تشتد الأزمة المالية اللبنانية مع مرور الوقت، خاصةً مع غياب الحلول السياسي وعدم وجود ملامح لتشكيل حكومة جديدة في البلاد، على الرغم من مرور نحو عام على كارثة انفجر مرفأ بيروت واستقالة حكومة “حسان دياب”.
يقول الناشط البناني، “إبراهيم نايل” لمرصد مينا: “الأزمة اليوم لم تعد فقط أزمة بطالة أو فقدان لسلع أساسية بقدر ما باتت تمثل تهديداً وجودياً للعائلة اللبنانية، خاصة وأن العديد من الأسر باتت عاجزة عن تأمين أبسط مستلزمات الحياة”، محذراً من انفجار مجتمعي وشيك يصيب لبنان قريباً.
بلا منازل ولاجئون في بلدهم
حجم الكارثة المقبلة وبحسب ما يقوله “نايل” بدأ باكتشاف منذ مطلع العام الجاري، مع عجز مئات الأسر عن دفع الإيجارات الشهرية لمنازلهم، مشيراً إلى انه يعمل في مجال تأجير الشقق السكنية في ثلاث ابنية تابعة له موزعة بين العاصمة بيروت والجنوب اللبناني.
كما يوضح “نايل”: “منذ مطلع العام الجاري بدأت بعض الأسر بالتأخر في دفع المستحقات المالية الشهرية، ولكن مع مرور الوقت بدأ عدد تلك الأسر بالارتفاع وبدأت فترة العجز تتزايد من أيام إلى أشهر”، مبيناً أنه لو توجه إلى القضاء لأصبحت أكثر من 15 أسرة في الشارع بلا مأوى.
إلى جانب ذلك، يشير “نايل” إلى أنه لم يتجه إلى القضاء لأنه يدرك أن الأسر لن تتمكن من دفع أي مبالغ، وأن إخراجهم من تلك المنازل لن يحل الأزمة وإنما قد يدفعهم باتجاه كارثة إنسانية، مبدياً قلقه في ذات الوقت، من احتمالية طول أمد الأزمة وعدم تمكنه من الحصول على أمواله.
ويلخص “نايل” حجم الكارثة المحتملة في لبنان بالنسبة للسكن، بالتأكيد على أن اللبنانيين سيتحولون إلى لاجئين في بلادهم نتيجة عدم وجود مساكن لهم وافتراشهم الطرقات، لافتاً إلى أنه في حال عدم حل الأزمة اللبنانية المالية فإن الحكومة قد تجد نفسها مضطرة لإنشاء مخيمات للبنانيين على الأراضي اللبنانية.
تعليقاً على تصريحات “نايل”، يرى المحلل الاقتصادي، “فادي برهوم” أن الأمورفي لبنان تتجه إلى ما هو أسوأ مما قاله “نايل”، معتبراً أن الأزمة اللبنانية قد تصل إلى حالة شبيهة بما كانت عليه فرنسا قبيل اندلاع الثورة 1788، لا سيما وأن الجوع قد يتطور إلى مرحلة المجاعة.
في ذات السياق، يشير برهوم إلى أنه في تلك الحالة ستتكرر سيناريوهات الثورة الفرنسية بكامل تفاصيلها نتيجة تشابه الظروف، ما يعني أن الشعب بدوره قد يلجأ إلى العنف والسلاح لمواجهة النظام السياسي القائم، الأمر الذي سيغرق البلاد بالدم، متهماً الطبقة السياسية بالمسؤولية الكاملة عن كل ما يحدث.
يشار إلى أن الدولار سجل رقما قياسيا جديدا السبت، أمام الليرة اللبنانية في السوق السوداء متجاوزا عتبة الـ17 ألف ليرة لبنانية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ لبنان.
طبقات ملغية والنبلاء يعودون إلى لبنان
لفهم الحالة اللبنانية أكثر، يقول “برهوم”: “الحقيقة أن لبنان لم يعد يمتلك الطبقة الاجتماعية الوسطى وواقع الحال أن في البلاد طبقة سياسية ومتنفعين تملك كل شيء وشعب لا يملك أي شيء، فبنظرة واسعة على رؤوس الأموال في لبنان، فإن الكم الأكبر منها يتركز بيد السياسيين ومن يدور في فيلكهم”، معتبراً أن الطبقة السياسية عموماً دفعت باتجاه إعادة مفهوم طبقة النبلاء الأغنياء إلى لبنان وطبيقة العبيد.
إلى جانب ذلك، يتساءل “برهوم”: “إلى متى سيحتمل اللبنانيون الأزمة التي يمرون بها، تحت مسميات الولاءات الطائفية والخوف من الآخر أو الإقصاء، وحتى التمسك بالسياسيين الفاسدين تحت مبدأ نظام الطائف”، مشيراً إلى ان اشتداد الأزمة سيسقط كل تلك المفاهيم في لحظة معينة ويدفع بالشارع إلى الانفجار.
يذكر أن لبنان شهد في تشرين الأول عام 2019، انتفاضة شعبية كبيرة؛ احتجاجاً على الظروف المعيشية الصعبة، والتي شارك بها ناشطون من مختلف المدن اللبنانية، والتي لا تزال أنشطتها مستمرة حتى اليوم من خلال الإضرابات والاحتجاجات.
وكان وزير الخارجية الفرنسي، “جان إيف لودريان”، قد أعلن الجمعة، عن تحركات فرنسية أمريكية مشتركة، في محاولة للضغط على المسؤولين عن الأزمة التي يغرق فيها لبنان منذ أشهر، مضيفاً في مؤتمر صحفي مع نظيره الأميركي “أنتوني بلينكن” في باريس “إننا نلاحظ معا المأساة التي يمكن أن تحصل في حال تفتت هذا البلد أو زال، قررنا أن نتحرك معا للضغط على المسؤولين. نحن نعرف من هم”.
تأييد ومبايعة بقوة السلاح
على اعتبار أن طيف كبير من اللبنانين يحملون ميليشيات حزب الله مسؤولية ما يحدث في البلاد، يشير المحلل السياسي “ميشال بوصعب” إلى أن هناك مغلطات في القضية اللبنانية وأولها أن الحاضنة الشعبية لحزب الله لا تزال متمسكة به، لافتاً إلى حاضنة الحزب تعاني كما هو حال اللبنانيين الباقين.
كما يلفت “بوصعب” إلى أن الحزب لا يزال محتظفاً بشعبيته تحت تهديد سلاح عناصره والقمع الأمني، موضحاً أنه في حال لم يكن السلاح موجود لكان شيعة لبنان أول من خرج في المظاهرات اللبنانية.
ويرى “بوصعب” أن شيعة لبنان هم أكثر الفئات المتضررة من سياسات الحزب كونهم يعانون من الأزمة وفي ذات الوقت يتحملون مسؤولية أفعاله، منوهاً إلى أن الضاحية الجنوبية، التي تعتبر معقل الحزب، كانت قد شهدت عدة تحركات احتجاجية بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، والتي قمعها عناصر الحزب بقوة السلاح والإخفاء القسري.