أزمات بالجملة، يبدو أنه قدر المواطن اللبناني الذي لم يعد حتى هو يعرف من أين تبدأ قائمة مطالبه بالإصلاح في البلاد، لا سيما وأن الوضع الحالي في لبنان بات ينذر بكارثة إنسانية حقيقية، قد لا تختلف وفقاً لمحللين في قساوتها عن الحرب الأهلية التي خبرها اللبنانيون في زمن ليس بالبعيد.
أزمة دواء تلوح في أفق قريب
لم يكد اللبنانيون يلتقطون أنفاسهم بعد أزمة انهيار الليرة والغلاء الناجم عن معدلات التضخم، الذي تزامن مع ارتفاع بمعدلات الفقر والبطالة وتراجع الخدمات، حتى خرج عليهم مستوردو الأدوية بتصريحات تحذرهم من أزمة أدوية غير مسبوقة قد تضرب البلاد خلال الفترة القادمة.
المستوردون وفي حديثهم عن الأزمة المحتملة وربما شديدة الاحتمال “إن صح التعبير”، ربطوا تحذيراتهم باستمرار أزمة قلة تداول الدولار الأمريكي في السوق اللبنانية، وعدم حلها على الرغم من كل الوعود الحكومية بذلك، مضيفين: “لا بد من حل أزمة الدولار لتأمين استيراد الأدوية التي ترتبط بشكل مباشر بحياة مئات الآلاف من اللبنانيين، خاصة بالنسبة لأصحاب الأمراض المزمنة”.
أزمة الأدوية والحديث عنها لم تقتصر فقط على التصريحات، حيث سعى المستوردون إلى حل قضيتهم بالتوجه إلى رئيس مجلس النواب “نيه بري” لعرض المسألة عليه، مشيرين خلال اللقاء الذي جمع الطرفين إلى أن أي تأخير في استيراد الأدوية الخاصة بالأمراض المستعصية تعني بأن الحكومة والمسؤولين يقولون للمريض “مت”.
الرغيف وسلعة السهل الممتنع
الحديث عن أزمة الأدوية في لبنان سبقه بأيامٍ قليلة، تحذيراتٍ من موجة جوعٍ غير مسبوقة هي الأخرى باتت تقرع أبواب اللبنانيين، بالتزامن مع تحذيرات اتحاد نقابات المخابز والأفران، من أزمة خبز وشيكة بسبب الضائقة المالية التي تمر بها البلاد.
رئيس الاتحاد “كاظم إبراهيم” الذي كان أول من دق ناقوص الخطر، أشار إلى أن الأزمة الحاصلة قد تجبر أصحاب الأفران على التوقف عن العمل، رابطاً في الوقت ذاته احتماليات وقوع تلك الكارثة باستمرار أزمة الدولار.
وأضاف “إبراهيم”: “الأفران تبيع الخبز ومشتقاته بالليرة اللبنانية، وتسدد ثمن المواد الأولية بالدولار الأمريكي، وهي تتكبد خسائر كبيرة بسبب فقدان العملة الأمريكية من الأسواق”.
كما أشار رئيس الاتحاد، إلى أن الوضع النقدي، أثر سلباً على عمل المخابز والأفران، وبات صعباً على أصحاب هذه المؤسسات تسديد المستحقات المترتبة عليها بالدولار الأمريكي، ما ينذر بأن الحصول على رغيف الخبز في لبنان سيكون واحدة من “أصعب المهام السهلة” خلال الأيام القادمة.
المحروقات الدائرة في فلك الخبز والأدوية
استكمالاً لسلسلة الأزمات الاقتصادية، أطلت أزمة المحروقات أيضاً برأسها منذرةً بشتاءٍ قاسٍ سيعيشه لبنان، خاصة مع تهديدات العاملين في مجال النفط باتخاذ إجراءات احتجاجية على عدم تقديم الحكومة اللبنانية أي حلولٍ تحد من النقص الحاد في النفط ومشتقاته، ملوحين بالإضراب.
وتعود مشكلة المحروقات بحسب عددٍ من العاملين فيها إلى أشهر سابقة، حيث تراكمت الأزمة بفعل ما وصفوه التوتر السياسي وعدم استقرار الحكومة، لافتين إلى أن ارتفاع الطلب على المحروقات خلال الأسابيع القادمة مع دخول الشتاء سيكشف عن الحجم الحقيقي للأزمة.
إجراءات غير إسعافية بين زراعة الحشيش وجيب المواطن
أمام هذه المشكلات والتحذيرات، وارتقاع سخونة الحراك الشعبي في لبنان، قررت الحكومة كباقي الحكومات في البلدان الأخرى اتخاذ سلسلة إجراءات للخروج من الضائقة الاقتصادية، إلا أنها لم تتعد ووفقاً لعددٍ من المحللين الاقتصادين كونها مراوحة في المكان؛ أو الجري على آلة الركض في النوادي الرياضية، لافتين إلى أنها عادت إلى الحلول المعهودة التقليدية إما باللجوء لما وصفوه بـ”سرقة جيب المواطن” التي باتت بالأصل شبه فارغة، أو التوجه لتشريع زراعة الحشيش، وهما الحلين الذين لم يقدما أي جديد من عقود على حد وصفهم.
