مع إعلان جماعة الإخوان المسلمين وفاة نائب المرشد العام والقائم بأعماله وأمين تنظيمها الدولي إبراهيم منير، تجدّدت التساؤلات حول مستقبل الجماعة، وطبيعة المنصب المستحدث لتسيير الأعمال، في ظل ما تعانيه الجماعة أساسًا من صراعات علنية بين ثلاثة جبهات، كل منها يعلن أنه هو الجهة الشرعية التي تمثل جماعة الإخوان.
وتُوفي منير الجمعة الماضية (4 نوفمبر)، عن عمر ناهز 85 عاما في العاصمة البريطانية لندن، التي أمضى فيها 40 عاما الأخيرة من عمره، بعد أن صدرت بحقه أحكام غيابية بالسجن في عهد معظم الرؤساء المصريين.
ويرى خبراء ومحللون بأنّ جماعة الإخوان اليوم تدخل طورا جديدا من الإنقسام في ظل وجود ثلاث جبهات متنافسة، أولها كان بزعامة منير في لندن، والأخرى في إسطنبول بقيادة الأمين العام للجماعة محمود حسين، والثالثة جبهة “المكتب العام” أو ما يسمّى تيار التغيير أو الكماليين (نسبة للقيادي الإخواني محمد كمال الذي تمت تصفيته على يد قوات الأمن المصرية عام 2016).
وكان منير نائبا للمرشد العام المعتقل محمد بديع (1943-) وقائما بأعماله، وهو أمر لم تُسلّم به “جبهة إسطنبول”. وقد شهدت الجماعة عدة خلافات داخلية حادة منذ سقوط حكمها في يوليو/تموز 2013. توّجت هذه الخلافات بعزل جبهة لندن محمود حسين وقيادات في مجموعته ما وضع الجماعة للمرة الأولى في تاريخها أمام أزمة شرعية في المنصب الأرفع داخل تنظيم يعمل بمبدأ السمع والطاعة.
وأقيم الأحد الماضي أكثر من مجلس عزاء في عدة بلدان بتوقيت واحد تقريبًا، كان أبرزها بيت العزاء الذي أقيم في فندق جونن يني بوسنا بمدينة اسطنبول التركية، والذي -وللمفارقة- شهد حضور الصف الأول من قادة “جبهة لندن”، مثل رجل التنظيم الدولي القوي والمرشح الأبرز لخلافة منير، محمد البحيري، ومحيي الدين الزايط، نائب إبراهيم منير في قيادة الهيئة الإدارية العليا لقيادة الجماعة والقائم بالأعمال “المؤقت”، إضافة إلى “محمد وليد حكمت”، مراقب الإخوان في سوريا، وعادل إبراهيم، المراقب العام للإخوان في السودان، وطارق الزمر، القيادي فيما يسمى “الجماعة الإسلامية”، كما حضر “عصام البشير” بصفته نائب رئيس “اتحاد علماء المسلمين”، وقدَّم كل من خالد مشعل وإسماعيل هنية كلماتهم نيابة عن “حماس” عبر الفيديو كونفرنس، في مجلس عزاء متزامن أقيم في قطر.
واكتفت كل من جبهة إسطنبول وجبهة المكتب العام بنعي إبراهيم منير بعد وفاته بعدة ساعات، دون الإشارة إلى أيّ من المناصب التي كان يتولاها بالجماعة، واكتفت بإرفاق إسمه بلقب “الإستاذ”، الأمر الذي يشي بتصعيد محتمل خلال استحقاق انتخاب/اختيار القائم الجديد بأعمال المرشد.
من هم المرشحون لخلافة منير؟
في الوقت الذي لم يتم فيه تحديد آلية انتخاب خليفة إبراهيم منير في جبهة لندن، مع تسيير الأمور الإدارية من قِبل القيادي الإخواني محيي الدين الزايط فور الإعلان عن وفاة منير، إلا أن اللوائح التنظيمية بشكل عام تمنح مجلس الشورى الإدارة المؤقتة واختيار من ينوب القائم بأعمال المرشد العام للجماعة وفق أطر محددة.
وتنص لائحة الجماعة الداخلية (المادة 4 من الفصل الأول) على أنه في حالة غياب المرشد العام خارج الجمهورية أو تعذر قيامه بمهامه لمرض أو لعذر طارئ مثل السجن يقوم نائبه الأول مقامه، والنائب الأول هو رجل الأعمال خيرت الشاطر(72عاما)، الذي يقبع في السجن منذ يوليو 2013، وكذلك النائب الثاني للمرشد، محمود عزت، والذي تولى منصب القائم بأعمال المرشد قبل إلقاء القبض عليه 28 أغسطس 2020.
وفي هذه الحالة تشير اللائحة الداخلية لجماعة الإخوان (المادة 5 من الفصل الأول)، إلى أنه في حالة حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد لمهامه ينوب عنه نائبه الأول ثم الأقدم فالأقدم من النواب، ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد.
