بعد نحو خمس سنوات من انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي المثير للجدل، تظهر المزيد من الإحصائيات التي تكشف كيف تغير وجه البلاد خلال تلك الأعوام وسط تواصل مطالبات المعارضة التركية بالعودة إلى النظام البرلماني، الذي ألغي بموجب استفتاء أجرته حكومة العدلة والتنمية في 16 نيسان من العام 2017، وذلك بعد وقتٍ من تسلم “رجب طيب أردوغان” لمنصب رئيس الجمهورية.
يشار إلى أن إقرار النظام الرئاسي قضى بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية على حساب رئيس الحكومة، الذي كان يعتبر الحاكم الفعلي للبلاد، ما أحدث أزمة داخل الحزب الحاكم، وبشكل خاص بين الرئيس “أردوغان” وبين رئيس الحكومة آنذاك “أحمد داوود أوغلو”، الذي أعلن انتقاله إلى معسكر المعارضة.
زيادة في طالبي اللجوء الأتراك
آخر الإحصائيات المتعلقة بالوضع الداخل التركي، يكشف عنها المكتب الإحصائي الأوروبي، والذي يؤكد أن عدد طلبات اللجوء المقدمة من قبل مواطنين أتراك في دول الاتحاد الأوروبي ارتفع بنسبة 506 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، مشيراً إلى أن الاتحاد سجل عام 2015 نحو 2995 طلب لجوء عام 2015، مقابل 18.145 طلب في 2020.
تعليقاً على الإحصائية المذكورة، يشير الباحث في الشؤون التركية “سليمان بكرلي”، إلى أن تلك الإحصائية يمكن اعتبارها مرآة تعكس واقع الحياة الفعلي في تركيا، ليس من الناحية الاقتصادية والمعيشية فقط وإنما من ناحية الحريات والحقوق والاعتقالات ومستوى الديمقراطية والمناخ السياسي في البلاد، لافتاً إلى أن تلك الزيادة تعتبر كارثية بالنسبة لبلد مثل تركيا لا يعاني من حروب أو أزمات مسلحة مثل سوريا أو العراق أو ليبيا.
كما يضيف “بكرلي”: “على الرغم من مرور نحو 20 عاماً على وجود حكومة العدالة والتنمية في الحكم، إلا أن السنوات الخمس الماضية كانت عملياً الأكثر كارثية وعلى مختلف الصعد، لا سيما في ظل الانشقاقات التي ضربت حزب العدالة والتنمية”، لافتاً إلى أن الحكم في تركيا إلى حين عام 2015، كان نسبياً يقوم على أساس الفريق الحاكم والمؤسسات إلا أنه بعد 2015 بدأ يتحول إلى نظام الرجل الواحد وما تبعه من إقصاءات وصياغة سياسات الزعيم الأوحد في البلاد، على حد قوله.
على الجانب المعيشي، يرى “بكرلي” أن لغة الأرقام المرتبطة بأسس الاقتصاد التركي وتحديداً سعر صرف الليرة عكس إلى حد بعيد طبيعة التبدلات والتقلبات التي شهدته تركيا بالانتقال إلى النظام الرئاسي، خاصة وأنها مرت بمرحلة انهيار وليس مجرد انخفاض، مع وصول الدولار اليوم وصل إلى 8.38 ليرة تركية.
يذكر أن رئيس الحكومة الأسبق، المنشق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، “أحمد داوود أوغلو” كشف في وقتٍ سابق أن الليرة التركية فقدت ما يقارب 155 في المئة من قيمتها، منذ عام 2016 وحتى اليوم، مضيفاً: “عندما تسلمت الحكومة 2016، كان سعر صرف الدولار 2.85 ليرة، في 2020 هم يحاولون الاحتفاظ بها عند سعر صرف 7.30 مقابل الدولار”.