تعليقات المحللين سبقها بساعات إعلان مصادر حكومية مناقشة ما وصفته “إصلاحات مالية واقتصادية” يتم تنفيذها على المدى القصير والبعيد لتخفيف الضغط عن الميزانية، من بينها تجميد زيادة الرواتب والأجور لمدة 3 سنوات، بدءاً من عام 2020، وزيادة الحسومات التقاعدية من 6% الى 10%، واعتماد التعاقد الوظيفي، إلى جانب تعديل نظام التقاعد وتوحيد التقديمات الاجتماعية.
كما تضمنت زيادة أسعار الكهرباء، وإلغاء دعمها تدريجياً لتصبح صفراً في عام 2022، مقابل رفع معدل الضريبة على القيمة المضافة على الكماليات إلى 15% فوراً، ورفعها تدريجياً إلى هذا المعدّل على بقية السلع الخاضعة للضريبة، زيادة رسوم التبغ بمقدار 3 آلاف ليرة للمستورد و1500 ليرة للمحلي، وزيادة رسوم المشروبات الروحية بنسبة 100%.
بين السياسة والاقتصاد.. ابحث عن حزب الله
على الرغم من أن ميلشيات حزب لله اللبنانية من الناحية الدستورية الشكلية ليست في مواقع أخذ القرار الحكومي، ولا ضمن الفريق الاقتصادي، إلا انها كانت مع حلفائها حجر الزاوية في الحالة الاقتصادية التي يعيشها لبنان من وجهة نظر العديد من المعلقين اللبنانيين، حيث اعتبر الكثير منهم أن ارتباط السياسة بالاقتصاد يقود في نهاية المطاف إلى الدولة العميقة المشكلة في الضاحية الجنوبية “معقل الميليشيا الأساسي”.
حساب باسم “محمد بدران” قدم نفسه على موقع تويتر كمحلل اقتصادي أشار في تغريدةٍ له على الموقع إلى أن أزمة الدولار مرتبطة بأزمة التمويل التي يعيشها الحزب، مضيفاً: “الواقع يقول أن كثير من المسؤولين الماليين والاقتصاديين في مواقع اتخاذ القرار هم تابعين للحزب أو من الراضخين له، وبالتالي فإن معظم القرارات المتعلقة بالدولار ترتبط بشكل مباشر وراء الكواليس بمصلحة الحزب وربما تكون صادرة عنه”، لافتاً إلى أن حالة اللا استقرار بسعر صرف الدولار يؤمن للميليشيات مداخيل إضافية عبر السوق السوداء وعمليات الإتجار به.
كما ربط “بدران” في تغريدةٍ أخرى، أزمة الدولار بالعقوبات وحالة الحصار المفروضة على الحزب الراعي للمصالح الإيرانية في لبنان، مشيراً إلى أن آلاف الاستثمارات قد تضررت بسبب سياسات الحزب، سواءاً بفعل العقوبات أو بفعل القلق من المغامرات غير المحسوبة له والتي كادت خلال الأيام الماضي أن تشعل حرب مع إسرائيل، خاتما تغريدته بـ”رأس المال جبان”.
عون.. وما أدراك ما عون!
هجوم اللبنانيون على مصادر الأزمة في بلادهم طال أيضا رئيس الجمهورية وحليف حزب الله “ميشال عون”، حيث تساءل حساب باسم “ماريو ومدان” على موقع توتير عن الجهة التي تعين وتعزل حاكم المصرف المركزي في لبنان والذي يعتبر أصلا البلاء من وجهة نظره، وذلك في إشارة إلى الرئيس ودوره في الأزمة عبر الاعتماد على فريق اقتصادي لا يمتلك الكفاءة.
من جهته كتب الدكتور “زيدان مخلوف” على تويتر: “اجراءات المصرف المركزي مرحلية لضبط الوضع النقدي في لبنان، اما الازمة الاقتصادية فاتت نتيجة طبيعية لسوء ادارة السلطة السياسية للملف الاقتصادي موازنة 2020 يجب أن تشكل المنطلق الاساسي لاحداث نقلة نوعية لمسار خفض النفقات واعداد خطة اقتصادية اصلاحية”.
وكان هاشتاج #لبنانفيأزمة الذي أطلقه ناشطون لبنانيون على مواقع التواصل الاحتماعي؛ قد شهد انتشارا كبيراً خلال الأسابيع الماضية مع تصاعد حدتها واتساع نظاقها.
كما شهدت مدن لبنانية عدة موجة احتجاجات واسعة خلال الأيام القليلة الماضية رفضاً لتردي الأوضاع المعيشية وسوء الاوضاع الاقتصادية بالتزامن مع عجز الحكومة عن اتخاذ أي قرارات حاسمة تجاه ما تشهده البلاد.
وكانت نسبة الفقر بحسب احصائيات اقتصادية قد سجلت خلال العام الفائت مستويات قياسية حيث أظهرت الإحصائيات أن 28 بالمئة من اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر، و8 بالمئة منهم يعيشون في فقر مدقع.
إلى جانب ذلك، كان البنك الدولي قد حذّر من ارتفاع نسبة البطالة في لبنان والتي وصلت وفق بعض الدراسات والتقارير الأخيرة الى نحو 40% لا سيما في صفوف الشباب.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.