فيروس كورونا أو “كوفيد-19″، بات تهديداً جديّاً لكل حكومات العالم، من حيث قدرتها على الحفاظ على الأمن الاجتماعي، والصحي من جهة، ومدى ثقة الشعب بهم، خاصة بعد أن علت أصوات تتهم حكومات أوروبية بالتقصير في تحذير المواطنيين من الوباء القاتل الزاحف من الصين، كما يحدث في فرنسا.
لكن الفيروس الذي بات “وباء عالمي قابل للسيطرة” بحسب منظمة الصحة العالمية، أعلى مؤسسة صحية عالمية تعمل باتساق وعن قرب مع القطاعات الصحي في كل دول العالم تقريباً، انتشر في غالبية دول العالم وفي كل القارات، محدثاً هدوءً عالمياً، حيث فرضت كل دول العالم حجراً صحياً، وحظر تجوال على سكانها تتفاوت حدته بحسب قوة الوباء في كل دولة.
ذروة الفيروس وانتشاره
على الرغم من اجتياح الفيروس لكل دول العالم، وتسجيل وفيات بهذا الفيروس القاتل الذي لا يتجاوز قطره النصف ميلمتر، فإن بعض النظريات تشير إلى أنّ هذا الاجتياح، والانحسار الذي تبعه في بعض الدول كالصين، ما هو إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة الكبرى، وهناك يكمن الخطر.
تقر المديرة العامة لوكالة الصحة العامة الفرنسية “جنفياف شين” بأن “الوقت ما زال مبكرا جدا لتأكيد أي أمر كان حول ديناميكية الوباء”.
وتقول استنادا إلى تجارب الصين وكوريا الجنوبية، أول بلدين طاولهما الوباء، “نرى أن الديناميكية تجري على مرحلة شهرين إلى ثلاثة أشهر مع تسجيل انعكاس في الذروة إثر تدابير بالغة الشدة بين الشهرين الأول والثاني”، وبناء على ذلك، فمن المتوقع أن تشهد فرنسا انحسارا للوباء في شهر أبار القادم.
لكن اختصاصي علم الأوبئة والصحة العامة “أنطوان فلاهو” تساءل إن لم يكن هذا الهدوء الذي يسبق عاصفة جديدة.
وكتب في مجلة “ذي لانسيت” الطبية البريطانية “هل يعقل أن تكون الصين شهدت مجرد موجة منذرة وأن تكون الموجة الكبرى قادمة؟”.
ولفهم تعقيدات مسار انتشار الأوبئة، لا بدّ من العودة إلى المرحلة التي تلت مباشرة الحرب العالمية الأولى، حيت اجتاحت الإنفلونزا “الإسبانية” العالم على ثلاث موجات، متسببة بمجزرة فاقت ويلات المعارك إذ أودت بحوالي 50 مليون شخص، قبل أن تزول.
ما الذي جعل تلك “الإنفلونزا الكبرى” تتبدد؟ سؤال يلاحق علماء الرياضيات، ومنهم الإسكتلنديان “ويليام أوجيلفي كيرماك” و”أندرسون غراي ماكندريك” اللذان يعملان على وضع نماذج رياضية تسمح بفهم تطور الوباء.
وشرح “فلاهون” الذي يدير معهد الصحة العالمية في جامعة جنيف في سويسرا أن العالمين وجدا أن أي وباء لا يزول “بزوال المقاتلين”، أي أن “العامل المعدي” لا يزول في نهاية المطاف مع المرضى الذين يقضي عليهم، بل باكتساب الناس مناعة جماعية تعرف بـ”مناعة القطيع”.
وأوضح لوكالة فرانس برس أن “المناعة الجماعية هي نسبة الأشخاص المحصنين ضد الفيروس (سواء بالحقن أو التلقيح حين يكون اللقاح متوافرا) الواجب بلوغها لإزالة أي خطر بعودة الوباء إلى الظهور”.
وتتوقف هذه النسبة على سهولة انتقال الفيروس من شخص مصاب إلى شخص سليم. ونظريا، كلما كان المرض معديا، ارتفعت نسبة الأشخاص المحصنين ضده الواجب بلوغها لوقف انتشاره.
ووفق حسابات “فلاهو”، “ينبغي أن يُصاب ما بين 50 و66 في المئة من الناس (بفيروس كورونا المستجد) وأن يكتسبوا مناعة ضده حتى يزول الوباء العالمي”.
