لعقود طويلة ظلت جماعة الإخوان المسلمين محتكرة تمثيل الدين الإسلامي في أوروبا وأمريكا، ساعدها في ذلك تلك الشبكة القوية من الجمعيات والمنظمات التي نسجتها هناك، ومكنتها من تقديم نفسها كمخاطِب إسلامي رئيسي للحكومات الغربية، وصمام أمان لمواجهة مد الحركات المتطرفة القادمة من العالم العربي.
وبحس براغماتي رهيب اختارت جماعة حسن البنا أن تلوي عنق العقيدة التي قامت عليها دعوتها، فحولت البرَّ الغربي إلى دار سلام جاعلة بالمقابل من البر العربي والإسلامي دار حرب وقتال، بدليل القائمة الطويلة من الاغتيالات التي جرتها وماتزال تجرها وراءها منذ تورطها سنة 1948 في اغتيال رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي، تلك الحادثة الدموية التي فشل حسن البنا في التنصل من منفذها؛ لِيَسِم بذلك بالدم والنار علاقة الجماعة بالدولة والمجتمع المصري في عموم البلدان العربية.
أمريكا والإخوان وبرنارد لويس؛ والعلاقة بينهم
حسب وثائق سرية أفرجت عنها المخابرات الأمريكية، فإن التخطيط لتغلغل تنظيم حسن البنا بأوروبا يعود الفضل فيه لإدارة الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور، وذاك مند اللحظة التي التقى فيها بسعيد رمضان زوج الابنة الصغرى لحسن البنا في واشنطن عام 1953. ومن يزر مكتبة الرئيس أيزنهاور بولاية كنساس “Kansas” سوف يطلع على الوثائق الخاصة باجتماع أيزنهاور مع سعيد رمضان الذي وصفته ذات الوثائق بأنه “وزير خارجية تنظيم الإخوان”.([[1]])
العلاقة بين الإخوان والمخابرات المركزية الأمريكية ستسهل، حسب ذات المصدر، على سعيد رمضان عملية تأسيس ما سيسمى لاحقاً بـ”التنظيم الدولي” للإخوان، كجماعة وظيفية هدفها تحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة العربية والدول الإسلامية بل في أوروبا وروسيا ثم الصين لاحقاً، وكشفت الوثائق التي نشر جزءاً منها كتاب “روبرت دريفوس” كيف ساعدت أمريكا تنظيم الإخوان على الانتشار وكسب الأعضاء والتمويل بغرض الوقوف في وجه الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت.([[2]])
وفضلاً عن ذلك كشفت وثائق المخابرات الامريكية عن دور خطير لعبه برنارد لويس، المستشرق المتخصص في شؤون المشرق العربي، في إقناع إدارة ايزنهاور بالانفتاح على تنظيم الإخوان، مؤكدة أن صاحب خرائط تقسيم وتفتيت المنطقة والمشرق العربي على أسس طائفية وعرقية هو من اقترح على كل من جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي، وشقيقه ألان مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك، وضع خطط طويلة المدى لدعم تنظيم الإخوان في المنطقة، وهو ما استجاب له الشقيقان دالاس الذين عملا بالاتفاق مع الرئيس أيزنهاور على عقد مؤتمر بجامعة برينستون حضره أعضاء من تنظيم الإخوان برئاسة سعيد رمضان.([[3]])
هذا التحالف غير المعلن بين جماعة الإخوان المسلمين والولايات المتحدة سرعان ما ستجني هذه الأخيرة ثماره عند الاجتياح السوفيتي لأفغانستان عام1979، حين وفرت إدارة الرئيس رونالد ريغان الدعم المالي والعسكري واللوجستيكي للإخوان من أجل تجنيد الشباب العربي والزج بهم في حرب بالوكالة ضد الجيوش السوفيتية. قبل أن يصل التحالف الإخواني/ الأمريكي ذروته الشيطانية في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما التي فتحت الباب أمام “التحالف القديم” لتنفيذ خطط برنارد لويس لتقسيم الشرق الأوسط من بوابة ثورات الربيع العربي وتمكين الإخوان من الانقضاض على الحكم في عدد من الدول العربية والإسلامية.
