بعد أن فقد سيطرته على المنطقة الشمالية من سورية منذ نهاية 2011، عندما انسحبت منها عناصره خوفاً من الجموع الغاضبة المنتفضة، تمكن جيش الأسد من السيطرة على تلك المناطق في غضون أسابيع، بالرغم من كل الخسائر التي مني بها، وعلى رأسها إسقاط طائرتين مروحيتين وقتل طاقمهما على يد المعارضة السورية المسلحة، التي كانت ولغاية 2017، تبدو مسيطرة تماماً وبشكل متناسق على المنطقة الشمالية، والتي تضم ريفي إدلب وحلب، ومركز محافظة إدلب التي كانت تتخذها مقراً لها.
حتى ذلك الحين سعت المعارضة المدنية بالتنسيق مع المعارضة المسلحة عبر الوسيط التركي، لإنشاء مراكز مدنية لإدارة البلاد هناك، لكن سرعان ما حصلت انقلابات بين أخوة السلاح، جعل فصيل “جبهة تحرير الشام” المؤلف من عدة فصائل على رأسها “النصرة سابقاً” من الإنقلاب على فصيل أحرار الشام والتنكيل به، وانتزاع السيطرة على المنطقة، بما فيها المعابر التي تدر آلاف الدولارات يومياً، حينها طلبت أحرار الشام من الحليف التركي النصرة، لكنه لم ينصرها، وترك جبهة تحرير الشام تستولي على الأمور هناك.
بداية القصة
بعد سيطرة جبهة تحرير الشام التي يتزعمها “أبو محمد الجولاني” على آخر معاقل المعارضة السورية، أعلنت الجبهة التي كانت مرتبطة سابقاً مع القاعدة ومع تنظيم الدولة الإرهابي وأعلنت في 2016 انفكاكها عنهما، تشكيل حكومة مدنية أطلقت عليها “حكومة الإنقاذ” وأصبحت الحكومة التابعة للمعارضة والتي تتخذ من تركيا مقراً لها، وتسعى لنقله للداخل السوري برئاسة الدكتور “جواد أبو حطب”، غير مرحب بها، بل كان بعض أعضاؤها ملاحق.
أنشأت جبهة تحرير الشام لنفسها إمبراطورية مستبدة في أكثر مناطق العالم فقراً ومعاناة واكتظاظاً، وفرضت أتاوات على الناس، وكانت تدير المنطقة بشكل تعسفي، أغلقت جبهات هامة، وفتحت أخرى وهمية أو أقل أهمية، وزجت بالشباب عليها، في معارك لا طائل منها.
هناك اتفاق وتنسيق بين المسؤولين الأتراك عن الشمال السوري، وبين قادة تحرير الشام وعلى رأسهم “الجولاني”، وأغرت تركيا الشباب الثائر في الشمال، وكلهم من الذين اختاروا طريق الثورة بدلاً عن مناطقهم في سوريا التي هجروا منها لإدلب، وأرسلتهم إلى ليبيا، فجرى تفريغ المنطقة من الثوار بداية، وإيجاد حالة من اليأس عند البعض ثانياً، ما أوحى للكثير بأن المنطقة ساقطة بيد النظام، والأمر هو مسألة وقت لا أكثر.
خط أردوغان الأحمر
باتت خطوط الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” خطوطاً مخيفة للسوريين فكل منطقة تصبح لديه خطاً أحمر تسقط بيد نظام الأسد بعد فترة وجيرة، وهذا ما يحصل الآن في ريفي إدلب وحلب، حيث وصلت مرتزقة الأسد بدعم وإسناد جوي روسي إلى مناطق كانت “حلم بالنسبة لهم” قبل سنة واحدة على الأقل.
ومنح “أردوغان” جنود الأسد حتى نهاية شباط الحالي للعودة إلى المناطق المتفق عليها في اتفاق سوتشي –بما يحمي النقاط التركية- لكن روسيا التي قالت بأن التوتر سببه تركيا ما زالت تتقدم على الأرض.
