مرصد مينا – لبنان
”لا يبحثون عن الإصلاح وإنما عن المذنب”، بهذه العبارة تتناول الباحثة في أكاديمية العلوم الروسية، “سفيتلانا بابنيكوفا” خطة الإصلاح الاقتصادي للحكومة اللبنانية، حيث تشير إلى أن الحديث في لبنان كان قد جرى حول بعض الخطط والبرامج لإنقاذ الدولة وإعادة هيكلة الديون، إلا أن ما يجري في النهاية هو البحث عن إجابة لسؤال: “من المذنب، فيما آلت إليه الأمور”، محذرة من ثورة جياع قد تضرب لبنان.
توصيفات الباحثة الروسية وتوقعاتها، ارتبطت بأحداث على الأرض اللبنانية خلال الأيام القليلة الماضية، تجسدت بالمظاهرات، التي تحدى بها اللبنانيون حظر التحول، المفروض بسبب وباء كورونا، ونزلوا إلى الشوارع رفضاً للأوضاع المعيشية السيئة والحالة الاقتصادية المتردية في بلادهم، والتي تخللها صدامات مع الأمن وإحراق عدد من المصارف.
هنا أيضاً تظهر إمكانية اندلاع ثورة الجياع في لبنان، بحديث الأكاديمي والخبير الاقتصادي، “جاد شعبان”، الذي يؤكد أن دائرة الغضب في لبنان تكبر وقد تتضاعف في المستقبل القريب مع تصاعد أعداد الناس الذين يعانون من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، مضيفاً: “التحركات والاحتجاجات التي نشاهدها اليوم ستتضاعف مستقبلاً وهي بالتأكيد ستشمل أيضاً مواطنين لم يشاركوا في تحركات ثورة تشرين الأول، بعدما تفاقم الوضع وباتت المعاناة واحدة في كل منطقة من لبنان”.
خطة إصلاح اقتصادي أم انهيار مستعجل
تتركز الأزمة اللبنانية الحالية في عنوان رئيسي هو “خطة الإصلاح الاقتصادي الحكومية”، التي تواجه رفضاً قاطعاً من قبل بعض التيارات الاقتصادية قبل نظيرتها السياسية، حيث ترفض جمعية مصارف لبنان الخطة، مناشدةً البرلمان بعدم التصويت عليها أو تمريرها.
كما ترى الجمعية أنه لا يمكن إصلاح الاقتصاد دون معالجة الضغوط التضخمية، وأن الخطة الحالية تؤدي عملياً إلى تضخم مرتفع جداً كما أنها تمس بالملكية الفردية، لافتةً إلى أنها ستقدم قريباً خطة كفيلة بالمساهمة في تخفيف الركود وتمهيد الطريق لنمو مستدام.
وتقوم الخطة الاقتصادية لحكومة “حسان دياب” على نقاط أساسية أبرزها: إلغاء ربط الليرة وإعادة هيكلة كل من الديون والنظام المالي، إلى جانب رشيد الإنفاق الحكومي وتحسين وضع الامتثال الضريبي، العمل على توفير المساعدات المالية الدولية
الانتقادات للخطة السابقة امتدت أيضاً إلى خبراء الاقتصاد، فيشير أستاذ الاقتصاد، “جاسم عجاقة”، إلى أن الخطة بشكلها وظروفها الحاليين ليست إلا توجه لتجويع الشعب اللبناني، فهدفها هو تخفيض سعر صرف الليرة أمام الدولار، ما يعني أن خطة الإصلاح ستسقط حكماً، كونها تأتي في ظل انفكاك حركة الموانئ ودخول بضائع مهربة، مشيراً إلى أن الحكومة أغفلت بشكل كامل ضرورة تأمين المناخ الازم لفرض مثل تلك الخطوة كتشديد الرقابة الجمركية، والعمل على تقوية الصناعة والزراعة المحلية ودعمها، واصفاً الخطة بشكلها وظروفها الحاليين بأنها مجرد توجه لتجويع الشعب.