في الجزائر هناك أغنية جميلة تقول كلماتها “الموس اللي خدموه راه اليوم يعمي ليهم عينيهم…”، وربما ما من كلمات أكثر تعبيراً من هذه عن حالة التوجس والقلق التي باتت تسيطر على علاقة واشنطن بالإخوان، خصوصاً بعد حديث عدد من التقارير على أن الجماعة باتت تشكل خطراً داهماً على أمن أمريكا وحلفائها، وهو ما أكدته نقاشات أجراها الكونجرس منذ2015، إذ حذرت من خطورة تنظيم الإخوان على أمن أكثر من 200 ألف جندي أمريكي حول العالم.
إن انقلاب الجماعة على أولياء نعمتها بواشنطن لم يقف عند هذا الحد، حيث توصلت الدوائر الأمنية الأوروبية إلى خلاصات مفادها ضلوع الإخوان في عمليات قتل وإرهاب؛ وسيلتها في ذلك المساجد التي تسيطر عليها في عدد من الدول الأوروبية، التي حولتها إلى منابر لنشر خطاب العنف والكراهية في العالم.
سعيد رمضان: الفاشي الذي أسس مسجد ميونيخ
متسلحاً بالعلاقة القوية التي باتت تجمعه بالأمريكيين، بادر سعيد رمضان في خمسينات القرن الماضي إلى المساهمة بمبلغ ألف مارك ألماني من أجل بناء مسجد ميونيخ، واضعاً نصب أعينه الهيمنة على إدارته وجعله قاعدة خلفية لنشر فكر الإخوان في أوروبا تنفيذاً لأجندة المخابرات التي كان يتعامل معها.
عند تناوله سيرة سعيد رمضان، أشار آيان جونسون، صاحب كتاب “مسجد في ميونخ”، في محاضرة بالإمارات، إلى أنه أجرى مقابلة مع المشرف الأكاديمي على أطروحة الدكتوراه الخاصة برمضان، أكد له فيها على أن رمضان كان شخصاً لا يحمل أي تسامح تجاه الآخرين المخالفين له في الدين، واصفًا إياه بأنه شخص “فاشي”.([[4]])
وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد مثلت أبرز مشاركة للجنود المسلمين في حروب الأخر/الغرب، فإن الطرف المنهزم في الحرب، أي ألمانيا، ستفتح ذراعيها أكثر من أي بلد أوربي آخر أمام الإخوان المسلمين، في محاولة لأن تضع لنفسها موطأ قدم في رقعة الشطرنج الكونية التي أفرزتها الحرب الباردة والتي لعبت فيها جماعة حسن البنا دوراً مهماً بالنظر لتعاونها الاستخباراتي مع المخابرات الأمريكية والأوروبية، بذريعة أن الجماعة تشترك مع الدول الغربية في هدف واحد هو النيل من الشيوعية.
وفي هذا السياق المحموم، كان واضحاً للعيان الدور الرئيسي الذي لعبه مسجد ميونيخ في تمدد الإخوان المسلمين في أرجاء أوروبا كافة، برعاية من استخبارات ألمانيا الغربية ومشاركة فعلية للجالية المسلمة في بافاريا، خصوصاً ذات الأصول التركية والأفغانية التي كانت مستقرة هناك، والتي ما لبثت أن سلمت بالأمر الواقع وبنفوذ جماعة الإخوان على المسجد المذكور لدرجة أن الصلاة في المسجد كانت تحتاج إلى إذن من إدارته التابعة للإخوان المسلمين.([[5]])
وهكذا تحول مسجد ميونخ إلى هيئة أركان عامة للإخوان في أوربا، التي لم تتردد في استخدام الإسلام كسلاح سياسي إبان الحرب الباردة، بدعم وتخطيط من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، قبل أن يخرج المسجد عن السيطرة عندما تسلل إلى المسجد إسلاميون راديكاليون رأوا فيه موطئ قدم لهم في أوربا الغربية، وذاك بالتزامن مع ورود تقارير صحفية تشير إلى اتجاه عدد من رموز الإسلام السياسي إلى ألمانيا كأحد المناطق الآمنة للجماعة. وبحسب تقرير لهيئة حماية الدستور الألمانية، فإن الجمعية الإسلامية التابعة للإخوان لديها حوالي13 ألف عضو، وتنشط في جميع أنحاء البلاد، حيث قامت بإنشاء أكثر من 50 مسجداً.
