على ما يبدو أن المواجهات السياسية بين اللاعبين الأساسيين في الملف السوري –روسيا وتركيا- ازدادت اشتعالاً، فبعد أن وجهت أنقرة تحذيراً شديد اللهجة لكل من موسكو ودمشق، بسبب الهجمة الأخيرة على إدلب، وإمهالهم حتى نهاية شباط الحالي ليتراجعوا إلى ما قبل نقاط المراقبة التركية التي باتت اليوم الحلقة الأضعف في المواجهة الدولية في سوريا، رفضت كلاً من موسكو ودمشق التحذير التركي، وكثفتا الهجمات العسكرية على إدلب والتهمتا المزيد من المدن والقرى التي كانت محررة وتحت سيطرة الفصائل التابعة لتركيا، ما أعطى لتركيا رسالة مفادها “أننا سنتقدم ولا يعني لنا تحذيرك شيئاَ”.
بعد التهميش التي حظي به التحذير التركي، قررت أنقرة حسم الموقف والدخول بقوة إلى الساحة السورية، فمنذ ساعات الصباح الباكر بث الناشطون السوريون في محافظة إدلب التي ما زالت تسيطر عليها الفصائل العسكرية الموالية لتركيا، عشرات مقاطع الفيديو التي تظهر جنوداً أتراك، ودبابات وآليات عسكرية ثقيلة متوجهة إلى النيرب بريف حلب، ما يعني أن مواجهة عسكرية محتملة الاندلاع بالرغم من الدعوات للتهدئة لكلا الدولتين.
وفي تطور دولي آخر محوره سوريا، نقلت وكالة بلومبرغ عن مصدر تركي في أنقرة، أن الأخيرة طلبت من الولايات المتحدة مضادات جوية من نوع باتريوت لـ”ردع” روسيا في إدلب.
ونقلت الوكالة عن مسؤول تركي رفيع المستوى قوله إن “تركيا طلبت من الولايات المتحدة نشر بطاريتين من منظومات “باتريوت” على حدودها الجنوبية لضمان حرية التصرف من أجل توجيه ضربات انتقامية، في حالة أي هجمات مستقبلية للقوات السورية المدعومة جويا من قبل روسيا”.
حسابات دولية
تركيا هي أحد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو” والذي كان أحد أهم أهداف إنشائه مواجهة المعسكر الروسي، وروسيا هي الخصم التي تواجهه تركيا اليوم في الأراضي السورية.
تقف روسيا إلى جانب نظام الأسد المدعوم إيرانياً، واليوم إيران هي الدولة الأضعف في المجتمع الدولي حيث تسبب السياسات الرعناء بعداء الدول الكبرى لها، والسعي لكسر شوكتها ابتداء من النووي ومروراً بالوضع الاقتصادي الذي بدا يضيق أكثر فأكثر، فهل ستتواجه أوروبا وأمريكا مع روسيا في سوريا، بأيد تركيّة؟
قال الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إنه سيقف غلى جانب تركيا في المواجهة في سوريا، ونددت الإدارة الأمريكية بالهجوم الشرس على إدلب، لكن هناك حسابات أخرى في أوروبا، وتأتي جلها من فرنسا التي تنظرإلى تركيا كعضو غير مرحب به في الناتو.
أربكت التصريحات الأميركية المتناقضة تجاه تطورات الأوضاع المتسارعة في مدينة إدلب بشمال سوريا رؤية الكثير من الخبراء في واشنطن بشأن حقيقة موقف ونوايا إدارة الرئيس دونالد ترامب نحو الحليف التركي.
فقد قام وزير الخارجية مايك بومبيو بتعزية عائلات الجنود الأتراك الذين قتلوا في هجوم لقوات النظام السوري في إدلب الأسبوع الماضي، كما دعا بومبيو في تغريدة له الأسبوع الماضي أيضاً، إلى “وقف الاعتداءات المستمرة من قبل نظام الأسد وروسيا”، وأكد على وقوف بلاده إلى جانب تركيا الحليفة للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي الناتو.
ثم أعلن إرسال المبعوث الأميركي للملف السوري جيمس جيفري إلى أنقرة من أجل “تنسيق الرد على هجوم النظام السوري المزعزع للاستقرار”، كما تعرضت العلاقات بين تركيا وأميركا لتوتر خلال الأشهر القليلة الماضية نتيجة دعم واشنطن لقوات كردية في شمال سوريا، الأمر الذي أزعج تركيا التي شنت عملية عسكرية ضد قوات حليفة لواشنطن.
