يعتبر نظام الحكم في كوريا الشمالية أبرز أمثلة الحكم الشمولي الدكتاتوري الذي وصل لمرحلة توريث الأبناء والأحفاد رغم صفة الجمهورية التي تتمتع بها الدولة ظاهريًا.. ويحكم الزعيم البلاد بقبضة حديدية قل نظيرها وهذا هو الحال مع الرئيس الحالي (حفيد مؤسس جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية) الذي ومنذ استلامه السلطة في العام 2011 خلفاً لوالده كيم جونغ إيل، واصل توطيد دعائم سلطته المعتمدة على الولاء المطلق وسيطرة دائرة المحيطين به على مختلف مفاصل الدولة وتعزيز الطوق العائلي مقابل العقوبات الشديدة التي يأتي الإعدام على رأسها تجاه أقل خطأ يقترفه المسؤول في جمهورية الخوف الكورية.
في ضوء ذلك، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية في بيونغ يانغ، يوم الأحد، أنه أعيد تعيين الشقيقة الصغرى “المتنفذة” لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، في هيئة رئيسية لصنع القرار، الأمر الذي يؤكد ارتقائها مستويات أعلى في السلطة في الدولة المعزولة.
حيث أعيد تعيين الأخت “كيم يو جونغ”، التي تعتبر من اقرب مستشاري شقيقها (وتحوز على ثقته الكليّة)، عضواً بديلاً في المكتب السياسي للجنة المركزية، في تعديل شمل كبار المسؤولين السبت، بحسب وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية.
هيكلية جديدة
أطلق الزعيم الكوري الشمالي عملية هيكلة وإعادة تكوين واسعة للجنة شؤون الدولة، التي تعتبر أبرز الأجهزة الحاكمة في البلاد، حيث تتمتع بصلاحيات واسعة، وذلك عبر تغيير أكثر من ثلث أعضائها، وفقًا أفادت وسائل إعلام محلية.
ويرأس كيم لجنة شؤون الدولة التي استبدل خمسة من أعضائها الـ 13. حيث أفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية اليوم الاثنين، أن هذا التعديل أقره مجلس الشعب الأعلى أي البرلمان الكوري الشمالي.. أمس الأحد.
وفي جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، يسيطر حزب العمال الحاكم بقيادة كيم جونغ أون على كل مفاصل البلاد.. والذي تنبثق منه مختلف لجان إدارة البلاد.
كما وتجرى انتخابات كل خمس سنوات للمجلس التشريعي الذي تقتصر سلطاته على الشكليات ويعرف بـ”الجمعية الشعبية العليا” أو مجلس الشعب الأعلى.
لجنة شؤون الدولة أنشئت في العام 2016 كبديل عن لجنة الدفاع الوطني التي كانت حينها، الجهاز الأعلى المسؤول عن اتخاذ القرارات السياسية في البلاد.
بدورها، رأت “ريتشل لي” العضو السابق في الإدارة الأمريكية والخبيرة في شؤون كوريا الشمالية أن “هذا تعديل ضخم في أوساط إدارة لجنة شؤون الدولة”.
ومن بين من تولوا مقعداً في لجنة شؤون الدولة، ري سون غوون، الضابط السابق الذي عيّن العام الماضي على رأس وزارة الخارجية. واستبعد سلفه الدبلوماسي المحنك ري يونغ هو من اللجنة الحاكمة، كما استبعد الوزير السابق للخارجية ري سو يونغ.
كورونا والدولة الشمولية
أكد بيان حكومي على أنه لم تسجل “أي إصابة” بفيروس كورونا المستجد على الأراضي الكورية الشمالية، رغم أن الوباء الذي ظهر في الصين المجاورة امتد تقريباً إلى كافة أنحاء العالم.
كما أظهرت صور نشرتها صحيفة “رودونغ سينمون” الكورية الشمالية مئات من أعضاء مجلس الشعب الأعلى جالسين جنباً إلى جنب ودون أن يرتدي أي منهم قناعاً واقيًا.