وتعد الجمعية الإسلامية التي تأسست في 9 آذار/مارس1960، ومقرها في كولونيا، عبارة عن اتحاد للمراكز الإسلامية في عشر من ولايات ألمانيا، يتم تمويلهم من خلال التبرعات ورسوم العضوية وبيع المطبوعات، كما الحال في الهيكل الإداري لجماعة البنا.([[6]])
فرنسا بين اللائكية (العلمانية) والإسلاموفوبيا
تقدر إحصائيات رسمية عدد المسلمين في فرنسا بنحو ستة ملايين نسمة، يشكلون على حد تعبير الرئيس إيمانويل ماكرون مجتمعاً موازياً، ما جعل منهم المثال الأبرز على العلاقة الملتبسة التي تجمع بين الجاليات المسلمة والمجتمعات الأوربية اللائكية، وذاك بعد أن وجد الطرفين نفسيهما في مواجهة أزمة هوية انتهت بخلق حالة استقطاب حاد باتت تشكل تهديداً حقيقياً للسلم الاجتماعي، لدرجة لم يتردد معها ماكرون، في أكثر من مناسبة، في القول بأن “جزءًا من المجتمع يرغب في استحداث مشروع سياسي باسم الإسلام”، مستخدماً غير ما مرة مصطلح “المجتمع المضاد”.
هذه الأزمة العميقة التي تنخر المجتمع الفرنسي، بدأت تفرض نفسها بقوة على المشهد السياسي المحلي، في ظل تصاعد تحذيرات التيارات اليمينية من خطورة الإسلام والمسلمين على الهوية الوطنية، وقد تبنَت فرنسا العلمانية كمنهج سياسي واجتماعي على أسس وضع فلاسفة الأنوار لبناتها الفكرية الأولى، لتسُنَّ بعد ذلك قانون اللائكية وفصل الكنيسة عن الدولة سنة 1905، قبل أن تعيد صياغة التعريف ليشمل المساواة في التعامل مع جميع الأديان في عام 2004.
في المقابل عمدت فرنسا التي تقدم نفسها على أنها حامية للحريات الفردية وحرية المعتقد على محاربة المفكرين والنخب المتضامنين مع الإسلام والمسلمين ومحاصرتهم، حتى لا يتجاوز تأثيرهم الخطوط الحمراء، ما وضع الجمهورية في موضع مناقض للمبادئ الثلاث التي قامت عليها.([[7]])
ونتيجةً لذلك احتل مصطلح “الإسلاموفوبيا” صدارة المشهد السياسي والنقاش العمومي في فرنسا، خصوصاً من طرف التيارات اليمينية التي “تعتبر المسلم عدواً لدوداً للمسيحي وأوروبا؛ وأن الإسلام نفيٌ مطلق للحضارة! ولا يمكن أن يرتقب من المسلمين سوى الهمجية وسوء النية”!.([[8]])
هذا التجاذب الحاد ما لبث أن ينزلق نحو العنف بين الفينة والأخرى بعدما لعبت تيارات الإسلام السياسي على وتر العواطف لدى مسلمي جمهورية الأنوار، خصوصاً في صفوف الشباب الذين لم يحظوا بتعليم جيد ولم يتلقوا تعاليم الدين الحنيف من مصادره الحقيقية النقية، لتتحول فرنسا شيئاً فشيئاً، من دار دعوة وهجرة إلى دار حرب سالت فيها دماء العشرات من الضحايا الأبرياء.
