في إيران، يعاني الناس من العزل والتمييز والسجن بتهمة “التغرب”، لمجرد رغبتهم في حياة تتماشى مع الديمقراطية الغربية والقيم الغربية. أولئك الذين ينجحون في الهروب من هذا القمع يتحولون إلى لاجئين. وعند وصولهم إلى الغرب، يجدون أنفسهم مجبرين، خاصة أمام التيارات اليمينية وأحيانًا حتى أمام تيارات الوسط، على تبرير أنفسهم والتأكيد بأنهم ليسوا متطرفين دينيين. يتعين عليهم أن يثبتوا، باستمرار، إيمانهم بالديمقراطية والمساواة والقيم الغربية – أحيانًا بجهد أكبر من بعض مواطني الدول الغربية. ولكن، بدلاً من أن يعيش اللاجئ هذه القيم المزعومة، يواجه في أغلب الأحيان التمييز، العنصرية، والإقصاء بشكل يومي.
بعد الهجوم الإسلاموي في زولينغن بألمانيا، تسارع السياسيون إلى تقديم مقترحات قد تبدو عملاً براغماتيًا لكنها في جوهرها مخالفة للدستور. وكما هو متوقع، برزت الأصوات المعهودة، مثل زعيم الحزب المحافظ فريدريش ميرتس وزعيمة اليمين المتطرف أليس فيدل، الذين دعوا إلى وقف استقبال اللاجئين من سوريا وأفغانستان، أو حتى إيقاف الهجرة بشكل عام، مدعين أن ذلك هو الحل للأزمة.
قد تكون هناك حاجة فعلية لإصلاح قوانين الهجرة واللجوء، ولكن تحويل جميع أفراد المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة إلى “مشتبهين بالإرهاب” هو أمر مرفوض. عند الرجوع إلى الديموغرافيين، يشيرون إلى أن هناك مليار ونصف مسلم حول العالم، إلا أن هذا الرقم ليس دقيقًا جدًا. إذ يحتوي الشرق الأوسط على الكثير من الملحدين وغير المتدينين، خاصة في دول مثل إيران، العراق، أفغانستان، وسوريا، والذين لا يتم إحصاؤهم بشكل صحيح. ومع ذلك، عندما يأتي لاجئ من دولة “مسلمة”، يُفترض تلقائيًا أنه مسلم. وفي عقلية التيارات اليمينية في أوروبا، هذه الفرضية تعني أنه ربما يكون إرهابيًا.
وعلى الجانب الآخر، عندما يتحدث المرء إلى التيارات اليسارية، قد يتم تصنيفه بسرعة على أنه عنصري معادٍ للإسلام إذا ما انتقد التطرف الإسلاموي. اليسار، في أحيان كثيرة، يعجز عن الفصل بين الإسلام كدين وبين الإسلاموية كتطرف سياسي، ويميل إلى عدم توجيه النقد خشية اتهامه بالعنصرية، حتى في وجه الهجمات الإرهابية. فكرة أن المسلمين قد ينأون بأنفسهم عن الدين أو ينتقدونه تبدو غريبة على الكثيرين من اليساريين، الذين يرون أن الإسلام جزء لا يتجزأ من الهوية الشخصية، وهو ما يشابه افتراض اليمين بأن المسلمين يولدون كإرهابيين بشكل جيني. هاتان النظرتان تحملان قدرًا من العنصرية، حيث يترك اليسار المجال مفتوحًا لنقد الإسلاموية للمحافظين واليمين، الذين يقدمون أنفسهم كمدافعين عن “الغرب المسيحي”، رغم أن فهمهم للإسلام والمسيحية على حد سواء غالبًا ما يكون سطحيًا.