لكن مستوى انتقال العدوى يتبدل مع الوقت، بحسب التدابير الصحية المتخذة من حجر صحي وإقامة حواجز وحجر منزلي، كما أنه قد يتأثر بعوامل الطقس، وإذا تدنى مستوى انتقال العدوى عن درجة 1، ما يعني أن كل مريض يعدي بالمعدل أقل من شخص، “عندها يتوقف الوباء” بحسب فلاهو.
لكن ما هي مناعة القطيع التي يتحدث عنها العلماء؟
تصف مناعة القطيع، النقطة التي يكون فيها عدد كافٍ من الناس محصنين ضد المرض، سواء من خلال التطعيم أو العدوى.
ووفق تقرير لموقع “ساوث تينا مورنينغ”، قالت “أزرا غاني” خبيرة الأمراض المعدية في إمبريال كوليدج لندن: “كنا نتوقع بناء مناعة القطيع. ونحن ندرك الآن أن من غير الممكن التعامل مع ذلك”.
بعد التعافي من مرض معد، غالباً ما “يتذكر” جهاز المناعة في الجسم، الفيروس، حتى يتمكن من محاربته في المستقبل. وتعمل اللقاحات وفق المبدأ نفسه، من خلال إدخال جزيئات من يكتيريا أو فيروس إلى أجسامنا، تاركة لجهاز المناعة لدينا، ذاكرة للمرض، من دون أن نمرض فعليًا.
تصدر مفهوم “مناعة القطيع” الواجهة من جديد بعد إعلان بريطانيا عن استراتيجيتها لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد في البلاد، والتي بدت أنها تهدف إلى دفع البريطانيين إلى اكتساب مناعة جماعية ضد الفيروس.
وكان رئيس الوزراء البريطاني “بورس جونسون” أعلن سابقاً، أن الحكومة ستسعى لإبطاء انتشار الفيروس الذي يسبب المرض، بدلا من وقفه، كجزء من استراتيجية التخفيف، التي تفترض أن ما يصل إلى 80 في المئة من الناس سوف يصابون بالعدوى قبل أن يصبحوا محصنين ضد الفيروس مستقبلاً.
غير أن الحكومة البريطانية تراجعت عن ذلك، بعد تحذير علماء من أن هذا النهج قد يغرق النظام الصحي في البلاد، كما حصل في إيطاليا، ما قد يؤدي إلى وفاة 250 ألف شخص.
وعلى الرغم من أن العلماء يواصلون دراسة الفيروس الحالي، فإنه لا يعتبر معديا بنفس نسبة الحصبة على سبيل المثال، إذ يقدر الخبراء أن حوالي 60-70 في المئة من السكان سيحتاجون إلى الإصابة به من أجل تطوير مناعة لوقف انتشاره.
ويعتقد العديد من الخبراء أن معظم الناس في جميع أنحاء العالم سيصابون في نهاية المطاف بالفيروس، ما لم يتم تطوير لقاح أولا، وهي عملية من المتوقع أن تستغرق ما لا يقل عن 12-18 شهرا. وعند هذه النقطة، فإن مناعة القطيع سوف تكون من الآثار الجانبية الإيجابية المحتملة، على الرغم من أن ملايين سيموتون من أجل تحقيق ذلك.
وعلى الرغم من أن العلماء قدموا تقديرات لمعدلات العدوى، التي ستكون ضرورية لتحقيق مناعة القطيع، فإننا لا نعرف ما إذا كان هذا الفيروس سيسير بنفس الطريقة التي سارت بها فيروسات أخرى.
وقال “جيريمي روسمان”، وهو محاضر فخري كبير في علم الفيروسات في جامعة كينت، إن “من غير المؤكد أن حصانة القطيع ممكنة في حالة فيروس كورونا”.
وأضاف “روسمان”: “هناك احتمال آخر، هو تطور الفيروس، إذ تميل الفيروسات عادة إلى التطور، ما يجعلنا نبدأ من جديد”.
وهناك مخاوف من أن يعود الفيروس أكثر شراسة العام القادم، كما حدث مع جائحة الإنفلونزا الإسبانية، التي اختفت في أشهر الصيف لتعود في الخريف والشتاء وتقتل عددا أكبر من السابق.