ألمانيا؛ دولة لا يظلم عندها أحد
بعد مرور عقود على الهجرة الأولى للإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم إلى أوروبا، بدأ يظهر بالقارة العجوز جيل جديد من أبناء هؤلاء وذريتهم الذين تلقوا تعليمهم وتثقيفهم هناك، وأسسوا تنظيمات تمثل المجتمعات المسلمة المحلية، وتشرف على شبكة تغطي كل البلدان الأوروبية تقريباً.
ورغم استمرار غالبيتها في اعتناق آراء الإخوان، فإن تبنيها لخطاب معتدل ومنطوق بلغات ألمانية وهولندية وفرنسية سليمة، جعلها تلاقي قبولاً عند الحكومات الأوروبية ووسائل الإعلام على حد سواء.
لكن عدداً من الشهادات تؤكد على ازدواجية الخطاب لدى أفراد هذه التنظيمات، فلغة التسامح والاندماج التي يتحدث بها هؤلاء في شاشات التلفزة أمام جمهور وسياسيي بلدان الاستقبال، ما تلبث أن تتلاشى عندما يصعدون إلى منابر الجوامع متحدثين بالعربية إلى أتباعهم من المسلمين، ليسقط عنهم القناع مظهراً وجههم المتطرف القبيح الذي يحض على الكراهية والتحذير من شرور المجتمع الغربي.
هذه الازدواجية في خطابهم قد تختلف حدتها من بلد إلى آخر، لكنها ظاهرة تبدو بشكل جلي أكثر في ألمانيا التي تحظى بمكانة خاصة لديهم بحكم أنها استضافت أول موجة كبيرة من مهاجري الإخوان المسلمين، وكذا لأنها تستضيف التواجد الإخواني الأكثر تنظيماً، مستفيدة في ذلك من التساهل النسبي للحكومة الألمانية اتجاه ممارسات وخطاب الإخوان ونشاطاتهم.
لكن ذلك لم يمنع من أن ينتاب جهاز الاستخبارات الألماني قلق من خطورة “الإخوان” على المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، بسبب جهود الجماعة لإقامة نظام اجتماعي وسياسي على أساس الشريعة، وقيامها باعتماد برنامج مدرسي وتكوين شامل للأشخاص المسلمين والمهتمين بالدين من جميع الفئات العمرية، بما في ذلك مؤسسات الجمعية الإسلامية في ألمانيا ومساجد متعاونة بعديد من المدارس القرآنية. ووفقا لتقرير لـ”دويتشه فيله” فإنه “من خلال خطب وندوات وعروض مدرسية يتواصل النشطاء من الجمعية الإسلامية في ألمانيا وشركاؤهم مع عشرات آلاف المسلمين لنشر فهمهم المحافظ للقرآن”.([[9]])
الإخوان بعد 11 سبتمبر؛ لن نعود كما ذهبنا؟
جرت مياه كثيرة تحت الجسر الرابط بين الغرب وجماعة الإخوان منذ 11سبتمبر/أيلول2001، وباتت بعدها غالبية الدول الأوروبية تنظر بعين الريبة لنشاطات الجماعة التي ترفع شعار الاعتدال والتصدي لخطاب التطرف، في وقت تؤكد فيه تحقيقات أمنية وتقارير استخباراتية أن لها علاقات مادية ومعنوية مع عدد من التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، وكذا وجود مخططات بعيدة المدى لدى الجماعة تستهدف خلق مجتمع مواز في الدول الأوروبية والتوغل فيها عبر نشر أفكارها ومعتقداتها وسيلتها في ذلك سلسلة المراكز الإسلامية التي تنشئها في عدد من مدن القارة العجوز.
