مع تصاعد التوقعات بأن تتبع الإدارة الأمريكية الجديدة، سياسات مختلفة عن سابقتها، في الكثير من الملفات، إلا أن تلك التوقعات تتوقف وتتلاشى تماماً عندما تصل الأمور إلى الملف السوري، حيث يشير محللون إلى أن سياسة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لن تخرج بعيداً عن سرب سياسة سلفه “دونالد ترامب” وأن التغيرات قد تكون في الشكل وليس المضمون.
يشار إلى أن نظام “بشار الأسد” عانى خلال السنوات الأربع الماضية، من ضغط أمريكي كبير على المستوى الاقتصادي، من خلال العقوبات، التي تم فرض آخر دفعة منها قبل أيامٍ قليلة، وطالت زوجة “الأسد” وأفراد عائلتها.
وفي هذا السياق وكما تورد صحيفة الشرق الأوسط: فإن رسالة «القائمة القاسية» في العقوبات الأميركية الأخيرة والجولة التي قام بها المبعوث الأميركي جويل روبرن إلى عدد من دول منطقة الشرق الأوسط، هي أن «تغيير الإدارة الأميركية لا يعني تغيير السياسة، ولا خروج دمشق من صندوق العزلة»، وأنه حتى «لو حصلت تغييرات تكتيكية، فلن تحصل تغييرات استراتيجية في الاتجاهات والشروط المتوقعة في سوريا».
رسالة القائمة السوداء ألحقت بـ«رسالة تحذيرية»، مفادها «عدم اتخاذ خطوات تضعف قدرة واشنطن على الاستمرار في حملة الضغط» على دمشق، في وقت اختار فريق «الملف السوري» في إدارة الرئيس دونالد ترمب الحزمة الأخيرة في العقوبات لـ«يغلق أبواب مفاوضات المسار الثاني بين جهات أميركية وسوريا»، ويعرقل احتمالات «فتح أقنية الحوار» ويزيد من الضغوط الاقتصادية، بعد معاقبة «المصرف المركزي السوري»، حيث بدأت تأثيرات ذلك تحصل مباشرة ببدء مصارف خاصة خارجية بالانسحاب من دمشق.
زيادة العزلة ولا جديد في الملف
الأمور الثابتة في السياسة الأمريكية حيال القضية السورية، يجملها المحلل السياسي، “باتريك باول” في عدة نقاط أولها استمرار العزلة الدولية المفروضة على النظام السوري وربط ملف إعادة الإعمار بالانتقال السياسي والتضييق الاقتصادي على المنظومة المالية “للأسد” وأركان حكمه، حتى وإن كان بوتيرة أقل من الضغط الممارس من قبل حكومة “ترامب”.
كما يوضح “باول” في حديثه مع مرصد مينا، أن سياسة واشنطن تجاه بعض قضايا الشرق الأوسط لا ترتبط بهوية الرئيس أو انتماءه الحزبي بقدر ارتباطها بما يصدر عن مستشارية الأمن القومي، والتي ترى في نظام “الأسد” كيان مقوض للاستقرار في الشرق الأوسط وجزء من محور داعمٍ للإرهاب تقوده إيران في المنطقة ومساحة للنفوذ الروسي بالقرب من مياه المتوسط.
يذكر أن المبعوث الأمريكي الجديد إلى سوريا، “جويل رايبورن” قد أكد في وقتٍ سابق، بأن السياسة الأمريكية في سوريا لن تتغير مع قدوم إدارة “بايدن”، وأنها ستواصل دعم الانتقال السياسي للسلطة، لافتاً إلى أن العقوبات الجديدة تعكس التزام واشنطن بحملة الضغط الاقتصادي والسياسي على النظام لمنعه من تمويل حربه على الشعب السوري.
عامل النفوذ الروسي سيكون واحداً من محددات التعامل الأمريكي في الملف السوري، وفقاً لما يراه “باول”، لافتاً إلى أن الحزب الديمقراطي يبدي تشدداً أكثر من الجمهوريين في مسألة تمدد روسيا في الشرق الأوسط، وهو ما يدفع للاعتقاد بأن الإدارة الأمريكية الديمقراطية ستسعى إلى مواصلة الضغط على النظام السوري وعدم منحه فرصة للحصول على شرعية، تشرعن الوجود الروسي هناك، بل على العكس ستسعى إلى فرض المزيد من العزلة عليه.
في الوقت ذاته، ترى مصادر أمريكية أن العقوبات الأخيرة على النظام السوري وشمولها للمصرف المركزي، هي بمثابة إغلاق تام لأي قنوات للحوار مع النظام السوري، وزيادة الضغط الاقتصادي، لاسيما مع بداية انسحاب مصارف خاصة خارجية من دمشق.