الحديث عن الآثار السلبية للخطة الاقتصادية الحكومية بحسب رأي المحلل السياسي، “طوني أبي نجم”، لم يقتصر على الشعب وإنما شملت جوانب لنهب رأسمال المصارف وأموال المودعين، مؤكداً أن تطبيقها سيكون كارثة أكبر في لبنان عن ما هو عليه اليوم.
لا قروض لخطة تدميرية
أكثر ما كان لافتاً في الانتقادات الموجهة لخطة حكومة “حسان دياب”، التي تقدم نفسها كحكومة أزمة، أنها كانت عابرة للحدود والقارات، بعد أن لاقت انتقادات فرنسية، فتصف مصادر فرنسية الخطة بأنها أقرب الى الخطة التدميرية للاقتصاد اللبناني، مشددةً على أن البنك الدولي ليس مؤسسة خيرية حتى يمنح القروض بدون ضمانات أو خطط إصلاحية واضحة.
كما تشير المصادر الفرنسية في تصريحات صحافية إلى أن منح البنك الدولي قروضاً للحكومة اللبنانية على أساس الخطة المطروحة، يعني مساهمة عملية في تخريب الاقتصاد اللبناني وضرب القطاع المصرفي وسلب أموال المودعين، وأصحاب المصارف على طريقة النظام الشيوعي، وهو ما يعتبر أمر مستحيل أن تقبل إدارة البنك المشاركة به، على حد وصف المصادر.
أزمة لبنان الاقتصادية، تتجلى بالحاجة لـ 80 مليار دولار وانخفاض مؤشرات النمو، بالإضافة إلى الهبوط الحاد في قيمة العملة الوطنية، حيث وصل سعر الدولار إلى 4200 ليرة لبنانية في السوق السوداء، ما تسبب خلال الأيام الماضية بارتفاع أسعار المواد الغذائية بنحو يقدر من 60 إلى 70 بالمئة.
في هذا السياق، يعتبر أستاذ العلاقات السياسية اللبناني، “خطار أبو دياب”، أن مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي ليست مؤكدة النجاح، وبالتالي لا يمكن التعويل عليها، واصفاً ما تقوم به حكومة “حسان دياب” بأنه مجرد مضيعة للوقت يدفع ثمنها اللبنانيون.
ووفق لتقديرات البنك الدولي فإن نحو 55 بالمئة من الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفق، وهنا يكشف الباحث الاقتصادي، “جاسم عجاقة” أن غالبية العائلات تعيش خبزها كفاف يومهاوأن الانحدار إلى هاوية الفقر متواصل.
أكبر مشاكل لبنان الفعلية، وبحسب الأوساطالمعارضة لسياسية الحكومة تكمن في حالة إنكار الواقع وسياسة القفز إلى الأمام، التي يتبعها رئيس الحكومة وداعميه السياسيين، حيث يرى “دياب” في آخر تصريحات له حول الأزمة، بأن ما تشهده الساحة اللبنانية تقف خلفها جهات “مشبوهة” لم يسمها، وأن تلك الجهات تحاول استغلال الظروف لفرض رؤية سياسية معينة، وهو ما تراه المعارضة محاولةً لتشتيت الأزمة وتفريعها.
أما الجانب الآخر من الأزمة من وجهة نظر المعارضة فتكمن في تحدي السلطة الحاكمة لإرادة الشعب اللبناني ورفضها لسماع صوته في الشارع، وتعنتها لتطبيق رؤيتها رغم كل التحذيرات، وهذا النهج بدا واضحا في كلمة الرئيس اللبناني ”ميشال عون”، التي أكد خلالها أن الحكومة مصرة وبشدة على تنفيذ خطة الانقاذ التي وضعتها لمعالجة الوضع الاقتصادي، لافتاً إلى بعض القوى السياسية التي لا يهمها إنقاذ الوضع بل تسجيل نقاط سياسية لصالحها، في إشارةٍ إلى تيار المستقبل وحزبي القوات اللبنانية والإشتراكي الديمقرطي.