وأكد “تشارلز دان” المسؤول الاستخباراتي السابق والباحث حاليا في معهد الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة مستمرة في دعم حليفها التركي في شمال سوريا، مع إدراك واشنطن المتزايد أن تركيا هي اللاعب الأهم لواشنطن في الشمال السوري.
وأوضح “دان” رأيه قائلاً: “واشنطن تخشى في الوقت ذاته من تطور العلاقات بين أنقرة وموسكو، وهي بدعمها لأنقرة تزيد تباعد روسيا وتركيا”.
من جهته، يعتقد الخبير في الشأن السوري بمعهد الشرق الأوسط “وائل الزيات” أن تطورات الأوضاع بمنطقة إدلب في الشمال السوري تمثل اختبارا جادا للولايات المتحدة، كما ويرى الزيات أن “هذه لحظة كاشفة لحقيقة موقف واشنطن تجاه منع سقوط إدلب في يد النظام السوري والوقوف مع عضو رئيسي في حلف الناتو، الفشل في هذا الاختبار ستنتج عنه كارثة إنسانية تمتد إلى تركيا وربما لدول أوروبية أخرى”.
روسيا تهاجم
قالت وزارة الدفاع الروسية في بيان رسمي لها اليوم الخميس؛ إن مقاتلات “سو 24” الروسية دمرت دبابة و6 مدرعات و5 عربات رباعية الدفع تابعة لمسلحين اقتحموا مواقع للجيش السوري في محافظة إدلب السورية.
وأضافت في بيان صدر عن مركز المصالحة في سوريا -التابع للدفاع الروسية-، أن الغارات الروسية مكنت قوات الجيش السوري من صد هجمات للمسلحين في المنطقة بنجاح، مشيرة إلى أن القوات الجوية الروسية دمرت آليات تابعة للمسلحين مزودة بأعيرة ثقيلة.
وأوضح المركز أن “العصابات الإرهابية نفذت، في 20 فبراير، عددا من الهجمات المكثفة باستخدام أعداد كبيرة من المدرعات على وحدات الجيش العربي السوري باتجاه محور قميناز – النيرب”.
وأشار البيان الروسي الصادر عن وزارة الدفاع، إلى أن أداء المسلحين كان مدعوما بنيران مدفعية القوات المسلحة التركية، ما مكنهم من اختراق دفاع الجيش السوري”.
دعت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الخميس، أنقرة إلى تجنب أي تصريحات شديدة اللهجة حول إدلب وتفعيل الاتصال عبر الخبراء.
وعقب توتر الأوضاع وزج تركيا بالمزيد من المقاتلين والآليات العسكرية شمال سوريا، طالبت موسكو أنقرة بالتهدئة، ففي موجز صحفي، علقت المتحدثة باسم الوزارة “ماريا زاخاروفا”، على توجيه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، مطالب إلى دمشق بسحب قواتها إلى مواقع سابقة لبدء هجومها في إدلب، قائلة: “فيما يخص هذه التصريحات.. فثمة دول عدة تحسب أن بإمكانها الإدلاء بها، مع أنه، من وجهة نظرنا، ينبغي في مثل هذه الظروف، تفعيل قنوات الخبراء قبل كل شيء، فلهذه القنوات إمكانات هائلة”.
وصباح اليوم الخميس، شن الجيش التركي وفصائل سورية موالية له هجوما واسعا على جنوب شرقي محافظة إدلب، حيث اقتحم بلدة النيرب، واندلعت مواجهات مع الجيش السوري.
وقال ناشطون إن الجيش التركي بدأ هجوما بريا في جنوب شرق إدلب لاستعادة بعض المناطق التي خسروها، كما كشفت وسائل إعلام تركية أن المدفعية التركية قصفت مواقع للجيش السوري تمهيدا لتقدم دبابات تركية، فيما ردت قوات الأسد بتدمير عربات تركية.
وبعدها بوقت قصير، ذكر الناشطون أن جيش الأسد انسحب من النيرب إلى أطرافها الجنوبية إثر قصف مدفعي وصاروخي مكثف، وقالت مصادر سورية محلية إن القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها اقتحمت بلدة النيرب.