إلى ذلك وضعت بيونغ يانغ آلاف الكوريين الشماليين ومئات الأجانب، من بينهم دبلوماسيون، في الحجر الصحي، وقامت بعمليات تعقيم واسعة تفادياً لكارثة، وفق خبراء، يمكن أن تنجم عن انتشار الفيروس في بلد يعد نظامه الصحي متهالكا.
وتابعت الحكومة في بيانها الرسمي “ستتكثف حملة الدولة ضد الوباء لمنع انتشار كوفيد -19″، الوكالة المركزية الكورية الشمالية للأنباء لم تحدد إذا ما حضر الزعيم كيم، جلسة البرلمان، كما لم يظهر في أي من الصور التي نشرت.
تؤكد الخبيرة أن : “عقد كوريا الشمالية لاجتماع المجلس يعني أن البلاد تريد استعراض ثقتها بقدراتها على مواجهة أزمة فيروس كورونا”، مضيفةً “عدم ارتداء المشاركين قناعاً يأتي في السياق نفسه”.
الاقتصاد وكورونا
يتوقع العديد من المحللين أن الاقتصاد الكوري الشمالي يعاني من أزمة بسبب جائحة فيروس كورونا-19. فقد أغلقت الدولة المنعزلة حدودها لمدة شهرين لمنع الفيروس من الانتشار في البلاد. ونتيجة لذلك، انخفضت تجارتها مع الصين وروسيا وكذلك دخلها من العملات الأجنبية بشكل أكبر، مما وجه ضربة قوية لاقتصادها الذي كان يعاني بالفعل.
تشكل التجارة مع الصين والأسواق الخاصة المعروفة باسم “جانغ مادانغ” عنصرين رئيسيين في الاقتصاد الكوري الشمالي. لكن النظام المعزول علق التجارة مع الصين لمدة شهرين. ومن السهل أن نتخيل أن لدى كوريا الشمالية حاليا صعوبة في تأمين الأموال الأجنبية، وهو أمر بالغ الأهمية للنظام الشيوعي. الوضع الغذائي، على وجه الخصوص، خطير للغاية، حيث تستورد كوريا الشمالية كمية كبيرة من المواد الغذائية والمواد الخام والسلع الأخرى من الصين. إن حدوث خلل في استيراد المنتجات التي لا غنى عنها يهز الاقتصاد الكوري الشمالي بأكمله. لذلك فإن الصعوبة الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها كوريا الشمالية تظهر كقضية عالمية.
الأخت الصغرى.. القائد البديل
برزت “كيم يو جونغ” الأخت الصغرى للزعيم الكوري الشمالي “كيم يونغ أون” كشخصية سياسية مؤثرة في النظام الشيوعي. وهكذا لعديد من المؤشرات يبدو أن “كيم” عززت وضعها السياسي بما يكفي للتأثير على الشؤون بين الكوريتين، وأيضا على العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يُعتقد على نطاق واسع أنه قد تم ترقيتها إلى مستوى القائد الثاني في كوريا الشمالية، وهي ترقية من دورها السابق كمساعدة لأخيها.
في السابق، كان يُنظر إلى العديد من الأشخاص على أنهم الرجل الثاني في الجيش أو السياسة في كوريا الشمالية، لكن “كيم يو جونغ” هي الوحيدة التي تم تصعيد دورها وسلطتها الرسمية للقيام بالأنشطة العامة بشكل فعال. بمعنى ما، هي بمثابة “كيم جونغ أون” نفسه، حيث يلعب الاثنان أدوار كل منهما ويتخذان قرارات مهمة معا لقيادة البلاد.
هذا ويتوقع بعض المحللين أن أخت الزعيم الكوري الشمالي قد تقود خطًا دبلوماسيًا جديدًا مسؤولا عن العلاقات مع الولايات المتحدة. فقد تعثرت المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بشأن البرنامج النووي منذ انهيار قمة هانوي بين كيم جونغ أون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب مطلع العام 2019.