تعود الأزمة اللبنانية إلى الساحة الدولية مجدداً، لا سيما من الناحية الإنسانية مع تعمقها وغياب الحل، خاصةً في ظل تواصل عدم عقد الحكومة اللبنانية، برئاسة “نجيب ميقاتي” جلساتها الدورية، ما أثر على المستوى المعيشي والأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد، والتي لا تزال مستمرة منذ ثلاث سنوات تقريباً.
يشار إلى أن لبنان يعاني من ارتفاع معدلات البطالة والفقر بما يتجاوز 55 بالمئة من إجمالي السكان، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى استمرار تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، الذي تجاوز حد 22 ألف ليرة.
من جهته، يحذر الأمين العام للأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيريش”، من استمرار ما وصفه بـ “التدهور الاجتماعي والاقتصادي” في لبنان وما له من أثر كبير على قطاعات الرعاية الصحية والغذاء والماء والكهرباء، بالنسبة لأغلبية متنامية من السكان، لافتاً إلى أن تلك الأزمات المتشابكة تبعث القلق حيال الكثير من القضايا الشائكة في لبنان وفي مقدمتها التحقيق في انفجار ميناء بيروت، لا سيما بعد ما شهدته العاصمة بيروت من اشتباكات وصفها بـ “المميتة” بسبب مسار التحقيقات.
يذكر أن العاصمة بيروت شهدت الشهر الماضي صدامات مسلحة بين عناصر الثنائي الشيعي “أمل – حزب الله” وبين عناصر تابعين لحزب القوات اللبنانية، التابع “لسمير جعجع” خلال مظاهرة نظمها الثنائي الشيعي احتجاجاً على استدعاء مسؤولين فيهما للتحقيق من قبل قاضي التحقيق بملف انفجار مرفأ بيروت.
خطة إصلاح عاجلة ووقف انتشار السلاح
حل الأزمة الراهنة أو التقليل من حدتها وتسارع وتيرتها يتطلب بحسب ما يراه الأمين العام للأمم المتحدة تبني الحكومة اللبنانية خطة إصلاح ملموسة تلبي احتياجات الشعب اللبناني ككل، مشدداً على ضرورة إدانة الاستخدام غير المسموح به للأسلحة خارج نطاق سلطة الدولة.
إلى جانب ذلك، يلفت “غوتيريش” إلى ضرورة رفض كل محاولات ممارسة الضغط السياسي على السلطة القضائية، مطالباً القادة السياسيين في البلاد بأن يمكِّنوا المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدولة من أداء مهامها بكفاءة دون تدخل وفي احترام لسيادة القانون.
يذكر ان ميليشيات حزب الله اللبنانية وحركة أمل قد طالبتا في وقتٍ سابق بإقالة قاضي التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت بعد توجيه اتهامات له بتسييس مجريات التحقيق.
تعليقاً على تصريحات “غوتيريش” وتصاعد الأزمات في لبنان، يقول المحلل السياسي “أحمد عيتاني”: “محاولة الوصول بلبنان إلى نقطة الاستقرار في ظل وجود الحكومة الحالية هو مجرد مضيعة للوقت على اعتبار أن حزب الله وحلفاءه، الذين يعتبرون مشكلة البلاد الأساسية، هم الطرف الأقوى فيها والمسيطر عليها”، مشيراً إلى أن حكومة “ميقاتي” هي استمرار لحكومة “حسان دياب” مع اختلاف بعض الوجوه.
كما يشير “عيتاني” إلى أن لبنان وصل إلى طريق مسدود في ظل النظام السياسي القائم وسطوة شريحة من السياسيين والأحزاب على الحياة السياسية فيه مستفيدين من قوة السلاح والدعم المالي القادم من خارج البلاد، في إشارة إلى حزب الله، مشدداً على أن لبنان بات بحاجة إلى قوة حفظ سلام دولية وتحرك جاد من مجلس الأمن لنزع السلاح خارج سيطرة الدولة اللبنانية ورعاية فترة انتقالية كفيلة بإزالة النظام السياسي الحالي.