تقودنا هذه الفقرة للبحث عن أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنًا، شريطة أن يكون خارج السجن ويستطيع القيام بمهام المنصب الشاغر، وهنا يبرز اسم محمد أحمد البحيري (81 عام)، كأحد أهم المرشحين لخلافة إبراهيم منير في منصب القائم بأعمال المرشد. والبحيري أحد قيادات الرعيل الأول داخل جماعة الإخوان، وهو المتهم رقم 25 في القضية رقم 12 لسنة 1965، المعروفة إعلاميًا بـ(تنظيم 65)، مع سيّد قطب، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان حينذاك يبلغ من العمر 22 عامًا.
وفي هذا السياق، كان من اللافت للنظر حضور “محمد البحيري” إلى بيت العزاء الذي أقيم في فندق جونن يني بوسنا بمدينة اسطنبول التركية، حيث تسابق الجميع في ختام الفعالية إلى مصافحته وتقبيل يده، في مشهد يشير إلى مكانة الرجل ضمن هيكلية التنظيم، وفرصِه الكبيرة في تولي منصب القائم بأعمال المرشد. وفي دلالة رمزية على ذلك، حضر البحيري مجلس العزاء مرتديًا “قلنصوة” تشبه تلك التي كان يترديها “محمد حامد أبو النصر”، المرشد الرابع للجماعة.
الإسم الثاني المطروح لشغل المنصب هو محيي الدين الزايط، باعتباره من أكبر القيادات سنًا، وعضو اللجنة التي شكلها إبراهيم منير عقب القبض على محمود عزت، والتي ضمت “حلمي الجزار، ومحمود حسين، وأحمد شوشة، ومحمد عبد المعطي الجزار، ومدحت الحداد، ومصطفى المغير”. وبالفعل أعلنت الجماعة القيادي محيي الدين الزايط بديلا “مؤقتا” لمنير، لحين الإعلان عن قائم جديد بأعمال المرشد. بينما قال الزايط عبر قناة “الجزيرة” القطرية إنه “كان يساعد منير بالفعل في إدارة اللجنة العليا، وأنه كان يتولى بعض الأمور حال غيابه بشكل مؤقت”.
وعلى الرغم من ترؤس “الزايط” للجنة في حال غياب إبراهيم منير إلا أنه ليس عضوًا بمكتب الإرشاد، وإنما عضو مجلس شورى، ما يعني استبعاده لائحيًا لشغل منصب القائم بأعمال المرشد وخلافة منير.
من الأسماء المتداولة لخلافة إبراهيم منير أيضاً، محمود حسين الذي تخطى من العمر 75 عامًا تقريبًا (مواليد يافا الفلسطينية لأم فلسطينية وأب مصري 16 يوليو 1947م)، وهو الأمين العام السابق للجماعة وعضو مكتب الإرشاد فيها. إلا أن ترشحه للمنصب الآن قد يعتريه مانع لائحي، بسبب إحالته للتحقيق من قبل إبراهيم منير، وفصله هو ومجموعة من الإخوان من مناصبهم الإدارية، ما يعني أنه لم يعد عضوًا بمكتب الإرشاد.
ويلي حسين في الترشيحات حلمي السيد عبد العزيز الجزار، وهو طبيب من مواليد عام 1952، كان أحد قيادات الحركة الطلابية في السبعينيات بجانب عبدالمنعم أبو الفتوح وإبراهيم الزعفراني وعصام العريان. تولى الجزار منصب نائب رئيس المكتب الإداري لجماعة الإخوان المسلمين بالجيزة، وعضو مجلس الشورى العام للجماعة، وقد خضع لمحاكمة عسكرية في عام 1975 ولكن تم تبرئته، كما تولى منصب أمين عام حزب الحرية والعدالة بالجيزة.
ورغم أن الجزار أحد أعضاء اللجنة التي شكلها إبراهيم منير، إلا أنه ليس عضو مكتب إرشاد كما أنه ليس أكبر القيادات سنًا.
من سيتولى أمانة التنظيم الدولي؟
كان إبراهيم منير يشغل منصبين، الأول هو القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، والثاني هو أمين التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبالنظر إلى الأسماء المرشحة لتولي منصب القائم بأعمال المرشد بدلًا من منير، فمن المرجح أن يتم الفصل بين المنصبين والبحث عن شخص لمنصب أمين التنظيم الدولي، وذلك بالنظر إلى أنهم لا يمتلكون علاقات على المستوى الدولي كما كان منير يمتلك.
وتعتقد ورقة صادرة عن مركز “ترندز” أنّ أبرز الأسماء المرشحة لتولي منصب الأمين العام للتنظيم الدولي، محمود الإبياري الأمين المساعد للتنظيم الدولي، وإبراهيم الزيات المصري الألماني الملقب بوزير مالية الإخوان وأحد أبرز قيادات الإخوان بأوروبا، وخاصة في ألمانيا، والذي من شأنه أن يحاول المساهمة في تقليص انقسامات الجماعة. وإذا ما نظرنا للتطورات الأخيرة في ألمانيا، وتشديد الخناق على الإخوان المسلمين، فإنه من الممكن أن يعيق ذلك تولي الزيات وتكون الفرصة أكبر للإبياري، وخاصة أنه شغل منصب الأمين المساعد للتنظيم الدولي.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا