بعد أيامٍ قليلة من تصريحات الممثل السوري، “دريد لحام” حول التطبيع بين نظام الأسد وإسرائيل، يعلن نظام “بشار الأسد”، عن صفقة تبادل أسرى بينه وبين الحكومة الإسرائيلية، بوساطة روسية، ما أثار تكهنات حول إمكانية أن يتخذ “الأسد” خطوات إضافية باتجاه إسرئيل.
يشار إلى أن الصفقة المذكورة شملت إفراج إسرائيل عن مواطنين سوريين اثنين، محتجزين لديها، مقابل إطلاق سراح شابة إسرائيلية، يقال إنها دخلت الأراضي السورية بطريق الخطأ.
عود على بدء ..
تناولاً لخطوة النظام تجاه إسرائيل، يشير الباحث في العلاقات العربية – الإسرائيلية، “مروان خير الله” إلى أن نظام “بشار الأسد” بات مضطراً لاتخاذ خطوات علنية في التطبيع مع إسرائيل، على أن يكون ذلك التطبيع بشكلٍ تدريجي، لتهيئة الرأي العام العربي والسوري، لتلك الخطوة، خاصةً وأنه حكم سوريا تحت شعار “المقاومة والممانعة”.
كما يلفت “خير الله” إلى أن وضع “بشار الأسد” حالياً يشبه تماماً وضع والده، عند تسلمه السلطة، عام 1970، من حيث وجود العديد من الجهات التي تهدد نظامه، مع اختلاف طبيعة تلك الجهات، مشيراً إلى أن العلاقات بين إسرائيل والنظام موجدة فعلاً منذ ذلك الوقت، وأن كل ما يمكن أن يحصل هو تحويل تلك العلاقات إلى العلن، والعلاقات المباشرة، بدلاً من الاتفاقيات السرية.
يشار إلى أن رجال الأعمال السوري، “فراس طلاس” قد كشف بعد أشهر من اندلاع الثورة عن وجود صفقات سياسية واقتصادية أبرمت وراء الكواليس بين النظام السوري وإسرائيل، ومن ذلك تسريب النفط السوري مباشرة إلى إسرائيل.
في السياق ذاته، يعتبر “خير الله” أن نظام “الأسد” بات يرى في إسرائيل آخر طوق نجاة له، خاصة وأن النوايا الروسية لا تريح شخص “بشار الأسد”، لا سيما في ظل وجود تقارير وأنباء عن إمكانية وجود مخطط روسي للإطاحة بالنظام الحالي، بعد ترسيخ قواعدها في سوريا، مشدداً على أن إسرائيل والتطبيع معها هو الورقة الأخيرة التي قد يلعبها النظام السوري للبقاء في السلطة.
يذكر أن مصادر إعلامية مطلعة أعلنت عن توجه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، “مئير بن شابات” إلى موسكو صباح الأربعاء، لبحث صفقة إعادة الشابة الإسرائيلية.
أما عن دور الوسيط الروسي، فيرى “خير الله” أن وجود وساطة روسية بين “الأسد” وإسرائيل” في ملف إعادة الأسيرة الإسرائيلية، لا يعني أنها ستقود مفاوضات التطبيع أو مساعدة النظام على طرح نفسه مجدداً، بقدر ما ترتبط بتأكيد موسكو لالتزامها بتعهداتها تجاه إسرائيل خاصة من الناحية الأمنية، مرجحاً أن لا تكون موسكو طرفاً في التطبيع المحتمل.
ورقة قديمة بحلة جديدة
“النظام السوري ومنذ بداية اندلاع الثورة حاول اللعب على وتر الورقة الإسرائيلية، من خلال التلويح بتهديدات أمنية قد تطال الحدود الإسرائيلية في حال سقوط النظام”، يقول المحلل السياسي، “فرج الأحمد”، مذكراً أن رأس النظام السوري وعدداً من كبار مسؤوليه وصقوره، بينهم رجل الأعمال، “رامي مخلوف”، قد أعلنوها صراحةً بأن أمن إسرائيل سيكون في خطر إذا ما سقط النظام، وهو ما جسدوه عميلاً من خلال ما شهدته الحدود ع الجولان السوري المحتل، صيف العام 2011.
يذكر أن مجموعة من المواطنين السوريين والفلسطينيين، قد اقتحموا الحدود مع إسرائيل صيف العام 2011، ليصدم العالم بانخفاض مستوى الإجراءات والاستعدادات الأمنية على الجانب الإسرائيلي، لدرجة أن كثيراً من حقول الألغام المفترضة في المنطقة الحدودية كانت حقولاً وهمية، ما دفع العديد إلى وصف ما حدث حينها، بأنه دليل على حالة التنسيق الأمني بين الطرفين.
ويضيف “الأحمد”: “النظام يدرك أهمية الورقة الإسرائيلية في معادلة البقاء في الحكم، ولكن لم يبق لديه الكثير ليقدمه للإسرائيليين، فحتى حماية الحدود باتت مرتبطة بالضامن الروسي، وبالتالي فإن الخطوة الأخيرة والوحيدة، التي يمكن للأسد أن يطرح نفسه من خلالها للاستمرار في الحكم، هو التطبيع الكامل مع إسرائيل”، لافتاً إلى أن حتى تلك الخطوة قد لا تساعده كثيراً في ظل ما يمكن وصفه بـ “احتراق ورقته”.
كما يعتبر “الأحمد” أن “الأسد” حالياً لا يقاتل فقط على مسألة الحكم وكرسي، وإنما يقاتل أيضاً في معركة وجودية، فهو يدرك أنه لن يعيش طويلاً بعيداً عن السلطة، لا سيما في ظل كم الجرائم المرتكبة من ناحية، وإمكانية أن تتم تصفيته روسياً من ناحية أخرى، كخطوة لإغلاق صفحته تماماً وعدم الدخول في دوامات تسليمه للمحاكم الدولية، لافتاً إلى تلك الحالة ستدفعه لاتخاذ أي إجراء من شأنه إبعاد كابوس”القذافي” و”ميلوسوفيتش” عنه، حتى وإن كان ذلك الإجراء يضرب عرض الحائط كل الشعارات، التي تغنى بها طيلة 50 عاماً، من العروبة والقضية الفسلطينية، وعبارة “فلسطين أولاً والجولان ثانياَ”.
بلسان الفنانيين
دور الممثل السوري “دريد لحام” في مسألة التطبيع، يمثل دوراً محورياً، على الرغم من عدم امتلاكه لأي منصب رسمي أو سياسي، كما يقول الخبير في الشؤون السورية، “عمران الأحدب”، لافتاً إلى “لحام” يمثل طبقة الممثلين السوريين وطرحه لمثل تلك القضية سيكون بمثابة بدء لسريان مصطلح التطبيع داخل سوريا.
كما يشير “الأحدب” إلى أنه في دولة مثل سوريا، قد يختفي فيها الشخص لمجرد اعتراضه على ارتفاع أسعار الخبز، لا يمكن لممثل أن يخرج ويتكلم في مسألة مرتبطة باتفاقيات مع إسرائيل، لولا حصوله على ضوء أخضر أو ربما توجيه مباشر من سلطات النظام، خاصةً وأن “لحام” ابتعد عن التصريحات الصحافية لسنوات طويلة، لافتاً إلى أن دور “لحام” في قضية طرح التطبيع، هو إظهار وجود طبقة مثقفة ومؤثرة في المجتمع السوري، لديها قابلية للعقد اتفاقات سلام مع إسرائيل.
في ذات السياق، يلفت “الأحدب” إلى أن كون قضية الجولان، التي تتمسك فيها إسرائيل، قد تكون إحدى القضايا، التي ستعقد المسألة للنظام السوري، إلا أنه رجح أن تتم حلحلة تلك القضية بغطاء دولي واتفاق يمنح إسرائيل السلطة غير المباشرة على المنطقة.
أما النقطة الأبرز في قضية السلام بين النظام السوري وإسرائيل، فهي بحسب “الأحدب”، تتجل في عدة تساؤلات، هي “هل ستقبل إسرائيل بهذا العرض، وهل ستكتفي بمجرد تطبيع العلاقات أم أنه قد يكون لديها طلبات إضافية؟.
إجابةً على تلك التساؤلات، يرى “الأحدب” أن إسرائيل قد لا تحمل حماساً كبيراً لعقد اتفاق سلام مع النظام السوري، خاصةٍ إن كان ذلك السلام سيجبرها على تقديم تنازلات مهما كانت صغيرة في ملف قضية الجولان، لا سيما وأن النظام السوري لم يعد يملك أورواقاً في سوريا تهم إسرائيل، معتبراً أن إسرائيل في حال وافقت على مثل ذلك الطرح، فإن طلباتها ستتجاوز حدود سوريا إلى حزب الله وإيران، وضرورة فك الارتباط معهما وتسليم وثائق أو معلومات من النظام السوري حول أنشطتهما سوء في سوريا أو المنطقة ككل.