بين استمرار أزمة تشكيل الحكومة والمشاكل الاقتصادية والسياسية، تظهر مجموعة من التحذيرات حول إمكانية أن يتجه لبنان نحو التقسيم الفعلي على أسس طائفية، ولا سيما أنه محكوم باتفاق يقوم على مبدأ المحاصصة السياسية بين الطوائف، في ظل دعوات إلى إجراء تغييرات في شكل وآلية الحكم الدستوري داخل البلاد لحماية كيانها الحالي.
رئيس الحكومة المكلف “مصطفى أديب” لم يتمكن حتى الآن من تقديم تشكيلته الحكومية بسبب إصرار “حزب الله” وحركة أمل على الحصول على ما يعرف بالثلث المعطل، أي حصولهم على ثلث عدد الحقائب.
يشير الباحث في الشؤون اللبنانية، “ميشال بوصعب” إلى أن لبنان من الناحية الفعلية مقسم بشكل تام الأركان، من الناحية الديمغرافية والسياسية وحتى الاقتصادية، لافتاً إلى أن كل طائفة في لبنان تتخذ من مناطقها مساحات نفوذ خاصة بها خارج إطار الدولة، وأن وحدة لبنان غير موجودة، خاصة مع وجود اتفاق الطائف.
تقسيم المقسم..
إلى جانب ذلك، يعتبر “بوصعب” أن لبنان بات بموجب الاتفاق، الذي أنهى الحرب الأهلية، عبارة عن دولة طوائف وليس بلد لكل أبناء شعبه، مشيراً إلى أن هذا الواقع يزيد من خطورة تعرض لبنان إلى التقسيم الفعلي إلى أربع دويلات على الأقل، درزية وشيعية وسنية ومسيحية.
وكانت الفرق اللبنانية المشاركة في الحرب الأهلية، قد توصلت إلى اتفاق الطائف عام 1989، الذي وزع كافة مناصب وتعيينات الدولة على أساس طائفي بحق، ومنح كل طائفة تمثيل سياسي معين يتلائم مع تمثيلها الديمغرافي.
المشكلة الأكبر في خيار التقسيم كما يراها المحلل السياسي، “عمر قعبور”، أنه لن يحل أزمة لبنان، على اعتبار أنه حتى داخل الطائفة الواحدة هناك صراعات ونزاعات سلطوية، موضحاً: “التاريخ اللبناني حافل بالصدمات الداخلية، فالحرب الأهلية شهدت حروب بين حزب الكتائب والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحرب، أكبر القوى المسيحية، كما شهد أيضاً نزاعات بين أمل وحزب الله الممثلين للشيعة، ليبدو هنا المكونان السني والدرزي أكثر انسجاماً بشكل نسبي، على الرغم من وجود بعض المناوشات بين قياداتهما الداخلية”.
في السياق ذاته، يوضح “قعبور” أن خيار التقسيم لن يوقف الدماء والأزمات في لبنان، وإنما سيحصرها في الكانتونات التي قد يخلقها، مؤكداً أن اتفاق الطائف لم يعد صالحاً في لبنان وبات يهدد كيانه الحالي.
وهم اللبنانيون..
تعليقاً على الوضع اللبناني الحالي، تشير الباحثة “غصون عيتاني” إلى أن اللبنانيين يعيشون وهم الدولة الواحدة والشعب الواحد، منذ تأسيس دولة لبنان الكبير، مشيرةً إلى أن اندلاع حربين أهليتين في بلد خلال نحو نصف قرن، يعكس أن لبنان لم يكن دولة واحدة منذ تأسيسه وحتى اليوم.
كما تشير “عيتاني” إلى أن الظروف والأزمات، التي يعيشها اللبنانيون اليوم، هي حصيلة مئة عام من الزعامات الطائفية، التي حصرت حكم البلاد في عائلات محددة، لافتةً إلى أن لبنان يحكم طيلة الأعوام المئة من قبل ذات العوائل المعروفة، دون أن يكون للبنانيين أي دور في حكم أنفسهم وبلادهم، فيما يشبه الإقطاعيات الطائفية.
ويعيش لبنان أزمة اقتصادية خانقة تمثلت بارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 50 في المئة والبطالة إلى 35 في المئة وتهديد أكثر من مليون لبناني بالجوع، بالإضافة إلى فرض عزلة دولية على البلاد بسبب سطوة حزب الله.
تناغماً مع موقف “عيتاني”، يلفت المحلل “قعبور” إلى أن حصر المشكلة في الحكومة ورئيسها ووزرائها ليس منطقياً وأن تبديل الحكومات لن يحل الأزمات، خاصةً وأن لبنان يدار بمبدأ الدولة العميقة، التي يفتقد فيها رئيس الحكومة للقدرة على تنفيذ صلاحيته، كما أنه خياراته تبقى محصورة في إطار تحددها الأحزاب وقياداتها.
خيارات واضحة..
الحديث عن حلول إنعاش لبنان وإخراجه من ما هو فيه، يطرح بحسب الباحثة “عيتاني” خيارات واضحة تتمثل في إحداث ثورة دستورية تلغي الأساس الطائفي للحكم وتدعم قيام الدولة المدنية، بالإضافة إلى تفكيك الأحزاب القائمة حالياً وطرح قانون يشترط عدم الخلط بين السياسة والطائفية، محذرةً أن لبنان قد يصبح من الماضي، في حال بقي النظام السياسي الحالي قائماً.
كما تعتبر “عيتاني” أن ذلك الخيار معروف لكل القوى السياسية، لكنها تسعى للابتعاد عنه وتمييعه تحت مبدأ حماية مصالح الطوائف، كونه ينهي سيطرة الطبقة السياسية الموجودة الآن، ويفقدها سلطتها، مشددة على ضرورة أن تتحول المظاهرات إلى ثورة حقيقية تجتث حكم الوراثة السياسية.
مع تحذير بعض الأطراف السياسية من سيناريوهات الحرب الأهلية، يقول الباحث “بوصعب” لمرصد مينا: “لم يبق لدى اللبنانيين ما يخسروه، فما يعيشه اللبناني الآن لا يقل سوءاً عن ما قد يعيشه في ظل الحرب الأهلية، فلا فرق بين أن تموت برصاصة أو أن تموت جوعاً ومرضاً وفقراً وقهراً”.
وشهد لبنان خلال الأشهر القليلة الماضية، انتحار أربعة أشخاص احتجاجاً على الظروف الاقتصادية السيئة، إلى جانب ارتفاع معدلات الإصابة بوباء كورونا المستجد، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب.
كما يذهب “بوصعب” في تقييمه للموقف اللبناني، إلى ذكر قوارب اللاجئين، التي بدأت تنطلق من سواحل بيروت باتجاه قبرص، واشتداد حركة السفر إلى خارج لبنان عبر المطار الدولي، كمؤشر على فقدان اللبنانيين لأي أمل في إصلاح بلدهم ومؤشراً على حقيقة سوء ما يعيشونه هناك.
يذكر أن الحكومة القبرصية أعلنت الأسبوع الماضي، عن وصول عدة قوارب لاجئين انطلقت من السواحل اللبنانية باتجاه قبرص، لافتةً إلى أن نصف اللاجئين المتواجدين على متتن القارب هم من اللبنانيين، في حين يحمل البقية الجنسية السورية.