البحث عن لقمة لعيش
محاولة الأتراك الحصول على اللجوء في أوروبا، على الرغم من صعوبة المهمة كون تركيا تصنف كدولة آمنة، تشير من وجهة النظر الاقتصادية إلى حالة اليأس من إمكانية الإصلاح الاقتصادي في البلاد، وفقاً للمحلل الاقتصادي، “عبد الكريم ديغم”، لافتاً إلى أن الهجرة التركية إلى أوروبا لا يمكن اعتبارها محاولة لتحسين الحياة أو الوضع المعيشي بقدر ما هي بحث فعلي عن لقمة العيشة، في ظل مستويات الفقر والبطالة المسجلة في البلاد خلال تلك السنوات.
يذكر أن حزب الشعب الجمهوري التركي قد كشف في تقرير له، أن طبقة العمال الأتراك المتقاضين للحد الأدنى الأجور، والبالغ 2324 ليرة، باتوا عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم المعيشية في ظل زيادة الأسعار.
ويشير “ديغم” إلى أن حركة الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، ساهمت إلى حد كبير في التأثير على الوضع الاقتصادي للبلاد، خاصة من ناحية الاستثمارات الأجنبية، موضحاً: “انتقال السلطة إلى يد الرئيس بالطريقة التي حصلت في تركيا أوحت بدخول البلاد إلى نفق الديكتاتورية والأزمات السياسية والأمنية، تحديداً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وهذا ساهم في خشية رؤوس الأموال من الدخول إلى السوق التركية”.
يشار إلى أن وسائل إعلام تركية أعلنت أواخر العام 2020، عن وجود 4 ملايين تركي يعيشون على المساعدات الحكومية خاصةً مع انتشار وباء كورونا، لافتةً إلى أن إجمالي عدد الفقراء في تركيا يصل إلى 20 مليوناً.
كما يلفت “ديغم” إلى أن السياسة الخارجية التركية شديدة العداونية، التي تم اتباعها خلال السنوات الخمس الماضية، تحديداً ضد الغرب ومحاولة الاتجاه نحو روسيا والصين، مثلت ضربة قاصمة للاقتصاد التركي وأفقدته الكثير من الفرص الاستثمارية، بالإضافة إلى تعريض البلاد إلى سلسلة من العقوبات الاقتصادية القاسية، مضيفاً: “عملياً النظام الرئاسي حول الرئيس إلى الفاهم والمفتي في كل شيء بما في ذلك الاقتصاد، وبدا ذلك واضحاً عبر سياسات وزارة المالية إبان وجود صهر الرئيس، بيرات ألبيرق”.
يذكر أن المعارضة التركية كانت قد حملت “آلبيرق” والرئيس “أردوغان” مسؤولية التدهور الحاصل بالاقتصاد المحلي وسعر صرف الليرة من خلال السياسات الفاشلة التي تم اتباعها والاعتماد على شخصيات ذات كفاءة منخفضة في إدارة الملف الاقتصادي، مشيرةً إلى أن اختيار الفريق الاقتصادي كان يتم بحسب الولاء للحكومة والرئيس وليس بحسب الكفاءة، على حد وصفها.
فساد ينخر عظم الدولة
الفساد وتصاعد معدلاته وتراجع نسبة مكافحته، هو أبرز المتغيرات الملحوظة في وجه تركيا في 5 سنوات ماضية، يقول المحلل السياسي “ولات عمر”، لافتاً إلى أن الإحصائيات الرسمية الدولية كشفت عن ذلك من خلال البيانات الصادرة عنها، والتي أوضحت أن تركيا تراجعت في معدلات ملاحقة الفساد إلى المرتبطة 19، عام 2019، بحسب التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.
كما يضيف “عمر”: “إحصائية منظمة الشفافية كشفت أيضاً من خلال بيانتها أن تركيا في السنوات الاخيرة هي الدولة الاكثر هبوطا بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لا سيما وأنها في عام 2019 فقط، تراجعت 13 مركزاٍ مقارنةً مع تصنيفها عام 2018″، معتبراً أن الفساد تحول إلى ظاهرة فعلية في تركيا، تحديداً في ظل توفير حماية بعض المسؤولين تحت بند الولاء للنظام، إلى جانب ارتباط اسم الرئيس ومقربين منه في بعض ملفات الفساد الكبرى.