دعا مسؤول كبير بالأمم المتحدة في لبنان، اليوم الثلاثاء، إلى تشكيل حكومة جديدة بشكل سريع، وكذلك دعاهم إلى ضم شخصيات معروفة بالكفاءة، وقال يان كوبيش المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان في بيان بعد لقائه بالرئيس ميشال عون: “الوضع المالي والاقتصادي حرج والحكومة والسلطات الأخرى لا يمكنها الانتظار أكثر من ذلك لمعالجته”، كما حث كوبيش السلطات على أن تعطي الأولوية للاستقرار النقدي والمالي، بما في ذلك اتخاذ إجراءات لإعطاء الشعب اللبناني الثقة وحماية مدخراته، كما رأى المسؤول الأممي أن مثل هذه الحكومة ستكون في وضع أفضل لطلب المساعدات الدولية.
ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر- تشرين الأول الجاري، احتجاجات شعبية واسعة ومستمرة تطالب بإجراء انتخابات مبكرة، وإلغاء نظام المحاصصة الطائفية في السياسة، ما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري.
في عددها الصادر يوم 21 أكتوبر الجاري، تناولت صحيفة “نويه تسورخر تسايتوتغ” السويسرية، حزمة الإصلاحات الشاملة، التي أقرتها الحكومة اللبنانية من أجل استعادة ثقة الشارع بعد موجة الاحتجاجات الواسعة على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، لكنها رأت أنها قد لا تكفي لامتصاص غضب المواطن، لأن النخبة فاحشة الثراء يتعين عليها تقديم تضحيات أكبر بكثير.
وعلى عكس الدول الصناعية الغربية، فإن الثروة والدخل في لبنان أكثر تركيزًا. فقد كتبت الخبيرة الاقتصادية “ليديا أسعاد” في دراسة نُشرت العام الماضي أن ” 0.1 في المائة من اللبنانيين، أي حوالي 3000 شخص، يكسبون نفس النسبة المئوية البالغة 50%، التي يكسبها 1.5 مليون شخص. وعندما يتعلق الأمر بملكية العقارات، فإن الوضع مماثل: حيث يملك 10% من السكان 70 % من الأصول.
جبال من الديون
لبنان يرزح أيضا تحت جبل من الديون البالغ قيمتها 85 مليار دولار أي ما يعادل أكثر من 151 في المئة من الناتج القومي الإجمالي. وتبلغ نسبة الفائدة على الدين 40 في المائة من إيرادات الدولة. وقد حاولت النخبة السياسية القيام بمناورة لمواجهة أزمة الديون عبر اتخاذ تدابير تقشفية وفرض زيادات ضريبية تستهدف الطبقة الوسطى والدنيا بالأساس، ما أثار موجة احتجاجات حاشدة.
مراسل الصحيفة السويسرية شكك في نجاعة هذه الإجراءات لمواجهة تضخم الديون ولفت إلى أن مشكلة لبنان ليست العبء الضريبي من حيث المبدأ، بل التوزيع الضريبي.
فالرسوم الضريبية تعادل فقط حوالي 15٪ فقط من إجمالي الناتج الاقتصادي. في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تبلغ هذه القيمة في المتوسط 35 في المئة.
في الصيف الماضي، رفعت الحكومة الحد الأقصى لمعدل ضريبة الدخل إلى 25 في المئة، ولكن لا يزال هناك مجال لفرض ضرائب على الدخل الذي يتجاوز 150 ألف دولار. من جهة أخرى تبلغ قيمة الضرائب على أرباح الشركات، حوالي 6 % للشركات متوسطة الحجم، وهو معدل أقل بكثير من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 16 في المائة”.
وأردف، لكن رئيس الوزراء سعد الحريري، مثله مثل السياسيين الآخرين ذوي النفوذ في لبنان، ينتمي إلى نخبة المليارديرات، لذا لم يكن من المتوقع أن يجري إصلاحاً ضريبياً آخر.
وكانت حزمة الإصلاحات التي قدمها نيابة عن حكومته مساء الاثنين 21 أكتوبر الجاري “مزيجا من تدابير التقشف الشعبوية والرسوم الضريبية، بالإضافة إلى تحديث قطاعي الكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية اللذين طالبت بهما أصلاً الجهات الدولية المانحة منذ فترة طويلة. وكان من بين هذه المطالب على سبيل المثال، تخفيض رواتب ومعاشات الوزراء الحاليين والسابقين بنسبة 50 في المائة”.
وأعلن الحريري عن قانون جديد طالب به المتظاهرون لاسترداد الأموال من مختلسي الضرائب. وأخيرا، يتعين على البنوك دفع أكثر من 3 مليارات يورو لتعويض ميزانية 2020.
أزمة ثقة
علق مراقبون ومحللون على الاحتجاجات الأخيرة في لبنان، واستقالة الحكومة، إلى حالة الإضراب العام الذي يعيشها البلاد، حيث يوجد إجماع على وجود أزمة ثقة بين الحكومة والشعب، والتي لطالما أطلقت وعود بالإصلاح آت لم تلتزم بها.
يرى المحلل السياسي اللبناني “أسعد بشارة”، أن البنود الاصلاحية “جيدة جدا”، لكن نقص الثقة لدى الشعب يحول دون الاستجابة لها.
أما الخبيرة الاقتصادية اللبنانية “فيوليت بلعة” ، أكدت أن هذه الإصلاحات كانت ستصبح محل قبول شعبي لو تم طرحها قبل الاحتجاجات الشعبية.
في المقابل، يرى المحلل السياسي والأستاذ الجامعي اللبناني “مكرم رباح”، أن ما قدمته الحكومة ليس له قيمة، وأن الحراك مبرّر لعدم تضمن اقتراحات أي إصلاح سياسي أهمها “اتخاذ موقف موحد تجاه سلاح حزب الله”.
فيما يعتبر مراقبون، أن سعد الحريري رئيس مجلس الوزراء اللبناني “يمرّ اليوم بين الألغام”، مؤكدا في تصريحات لـ”العين الإخبارية” أن الحكومة تعاني من فقدان الثقة في أدائها، إذ إن الرأي العام في لبنان يدرك تماما أن هذه القرارات ستضيع في الخلافات السياسية كما العادة، وبالتالي لن تجد طريقها إلى التنفيذ.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.