فقد أعلن نظام الأسد اليوم الأحد، سيطرته الكاملة على غرب مدينة حلب، حيث أكدت وسائل إعلام تابع للنظام في سوريا، أن قواته سيطرت على محيط مدينة حلب، بما فيها من قرى وبلدات.
وقالت مصادر سورية محلية من الشمال السوري، إن قوات النظام والمسلحين الموالين لها، سيطرت على بلدات حريتان وعندان وكفرحمرة وجمعية الكهرباء الثانية وجمعية آذار وتل النبي نعمان وجمعية الفنار وبشقاتين وبيت غازي والهوتة وقيلون وجمعية الاتحاد العربي وجمعية المحاربين ومجينة وجمعية الزهراء والليرمون في ريف حلب الغربي، وذلك بعد انسحاب فصائل مسلحة منها.
كما قالت تلك المصادر المحلية، إن رتلاً تركياً دخل من معبر كفرلوسين، يتألف من 70 آلية عسكرية مختلفة بينها مدفعية ودبابات، في حين تمركزت آليات تركية في بلدة سرمدا الحدودية مع لواء إسكندرون، وذلك مع تقدم قوات النظام في تلك المنطقة.
وتتمركز القوات التركية في منطقة خفص التصعيد، حيث بلغت أعداد النقاط التركية 33 واحدة، تتضمن صلوة وقلعة سمعان والشيخ عقيل وتلة العيس وتلة الطوقان والصرمان وجبل عندان والزيتونة ومورك والراشدين الجنوبية وشير مغار واشتبرق، بالإضافة إلى نقاط مستحدثة تشمل: عندان والراشدين ومعرحطاط و3 نقاط في سراقب والترنبة والنيرب والمغير وقميناس وسرمين ومطار تفتناز ومعارة النعسان ومعرة مصرين والجينة وكفركرمين والتوامة والفوج 111 ومعسكر المسطومة وترمانين والأتارب ودارة عزة.
الشريكان المتنافران
تمسك كل من تركيا وروسيا بالملف السوري، وتسيرانه وفق أهوائهما، وما على المقاتلين على الأرض إلا القتال بأمر الكفيلين، اللذان زجا بالدم السوري في ساحات قتال لا طائل منها، والخاسر الأكبر هو الشعب السوري، في حين يحمل كل منهما الطرف الآخر سبب تدهور الأوضاع.
قال وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” اليوم الأحد، إنه أبلغ نظيره الروسي بضرورة توقف هجمات القوات السورية في محافظة إدلب، آخر معاقل الفصائل المقاتلة شمالي البلاد.
وتشهد المناطق شمالي سوريا هجوماً شرساً من قوات الأسد والمليشيات التابعة له، بدعم من الجيش الروسي الذي بدأ تدخلا عسكريا حاسما في البلاد سنة 2015، وتأجج التوتر بين أنقرة وموسكو بعد مقتل 14 جندياً تركيا، من جراء قصف للقوات السورية في المنطقة.
وصرح جاويش أوغلو للصحافيين في ألمانيا على هامش مؤتمر ميونخ: “أكدت أن الهجمات في إدلب يجب أن تتوقف وأنه من الضروري التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وألا يتم انتهاكه”، والتقى “جاويش أوغلو” نظيره الروسي “سيرغي لافروف” أمس السبت، خلال مؤتمر ميونيخ الأمني بألمانيا.
وتقيم تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب، في إطار اتفاق تم التوصل إليه في 2018 بين أنقرة وموسكو في منتجع سوتشي لمنع هجوم الجيش السوري، ورغم الاتفاق المبرم بين أنقرة وموسكو، واصلت القوات السورية هجومها للسيطرة على المحافظة، مما أدى إلى مقتل المئات، فيما نزح مئات الآلاف عن بيوتهم.