وفي عام2018 نقلت “دويتشه فيله” عن بوركهارد فرايير، رئيس جهاز الاستخبارات في ولاية شمال الراين فيستفاليا، تصريحاً قال فيه أن “الجمعية الإسلامية في ألمانيا (التابعة للإخوان) وشبكة المنظمات الناشطة تنشد، رغم الادعاءات الرافضة هدف إقامة دولة إسلامية حتى في ألمانيا”، محذراً من أنه على المدى المتوسط قد يصدر من تأثير الإخوان المسلمين خطر أكبر على الديمقراطية الألمانية مقارنة مع الوسط السلفي الراديكالي الذي يدعم أتباعه تنظيمات إرهابية مثل القاعدة أو داعش.([[10]])
أما في فرنسا فقد حذر رئيس الوزراء السابق مانويل فالس من السلفيين الذين يتخذون من اتحاد المنظمات الإسلامية ذريعة للتأثير على شباب الأحياء الشعبية، علما أن هذا الاتحاد، الذي يعتبر واجهة للإخوان المسلمين هناك، ينظم سنويا ملتقى يجذب حوالي 170 ألف زائر، ليسوا بالضرورة أعضاء في الجماعة، ولكن تغويهم فكرة المشاركة والحضور إلى الندوات السياسية والدينية التي يتضمنها برنامج الملتقى.
ورغم عدم استيفاء الاستخبارات الأوروبية للأدلة الكافية لإدانة وحظر الإخوان، فإن ذلك لم يمنع المصالح المعنية من فرض رقابة مشددة على أنشطة الجماعة ومصادر تمويل التنظيمات المتفرعة عنها في أوروبا، والتي تم حصرها في القائمة التالية:
- الجماعة الإسلامية في ألمانيا (GID) هي الفرع الألماني للإخوان المسلمين في أوروبا، أسسها سعيد رمضان عام1958، ومن أبرز الأسماء التي تناوبت على رئاستها كان الألماني المصري الأصل ابراهيم الزيات.
- رابطة مسلمي بلجيكا (LMB)مُمثلة جماعة الإخوان المسلمين هناك، تأسَّست عام1997، وتملك عشرة مساجد ومقرات بعدة مدن منها بلجيكية، من أبرز قادتها كريم شملال، طبيب وهو من أصل مغربي يعمل في مجال علم الأحياء.
- رابطة المجتمع المسلم في هولندا أسسها المغربي يحيى بوياف في لاهاي عام1996، وتضم عدة منظمات منها على وجه الخصوص مؤسسة اليوروب تراست نيديرلاند (ETN) والمعهد الهولندي للعلوم الإنسانية والإغاثة الإسلامية.
- الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB)مُمثلة الإخوان المسلمين هناك، تأسست عام1997 على يد كمال الهلباوي الذي ظل لوقت طويل ممثلاً للإخوان المسلمين في أوروبا، قبل أن ينشق عن الجماعة، ويخلفه في إدارة الرابطة أنس التكريتي العراقي الأصل وأستاذ الترجمة بجامعة ليدز.
- اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا (UCOII)تأسس عام1990، ويديره محمد نور داشان السوري الأصل، ويضم الاتحاد ما يقرب من مئة وثلاثين جمعية، ويتحكم في 80% تقريباً من المساجد في إيطاليا، كما يمتلك الاتحاد فرعاً ثقافيّاً وفرعاً نسائيّاً وآخر شبابيّاً.([[11]])
إيران تنافس الإخوان؛ الشيعة المغاربة في بلجيكا نموذجاً!