اختلاف في طريقة التعامل وليس في الجوهر
الاختلاف في السياسة الأمريكية تجاه سوريا بين “بايدن” و”ترامب”، تكمن وفقاً للباحث في شوؤن الشرق الأوسط، “عز الدين الحسين”، في طريقة التعامل وليس في الجوهر، مضيفاً: “كلا الإدارتين متفقتين على معاداة الأسد، ولكن الاختلاف بينهما سيكمن في طريقة تنفيذ تلك السياسة، ففي حين اعتمد ترامب خلال ولايته على الضغط السياسي، قد يتجه بايدن إلى تكرار أسلوب أوباما من خلال إعادة الوضع الميداني في سوريا مجدداً إلى ما كان عليه قبل عام 2015، وهو عام التدخل الروسي”.
كما يشير “الحسين” إلى أن “بايدن” يرى أن سياسة “ترامب” قد أضعفت من الدور الأمريكي في سوريا مقابل تعاظم الدور الروسي، وهو ما يعتبره الديمقراطيون خطراً على الأمن القومي واستفاقة لوريث العدو السوفياتي، لافتاً إلى أن الإدراة الأمريكية قد تعود إلى الساحة الميدانية السورية عبر من تصنفهم بـ”المعارضة المعتدلة”، إلى جانب القوات الكردية.
يذكر أن تسريبات إعلامية سبقت الانتخابات الأمريكية، قد كشفت عن تبني “بايدن” لخطة تقوم على إعادة التوتر العسكري في سوريا، كجزءٍ من التصدي للنفوذ الروسي في المنطقة، لتوريط إيران بمستنقع عسكري، في حال تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة.
سيناريو الحرب في سوريا، يتبناه أيضاً الباحث السياسي “عطا الله أبو سالم”، الذي يضيف على العامل الروسي، رغبة إدارة “بايدن” ومن خلفه الديمقراطيين بالحد من طموحات وتحركات الحكومة التركية في الملف السوري، خاصة وأنها باتت تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال سوريا وتعقد صفقات دولية مع روسيا بناءاً على تلك السيطرة، إلى جانب استغلالها الوحدات السورية المسلحة، التي تدعمها، في عدة نزاعات دولية، كما كان الحال في ليبيا وأذربيجان.
وكان المبعوث الأمريكي قد أكد أن تغيير الإدارة الأميركية لا يعني تغيير السياسة، ولا خروج دمشق من صندوق العزلة، وأنه حتى لو حصلت تغييرات تكتيكية، فلن تحصل تغييرات استراتيجية في الاتجاهات والشروط المتوقعة في سوريا.
أوباما.. الحاضر الغائب
من الأمور التي يشير “أبو سالم” إلى ضرورة عدم نسيانها، عند الحديث حول السياسة الأمريكية في سوريا، هي أن إدارة “بايدن” تعتبر نسخة معدلة من إدارة “أوباما”، التي كان فيها “بايدن” الرجل الثاني، ما يعني أنها تؤمن بأهمية التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في ظل ترشيح “لويد أوستن”، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، لمنصب وزير الدفاع في الإدارة الجديدة.
وكان “أوستن” المشرف الأول على الانتشار العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق، “باراك أوباما”، كما أنه قاد عمليتي غزو العراق وأفغانستان، إبان حكم الرئيس الأسبق، “جورج بوش”.
في السياق ذاته، يعتبر “أبو سالم” أن تشكيلة إدارة “بايدن” تقود لترجيح أنها ستتبع تحريك العجلة إلى الخلف في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في سوريا، مشيراً إلى أن “أوباما” هو الوحيد، الذي غاب عن الإدارة الجديدة، فيما حضر معظم مسؤولي إدارته بمن فيهم مستشارة الأمن القومي “سوزان رايس” ووزير “خارجيته “جون كيري”، ونائبه “بايدن” الذي سيقود الإدارة الجديدة.
كما شكك “أبو سالم” في فعالية استخدام النظام لورقة التطبيع مع إسرائيل ككرت عبور لأزمته الحالية وكسر العزلة عنه، موضحاً أن مسألة التطبيع المباشر مع إسرائيل لا تمثل أهمية كبرى لدى الديمقراطيين كما هي لدى الجمهوريين، وأن الديمقراطيين يؤمنون بتوفير الأمن لإسرائيل أكثر من خلق جو مباشر للتطبيع.
وكانت تقارير إعلامية قد تداولت سابقاً أنباءاً عن عرض من النظام السوري بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل تخلي الولايات المتحدة عن شرط إسقاط النظام والدخول في مرحلة انتقالية سياسية، قبل فك العزلة المفروضة على “الأسد”.
ويخلص “أبو سالم” إلى نتيجة نهائية، بأن عودة الحرب إلى سوريا، قد تكون جزءاً من الأمن القومي الأمريكي، في ظل القيادة الجديدة، خاصةً وأنها ترث ملفات ثقيلة عن إدارة “ترامب”، التي يرى الديمقراطيون أنها أضعفت الدور الأمريكي في المنطقة.