في هذه الأجواء المضطربة، بين إخفاقات السياسة، العنصرية، وكراهية الأجانب من اليمين، وعجز اليسار عن النقد الموضوعي، يجد الإسلاميون بيئة خصبة لصيدهم. لقد أظهروا مهارة فائقة في استغلال هذا الوضع. على مدار سنوات طويلة، استغلت جماعات الإسلام السياسي والمنظمات الإرهابية مثل داعش التهميش والاستبعاد لتجنيد الشباب وتوجيههم نحو التطرف. ورغم أن المسلمين في أوروبا يتمتعون بحقوق وحريات تفوق تلك الموجودة في الدول الإسلامية، فإن الإسلاميين يروجون لرواية مغايرة: أنك تتعرض للتمييز ليس لأنك مهاجر، بل لأنك مسلم. هذه الرواية التي تصور الغرب على أنه عدو للإسلام والمسلمين، يتم الترويج لها بشكل متكرر حتى تترسخ في العقول. وفي الوقت نفسه، يقدم الإسلاميون أنفسهم على أنهم المنقذون، وأنك شخص مميز — “رجل حقيقي”، مسلم متفوق على الكفار الذين يهمشونك يوميًا. ورغم أن هذا السرد لا يبرر العنف بأي حال من الأحوال، إلا أنه يجعل العديد من الشباب الضعفاء عرضة لهذا التلاعب النفسي.
تكمن فعالية الدعاية الإسلاموية في وجود مشاكل حقيقية على الأرض تجعل الناس عرضة للتجنيد من قبل متطرفين يستخدمون التناقضات الموجودة في المجتمعات الأوروبية كسلاح. هؤلاء المتطرفون المنافقون يتبنون خطاب الانتقام من أجل المسلمين الذين قُتلوا في غزة أو العراق، رغم أن أيديهم ملطخة بدماء المسلمين أكثر من غيرهم. ألم تكن داعش هي التي قتلت ليس فقط الإيزيديين والمسيحيين، بل أيضًا المسلمين الشيعة في العراق؟ ألا يستمر النظام الإيراني في قتل المسلمين البلوش داخل حدوده، بينما يدّعي الانتقام للفلسطينيين؟ ألا يعاني المسلمون الإيغور من الإبادة الجماعية في الصين، دون أن ترفع “دولة إسلامية” واحدة صوتها ضد بكين؟ الصين، في الوقت نفسه، تحتفظ بعلاقات قوية مع إيران وطالبان.
ما يميز الإسلاميين هو ازدواجية المعايير الواضحة وعداؤهم للديمقراطية وفكرة أوروبا الحرة. ولا شك أن أوروبا يجب أن تحمي نفسها، لكن هل وقف الهجرة واللجوء من الدول ذات الأغلبية المسلمة يقدم حلاً فعليًا؟ كيف يمكن أن يمنع وقف الهجرة تطرف الشباب الذين نشأوا هنا، مثل منفذ الهجوم في فيينا الذي قتل أربعة أشخاص في نوفمبر 2020، أو الرجل الذي اعتقل مؤخرًا بتهمة التخطيط لهجوم في حفل تايلور سويفت؟ ما الذي سيحققه منع الهجرة في وجه “المحاربين المقدسين” الذين تربوا في أوروبا ويحاولون إعلان الخلافة على أراضيها، كما حدث في هامبورغ قبل بضعة أشهر؟
وإذا كنا نسعى فعليًا لمحاربة الإسلام السياسي والإرهاب الإسلاموي، فهل يكون الحل في التعاون مع طالبان أو الأنظمة المستبدة لترحيل بعض الأفراد؟ الأموال والاعترافات التي ستحصل عليها هذه الأنظمة من الغرب ستعزز من سلطتها وتؤدي في النهاية إلى خلق المزيد من اللاجئين على المدى البعيد. أوروبا بحاجة إلى نهج أوسع وأكثر شمولية: سياسات اجتماعية واقتصادية تعزز الاندماج السياسي الحقيقي وتمنح الأفراد الشعور بالانتماء إلى الديمقراطية. يجب توفير الدعم النفسي والاجتماعي، وتوسيع نطاق العمل الوقائي، مع التركيز على النماذج العلمانية والليبرالية التي توفر الاستقرار. ومن الأهمية بمكان أن يكون هناك عدم تسامح مطلق مع جميع أشكال التطرف العنيف، سواء كان الإسلاموي أو اليميني المتطرف، لحماية أوروبا الحرة.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.