في شهر مارس/ آذار من العام 2019، أعلن وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير أنه طلب حل أربع جمعيات شيعية “تضفي الشرعية على الجهاد المسلح بشكل منتظم، سواء من خلال الجلسات الدينية أو نصوص توضع بتصرف المؤمنين ومستخدمي الإنترنت”. وقال وزير الداخلية في بيان إن هذه الجمعيات هي “مركز الزهراء فرنسا” و”اتحاد الشيعة في فرنسا” و “الحزب المعادي للصهيونية” و “تيلي فرانس ماريان”. وتابع ذات المصدر أن “مبررات الجهاد المسلح، من دون ضوابط من أي نوع، يرافقه تلقين الشباب في مركز الزهراء أدبيات الجهاد وتقديم تبريرات عن طريق الإنترنت، لمنظمات مثل حماس والجهاد الإسلامي والجناح المسلح لحزب الله، وكلها مدرجة في قائمة المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي”.([[12]])
القرار الفرنسي لم يكن مفاجئاً لا على المستوى الأمني ولا على المستوى الإعلامي، بالنظر إلى الأدوار التي باتت تقوم بها المراكز الشيعية في أوساط الجاليات المسلمة في أوربا، والصلات المباشرة التي تربط هذه بالمؤسسات الأمنية والاستخباراتية في إيران. وبينت عدد من التقارير الأمنية الأوربية أن ثمة دور للمراكز الثقافية والدينية الشيعية في تعزيز استراتيجية التغلغل الإيراني في القارة الأوروبية، وبناء قاعدة من المؤيدين والمتعاطفين مع سياستها، في أوساط العرب المهاجرين والمسلمين، والتأثير في الدوائر ذات النفوذ؛ سواء في المجتمع المدني أو وسط السياسيين، وأن النشاط الثقافي ليس سوى واحد من الأدوات والصيغ الناعمة التي تمرر بها إيران أجنداتها السياسية ودعم تأثيراتها ونفوذها في الساحة الدولية.([[13]])
ولأجل تحقيق ذلك يسعى النظام الإيراني إلى توفير الكوادر المدربة؛ ثقافياً وأيديولوجياً، للنهوض بالأجندة المنوط بهذه المؤسسات تنفيذها، وذلك من خلال عدد من الهيئات الموجودة في إيران وخارجها، كجامعة “المصطفى”؛ التي تخضع لسيطرة المرشد الأعلى، ومقرها مدينة قم، ومنظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية، التي تندرج تحتها عدة جمعيات ومؤسسات، مثل “جمعية أهل البيت”، حيث تتولى مسؤولية الترويج للتشيع، وتعقد صلات قوية مع الشيعة حول العالم، وهناك “المنظمة الإسلامية للتنمية” التي تحمل بالفارسية عنوان “مؤسسة الدعاية الإسلامية”؛ ومهمتها نشر مواد دينية ودعائية .كما تقول. بإرسال الدعاة الشيعة إلى دول أجنبية، بالتعاون مع مكاتب الشؤون الخارجية في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.([[14]])
هذا السعي الإيراني الحثيث لسحب البساط من تحت أقدام “الإخوان” بأوروبا سببه إدراكها لقوة الجاليات المسلمة هناك وتأثيراتها في محيطها الإقليمي خصوصاً في بعض الدول التي بات فيها العرب والمسلمون يشكلون قوة انتخابية لا يستهان بها، ولعل أبرز مثال على ذلك هو الاختراق الشيعي القوي الذي تعرضت له الجالية المغربية ببلجيكا، مما دفع عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إلى التحذير من أن أربعة مساجد كبيرة للجالية المغربية في العاصمة البلجيكية بروكسل أصبحت تتبع المذهب الشيعي.([[15]])