ويضيف “عيتاني”: “الحكومة اللبنانية ومؤسسات الدولة لا يمكن التعويل عليها أبداً في القضايا المصيرية مثل المظاهر المسلحة والحد من الفساد على اعتبار أنها رهينة بيد حزب الله، الذي شكل فعلياً دولته الخاصة التي تعتبر عملياً هي المحرك الأول لكل ما يجري في لبنان”، لافتاً إلى أن الجيش اللبناني يفتقد للقوة اللازمة لوقف تلك المظاهر وفرض سيادة القانون في البلاد.
جمهورية الإرهاب.. ورئيس في كوكب السلطة
من أحداث 7 أيار 2008، بات لبنان فعلياً جمهورية راعية للإرهاب، وهو أكبر نصر حققه حزب الله، بحسب ما يقوله الباحث “رامي حمدان”، لافتاً إلى أن لبنان في ظل الوضع السياسي القائم فيه لا يفرق عن دولة طالبان في أفغانستان، خاصة وأن الطرف المسيطر عليه، أي حزب الله، يتبنى عقيدة متشددة وموالية لنظام راديكالي إقصائي.
إلى جانب ذلك، يؤكد “حمدان” أنه لن يكون من السهل إقناع ميليشيات حزب الله بتفكيك دويلتهت والعودة إلى حضن الدولة اللبنانية، تحديداً وأن قراراً مثل ذلك لا يملكه الأمين العام للحزب، “حسن نصر الله”، المحكوم بإجندة إيرانية، معتبراً أن قضية النائب اللبناني “ميشال سماحة” كانت خير دليل على أن لبنان تحول إلى دولة إرهاب وقتل.
يذكر ان السلطات اللبنانية كانت قد اعتقلت النائب السابق، “ميشال سماحة” في العام 2012، أثناء تهريبه متفجرات وعبوات ناسفة من سوريا إلى لبنان، والتي اعترف خلال التحقيق معه؛ أنها كانت ستسخدم لتنفيذ عمليات اغتيال بحق سياسيين لبنانيين، ليحكم عليه بالسجن 13 عاماً، قبل أن يتم إطلاق سراحه عام 2016.
أما عن دور الرئيس اللبناني، “ميشال عون” فيما يجري في البلاد، فيصفه المحلل السياسي “ميشال بوصعب” بانه يعيش في كوكب آخر يمكن تسميته بـ “كوكب السلطة”، معتبراً أن تصريحات الرئيس الأخيرة تشير إلى أنه لا يفكر إلا في كيفية استغلال الظروف الحالية لتمديد سلطته والبقاء في منصبه حتى بعد انتهاء ولايته الدستورية في عام 2023.
يشار إلى أن “عون” قد أعلن استعداده للبقاء في السلطة عند انتهاء ولايته الدستورية في حال قرر مجلس النواب ذلك، موضحاً: ” سأغادر قصر بعبدا عند انتهاء ولايتي ولكن إذا قرر مجلس النواب بقائي فسأبقى”.
ويعتمد “عون” في إمكانية بقائه في السلطة وفقاً “لبوصعب” على القوة النيابية التي يمتلكها التيار الوطني الحر التابع له، بالإضافة إلى كتلة حزب الله وحركة أمل، مشيراً إلى أن حزب الله سبق له وأن ساهم في التمديد للرئيس اللبناني الأسبق، “إيميل لحود” عام 2004، خلال فترة الوصاية السورية.
في ذات السياق، يؤكد “بوصعب” أن حزب الله والتيار الوطني الحر سيسيرون في خطوة التمديد “لعون” خشية وصول زعيم القوات اللبنانية “سمير جعجع” إلى منصب الرئاسة، لا سيما وأنه المرشح المفترض والأقوى في الانتخابات الرئاسية المقبلة، محذراً في ذات الوقت من أن خطوة التمديد “لعون” ستكون الشرارة الأكبر لاندلاع حرب أهلية جديدة في البلاد.
إلى جانب ذلك، يشدد “بوصعب” على أن لبنان في ظل صراع السلطة الحاصل والهرولة تجاه منصب رئاسة الجمهورية وسلاح حزب الله والسطوة الإيرانية، من المستحيل أن يخرج من دوامة الأزمات، مشيراً إلى أن لبنان أصبح مجرد مدفن لشعبه أكثر من كونه وطن.