ويعتبر كل من حزب الله المدعوم من إيران والتيار الوطني الحر بزعامة “جبران باسيل” وحركة أمل بزعامة “نبيه بري”، من أبرز الداعمين لحكومة “حسان دياب”، التي يصفها اللبنانيون بحكومة اللون الواحد أو حكومة “حزب الله”.
أكبر الصامتين وأكبر الرابحين
اللافت أكثر في كل ما يشهده لبنان اليوم، هو صمت حزب الله، الحليف الأكبر وربما المشكل الأكبر لحكومة “دياب”، عن كل ما يحدث، ما دفع باتجاه الاعتقاد بأن الحزب هو المستفيد الأكبر، خاصةً وأن الازمة الحالية تساعده على تعزيز سيطرته على على اقتصاد البلاد بشكل عام، بحسب ما تظهره دراسة أعدها قسم الدراسات الاقتصادية في مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعنوان “مشروع حزب الله للسيطرة على الاقتصاد والقطاع المصرفي اللبناني.
تشير الدراسة إلى أن مخطط حزب الله للمرحلة المقبلة يقوم على تعطيل النظام المصرفي اللبناني باعتباره محركاً للاقتصاد بعدما تعذر عليه إخضاع حاكم مصرف لبنان “رياض سلامه” لشروطه، إلى جانب السعي لاستبدال دور النظام المصرفي اللبناني في دورة الاقتصاد الوطني اللبناني بالاقتصاد النقدي بحيث يتمكن الحزب من خلال ذلك من الإمساك بمفاصل الدورة الاقتصادية اللبنانية استيراداً وتجارة، وبالتالي تحكماً بالكتلة النقدية الموجودة بين أيدي اللبنانيين بعدما سُحبت من المصارف على مدى الأشهر القليلة الماضية، تحت وطأة الخوف على سعر صرف الليرة من جهة وعلى مصير الودائع في المصارف من جهة أخرى.
كما توضح الدراسة أن حزب الله يحاول الالتفاف على العقوبات الأميركية من خلال التفلّت من رقابة القوانين والنظام المصرفي اللبناني، والتحكم بقسم من التجارة الخارجية عن طريق التهريب، وبالأسواق الداخلية عن طريق المضاربات بالبضائع السورية والعراقية والإيرانية والتركية المهربة، حيث تشرح الدراسة خطة حزب الله بأن تعطيل النظام المصرفي اللبناني يؤدي الى تعطيل العمليات التجارية التقليدية القائمة على فتح الاعتمادات والتحويلات بهدف الاستيراد علماً ان لبنان يستورد بما قيمته حوالى عشرين مليار دولار سنوياً، كما يسعى حزب الله ليكون بديلاً عن المنظومة التجارية التقليدية على اعتبار أن تعطيل المنظومة التقليدية القائمة على الاستيراد من خلال النظام المصرفي سيفقد الأسواق اللبنانية الكثير من السلع الاستهلاكية مما يفتح أمام الحزب باب التهريب على مصراعيه لتأمين حاجات الأسواق اللبنانية.
أما عن الأهداف الاستراتيجية التي سيحققها الحزب من خلال تلك العمليات تكمن وفقاً للدراسة في قدرته على تمويل نفسه من خلال الاستفادة من سيطرته على الحدود البرية والمرافق البحرية والجوية الشرعية وغير الشرعية لإدخال البضائع وبيعها والاستفادة من ارباحها، إلى جانب الثاني تأمين الأسواق للمنتجات السورية والإيرانية وللشركات والتجار الدائرين في فلك الحزب والذين يعتبرون جزءا من منظومته المالية.