على مدخل مسجد الرحمن، في شارع “جورج مورو”، غير بعيد عن مقر القنصلية المغربية في بروكسيل، توجد لافتة كتب عليها “السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين”، أمر كان ليبدو شبه مستحيل قبل سنوات قليلة بالنظر إلى أن غالبية مرتادي المسجد المذكور هم من الجالية الوافدة من المملكة المغربية السنية، لكن هذا بدأ الآن في التغير نتيجة التزايد الملحوظ في أعداد المهاجرين المغاربة الذي يقدمون على اعتناق التشيّع والدراسة في الحوزات الدينية في إيران، بمن فيهم خطيب مسجد الرحمن الشيعي، الذي قال عن قصة تشيعه: “لقد جئت من المغرب إلى بلجيكا سنة1983 سُـنّيا.. وكان والدي قد سبقني إلى هنا. كان والدي عضواً في رابطة علماء المغرب، بقيادة المرحوم الشيخ المكّي الناصري، كما كان صوفياً من أتباع الشيخ بن عجيبة. ولم يمض وقت طويل حتى أخذتُ أنوب عن والدي في الخطابة، فكنت متأثرا بعلماء بلدتي في طنجة من آل الصديق، وهم الحافظ سيدي أحمد والحافظ سيدي عبد الله والحافظ سيدي الحسن.. بدأت أتحدث عن آل البيت وفضائلهم فوجدت من يرميني بالتشيّع، وهذا كان دافعي إلى دراسة الشيعة وفكرهم، بخلفية أنه إذا كان هؤلاء الناس على حق فنحن أَولى بإظهار هذا الحق، وإذا كانوا على باطل فالمنبر يدعونا إلى إماطة اللثام عن الباطل، لكيلا نترك أبناء جاليتنا ينساقون وراءه. جعلني هذا البحث الذي قمت به أعطف على الشيعة، وسرى بين الناس أنني شيعي”، ويستطرد الخطيب في الحديث قائلا: “نحن في بلد يحكمه الفكر الليبرالي، وإذا كنتم ترون في المغرب أن هناك تزايداً في أعداد المتشيعين هنا في بروكسيل ومنها يدخل التشيع إلى المغرب، كما يقال، فإننا لا نرى الأمر كذلك، لأننا وجدنا هنا الباب مفتوحاً لخيارات عدة، وليس محدداً في مذهب بعينه، كما هو الشأن في المغرب، لذلك اخترنا أن نكون سُنـّيين لكنْ متشيعين للنصوص الواردة في آل البيت”.([[16]])
من جهته يرى الشيخ محمد التجكاني، رئيس رابطة الأئمة في بلجيكا، وخطيب مسجد الخليل بحي مونلبيك في بروكسيل، أن تحول أفراد من الجالية المغربية في بلجيكا لا علاقة له بمحبة آل البيت، بل كانت وراءه دوافع سياسية؛ موضحا أنه بعد انتصار الثورة الإيرانية سنة 1979، التي رفعت شعار الثورة الإسلامية وليس الثورة الشيعية، تعاطف معها المغاربة على اعتبار أنها ثورة بديلة جاءت ضد قوى الاستكبار الغربية، بقيادة أمريكا التي أطلقت عليها إيران لقب الشيطان الأكبر، وضد الاتحاد السوفياتي، وأنها جاءت لإعلاء كلمة الإسلام وتحرير فلسطين. وقد كان ذلك تشيّعاً عاطفياً.([[17]])
فضلا عن ذلك لم يتردد النظام الإيراني في استخدام سلاح المال من أجل تنفيذ مخططه الرامي إلى تشيع مغاربة بلجيكا واستقطاب عدد من مثقفي وفقهاء السنة، وكذا استدعاء بعض الشباب للدراسة في مدارس الشيعة في إيران وسوريا ولبنان وتأمين النفقات والمِنح لهم في دراستهم، إضافة إلى السكن وزواج المتعة.([[18]])
خلاصة القول:
إن رهان الحكومات الغربية على توظيف الدين الإسلامي كقوة ناعمة لمواجهة المد الشيوعي، ما كان لينجح لولا أن وضعت يدها في يد جماعة الإخوان المسلمين التي وافقت على أن “ترتجل” خطة المواجهة التي أعدت لها سلفا من طرف الاستخبارات الأمريكية أولا ثم الأوربية لاحقاً.
غير أن هذا التحالف ما لبث أن تسرب إليه الوهن بعد انهيار المعسكر الشرقي وإحساس الجماعة بأنها بدأت تفقد أهميتها بفقدانها مبرر وجودها، فتحولت شيئاً فشيئاً من حليف إلى عدو يُهدد أمن وسلامة المجتمعات الأوربية نفسها، بعدما فرّخ التنظيم وتخرّج منه عدداً من التنظيمات والذئاب المفردة التي اختارت لنفسها منهجاً عنيفـاً لمواجهة المجتمعات الأوربية، لتتحول بذلك القارة العجوز في نظر الإسلام السياسي من “دار هجرة” إلى “دار حرب”. فضلاً عن ذلك يمكن القول: إن تبني الإسلام السياسي عموماً لإيديولوجيا غير ليبرالية لا تحترم القيم العالمية المشتركة، خلق لأعضاء الجماعة المستقرين في أوربا أزمة هوية ودفعهم إلى خلق كيان اجتماعي مواز للمجتمع الأوروبي ومبادئ وقيم مواطنيه.
