكان المنطقة الذي يزيد عددهم عن 4 ملايين نسمة ليس لديهم سوى1,689 أَسِرّة مستشفيات و 243 وحدة رعاية مكثفة و 107 أجهزة إنعاش رئوية و 32 وحدة عزل صحي. وبالتالي، هناك احتمال إعطاء الأولوية للمصابين بالكورونا وتفضيلهم على أولئك الذين يعانون من الأمراض والإصابات الناجمة عن الحرب في الأشهر المقبلة، مما يؤدي إلى وفاة المزيد من الأفراد بشكل غير مباشر”.
وعلى الرغم من هذه التحديات، بدأت وزارة الصحة في “حكومة الإنقاذ” باتخاذ تدابير وقائية في وقت مبكر وبشكل أكثر شمولاً من نظام الأسد، بما في ذلك ما يلي:
● توزيع إشعارات توجيهية على السائقين
● إصدار شريط فيديو إعلامي ومقالات من قبل وزير الصحة
● رسم رسوم كاريكاتورية على الجدران لتوضيح ما يفعله الأطفال وما لا يفعلوه
● إجراء فحوصات لدرجة حرارة الجسم عند المعابر الحدودية مع تركيا
● تعقيم المدارس والمساجد والمباني الحكومية وغيرها من البنى التحتية
● إطلاق حملة توعية للنازحين في عفرين وريف إدلب وريف حلب
● تقديم دروس حول فيروسات كورونا لرجال الدين
● حمل الأطباء وعمداء كليات الطب على عقد منتديات محلية لشرح خطط “حكومة الإنقاذ” (مع تباعد اجتماعي مناسب بين الحاضرين)
● إغلاق الأسواق
● إقامة خيام للحجر الصحي لحاملي الفيروسات المشتبه بهم إلى أن يتمكنوا من إجراء الاختبارات المناسبة
● إطلاق تجربة “التعليم عن بُعد” عبر مقاطع فيديو مسجلة مسبقاً على تطبيق “واتساب” (على سبيل المثال، في الباب)
كما أنشأت السلطات في 23 آذار/مارس لجنة استجابة لحالات الطوارئ للتنسيق عبر الإدارة بأكملها، برئاسة عبد الله الشاوي نيابة عن رئيس “حكومة الإنقاذ”.
الإدارة الذاتية: الوقاية من الفيروسات وسط ضغوط متعددة
في وصفه للحال في مناطق الادارة الذاتية ، جاء في تقرير المعهد أن “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” التي تسيطر عليها القيادة الكردية تعاني أيضًا من نقصٍ في الموارد، بالإضافة إلى تعاملها مع القضايا التي كانت قائمة مسبقاً: وعلى وجه التحديد آثار الغزو التركي في تشرين الأول/أكتوبر، واحتمال بروز تنظيم «الدولة الإسلامية» من جديد، الذي أصبح من الصعب التعامل مع أعضائه في منطقة دير الزور وداخل نظام السجون. وللتخفيف من وطأة هذا الوضع، تم إطلاق سراح بعض المعتقلين السوريين غير الخطرين التابعين لتنظيم «الدولة الإسلامية» خلال الأسبوع الماضي، وذلك بواسطة اتفاقيات بين العشائر. ومن المرجح أن تعطي “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” الأولوية للرد على فيروس كورونا على المدى المتوسط، مما قد يمنح تنظيم «الدولة الإسلامية» مجالاً أكبر للعودة”.
ووأكد تقرير المعهد أن “ما يزيد الأمور سوءاً أنه ليس هناك مراكز لإجراء الفحوصات في المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، بعد أن خسرت المركز الوحيد الذي كان متوافراً لديها جرّاء الغزو التركي. لذلك، لا يسع السكان المحليين سوى الاعتماد على نظام الأسد الذي لم يأخذ [خطر] الفيروس على محمل الجد ويتطلب أكثر من أسبوع لإكمال عملية الاختبار. وفي تعقيدٍ إضافي، منعت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” عناصر النظام من دخول أراضيها لأنها تدرك أن درجة تفشي الفيروس [بين سكان الأراضي التي يسيطر عليها النظام] أكبر مما يكشف عنه الأسد”.
وفي الوقت الحالي، ووفقاً لـ “مركز روج آفا للمعلومات”، لا تملك “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” سوى حوالي 150 جهاز للإنعاش الرئوي و35 سريراً للعناية المركزة، لسكان يبلغ عددهم مليوني نسمة، كما أن 64 في المائة فقط من مستشفياتها البالغ عددها 57 مستشفى تعمل بكامل طاقتها. ولهذا السبب، أسرعت قوات الأمن الداخلي الكردية (“الأسايش”) في إطلاق حملة مصوّرة على “يوتيوب” تحت شعار “ابقوا في منازلكم”. واتخذت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” عدة إجراءات وقائية أخرى خلال الشهر الماضي، على النحو التالي:
• 14 آذار/مارس: تم إغلاق جميع المدارس والحدود ومنع التجمعات العامة. كما أنشأت السلطات فرقاً متنقلة ولوحات إعلانية لنشر الوعي حول كيفية احتواء الفيروس
• 17 آذار/مارس: بدأت حملات التعقيم في مختلف المباني الحكومية والدينية والمجتمع المدني
• 23 آذار/مارس: تم فرض حظر تجول، وتم تقييد الحركة بين المدن الكبرى
• 25 آذار/مارس: تم تثبيت أسعار المواد الغذائية من أجل وقف التلاعب
• 29 آذار/مارس: تم تقديم مساعدات مالية لمن فقدوا مصدر رزقهم
• 31 آذار/مارس: تم إنشاء “عيادة افتراضية” مجانية بمشاركة أكثر من خمسين طبيباً على تطبيق “واتساب”
• حال المخيمات
إن فيروس كورونا يمنح واشنطن فرصة جديدة لإظهار قيادة حقيقية فيما يتعلق بسوريا، وبشكل أساسي من خلال مساعدة أولئك الذين يعانون في مخيمات مكتظة بالسكان النازحين والمناطق ذات الإمدادات المحدودة.
على واشنطن، أكثر من أي شيء آخر، الضغط على روسيا من خلال “مجلس الأمن الدولي” للسماح بتوفير المساعدة الطبية المباشرة وغيرها من المساعدات عبر الحدود التركية -السورية، لكي يمكن إيصالها بسرعة إلى كل من اللاجئين في منطقة إدلب الخاضعة لسيطرة “حكومة الإنقاذ” والسكان المحليين المعرّضين للخطر في الشمال الشرقي من البلاد الذي تسيطر عليه “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.