هذا الوضع نتجت عنه أزمات سياسية عميقة ببلدان الاستقبال التي وجدت نفسها في مواجهة صعود تيارات يمينة متطرفة تتغذى خطاباتها من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الهجرات عموما وتلك القادمة من العالم العربي والإسلامي خصوصاً، حيث اتهام الجاليات المسلمة بأنها معادية ومعارضة للقيم الكونية للديمقراطيات بما فيها العلمانية والمساواة بين الرجل والمرأة وحقوق الأقليات.
من جهتها لم تنتبه الدول العربية والإسلامية إلى وزن وثِقل جالياتها المقيمة بأوروبا إلا بشكل متأخر، فحاول بعضها تحصين مواطنيه المقيمين بالقارة العجوز من التأثيرات الدينية والمذهبية الغريبة عنهم، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب الذي لم يتردد في توظيف إمارة المؤمنين للحفاظ على الصلات الدينية والمذهبية التي تربط المملكة بأبنائها المقيمين بالخارج، في وقت حاولت فيه كل من قطر وتركيا ملأ الفراغ الذي تركته المخابرات الأمريكية والأوربية وبادرت إلى تجنيد وتوظيف جماعة الإخوان المسلمين لتنفيذ مخططاتها بعدد من بقاع العالم؛ وفي لقاء خص به التلفزة الألبانية العمومية في يونيو2017، لم يجد الرئيس التركي أردوغان حرجاً في الاعتراف بأنه ما من عيب على الإطلاق في دعم الأحزاب السياسية في دول البلقان والدول الأوروبية الأخرى التي تتشارك عقيدة مماثلة مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يترأسه، وأن هذه الجهود يجب ألا تثير امتعاض أي طرف؟!
المراجع
[[1]]- مقال: الإخوان في أمريكا… علاقات تاريخية ومستقبل مجهول، محمد سبتي، 02/11/2020، موقع حفريات.
www.hafryat.com/ar/blog/الإخوان-في-أمريكا-علاقات-تاريخية-ومستقبل-مجهول
[[4]]- محاضرة “الإخوان المسلمين في أوروبا.. النشأة والتطور”، كيوبوسط.
www.qposts.com/الإخوان-المسلمين-في-أوروبا-النشأة-وا/
[[6]]- مقال: “مسجد ميونخ.. هنا ولد تنظيم الإخوان”، محمد الشرقاوي، صوت الأمة.
[[7]]- مقال: “فرنسا والإسلام: تاريخ العلاقة ومحركات الأزمة”،أنيس العرقوبي، نون بوسط.
https://www.noonpost.com/content/38727
[[9]]- مقال: “تقرير: الإخوان المسلمون أخطر على ألمانيا من داعش والقاعدة”، دويتشه فيله.
[[11]]- مقال: “كيف تدير جماعة الاخوان المسلمين شبكات عملها من داخل أوروبا ؟، الباحث حازم سعيد،عن”لمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات”، حفريات
[[12]]- مقال: “وزير الداخلية الفرنسي يدعو إلى حظر أربع جمعيات إسلامية شيعية”، فرانس24.
[[13]]- مقال: “لهذه الأسباب أغلقت 3 دول أوروبية مراكز شيعية على أرضها”، كريم شفيق، حفريات.
[[15]]- مقال: “قلق وسط مغاربة بلجيكا من انتشار التشيع بين أبنائهم”، عبد الله مصطفى، هسبريس.
[[16]]- مقال: “حسينيات الشيعة المغاربة في بلجيكا”، سليمان الريسوني، جريدة، المساء – 23/12/2011.