رامي حيدر: كاتب ومحلل سياسي
دراسة ترصد السياسة القطرية في اليمن؛ والغاية التي جعلت قطر تنسلخ عن محيطها العربي والخليجي لتدعم الحوثيين في اليمن من خلال محاور منها:
- العلاقة الخفية بين قطر وحركة الحوثيين.
- استغلال نفوذها على الإخوان المسلمين لمصالحة بين حزب الإصلاح والحوثيين.
- علاقات استخباراتية مع الحوثيين.
- دعم قطري لمعاهد نشر التشيُّع في اليمن.
- هل تساهم قطر في إطالة عمر الأزمة اليمنية؟.
- لماذا يا قطر؟.
التمهيد:
لا تستطيع قطر إنكار حقيقة علاقتها بالحوثيين في اليمن، على الرغم من محاولاتها الحثيثة لذلك، لأنها تعلم جيداً ما اقترفته هذه الميليشيات التابعة لإيران، على أرض الواقع من تدمير لليمن واغتصاب للشرعية فيه، وبالطبع لا ترغب قطر في حمل عار كهذا، وبخاصة في محيطها الخليجي، إذ تعد إيران بسبب أفعالها في الوطن العربي من أشد الأعداء وأكثرهم خطراً في المنطقة.
هناك كثير من الأدلة التي تتحدث عن علاقة قطر المباشرة وغير المباشرة بحركة الحوثيين، ومنها ما كشفه مؤسس حركة الحوثيين في صعدة التي يطلق عليها (حركة الشباب المؤمن) محمد عزان، إذ أكد أن هذه العلاقة بدأت خلال وساطة قطرية بينهم وبين الحكومة اليمنية عام 2007
وشدد عزان على حرص قطر على عدم انكشافها في دعم الانقلابيين وعملها لمصلحة التمرد، مشيراً إلى أن محاولتها لإخفاء هذه الحقائق فشلت، بعدما أثبتت الدول الداعية إلى مكافحة الإرهاب تورطها في تمويل التنظيمات المتطرفة بعدد من الدول العربية.
ويتفق عزان مع عدد من المصادر، التي تؤكد أن قطر كانت تسعى من خلال الوساطة، لبناء علاقة قوية مع الحوثيين في اليمن، وهو ما تحقق بالفعل، ومن خلال تلك الوساطة استقبلت بعض القيادات الحوثية في الدوحة، وزار عدد من المسؤولين القطريين بعض القيادات الحوثية في صعدة.
وسوغ عزان غضب الحوثيين في المرحلة الحالية من مقاطعة قط، بأسباب عدة، منها أن لدى الحوثيين مفهوماً أساسياً يحمل معنى (عدو عدوي صديقي)، ومن ثم فإن قطر التي تعادي السعودية حالياً هي صديقة للحوثيين، مستدركاً بالقول (إن ذلك ليس جديداً، لأن العلاقة بين الدوحة والمتمردين قديمة).
ومن الأسباب الأخرى لإعلان التعاطف الحوثي القطري الآن، هو تقارب قطر وإيران بعد المقاطعة العربية لقطر، ثم إن إيران وقطر تسعيان حالياً للمقاربة بين حزب الإصلاح والحوثيين، إذ تضغط قطر على حزب الإصلاح، فيما تضغط إيران على الحوثيين، لأجل أن تكون هناك تحالفات جديدة، من أجل إفشال السعودية والتحالف العربي في اليمن.
وفي وثائق سرية مسربة من الأرشيف الاستخباراتي لنظام الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، يتضح جلياً، الدور القطري الإيراني بالتعاون مع حزب الله لإشعال فتيل الحرب التي شنها المتمردون الحوثيون على الحدود الجنوبية للسعودية عام .2009
وبحسب الباحث السياسي والأمني محمد الولص، فإن الوثائق تتعلق في مجملها بما كان يدور في ملف صعدة والتدخلات الخارجية فيه وتحديداً تلك الآتية من قطر وإيران وحزب الله، وعن الأموال التي قدمتها الدوحة للحوثيين والمقدرة بعشرات ملايين الدولارات تحت غطاء إعمار صعدة، فضلاً عن وساطتها في الإفراج عن مئات المعتقلين من أفراد تلك الميليشيات في سجون علي عبد الله صالح.
ويوضح الولص، أن بدايات الدعم الخفي الذي كانت تتلقاه ميليشيات الحوثيين من الدوحة، كانت مع العلاقة التي أسستها الاستخبارات القطرية مع حسين بدر الدين أثناء تلقيه دورات في كل من لبنان والسودان في مطلع الألفية الجديدة، قبل حروب صعدة بأربع سنوات، وهي العلاقة التي قال إنها جاءت نكاية بـ(الشقيقة الكبرى السعودية).
ويلفت الولص إلى أن قطر استمرت في دعمها السري لميليشيات الحوثيين، من خلال تقديمها مبلغ 50 ألف دولار شهرياً عبر سفارتها في صنعاء، للمعهد الديني الشيعي التابع لحسين بدر الدين في صعدة، ليرتفع هذا الدعم الشهري إلى 100 ألف دولار كان يجري تسليمها للقيادي الحوثي يحيى قاسم عواضه.
وفي الأوساط اليمنية، تتهم قطر بأنها المتسبب في تحويل الميليشيات الحوثية من حركة محصورة في جبال صعدة إلى حركة سياسية إقليمية، إذ ساهمت الدوحة في إشهار تلك الحركة بقيادتها لأول وساطة رسمية بين الدولة والمتمردين في العام .2007 ليتحقق لها هدفها الاستراتيجي الذي طالما طمحت إليه، قبل أن يرعى القطريون في العام 2008 اتفاقاً بين الحوثيين والحكومة اليمنية، خولها لاحقاً، إضفاء الشرعية على الأموال الضخمة التي ضختها في تلك الميليشيات والمقدرة بمئات الملايين من الدولارات.
وقبل عامين من قيام المتمردين الحوثيين بمهاجمة الحدود السعودية عام 2009 عملت الدوحة بالتعاون مع الإيرانيين على (إدخال منظومة اتصالات عسكرية حديثة إلى صعدة ومناظير ليلية ومعدات لتصنيع المتفجرات والألغام وصواريخ لو وصواريخ متوسطة وتطوير المقذوفات الصاروخية للمدفعية، وفي مجالات أخرى عدة، وذلك عبر شركة بارسيان الإيرانية التي عملت في اليمن منذ العام 2007 حتى 2009 في محطة تحويل الكهرباء الغازية)، بحسب الباحث اليمني.
وتتحدث الوثائق عن المرحلة التي شهدت ثورة الشباب في اليمن عام .2011 وكيف أن الدوحة أدّت دوراً في إدخال الحوثيين -على الرغم من أنهم كانوا منبوذين من اليمنيين –بوصفهم مكوناً أساسياً في الثورة، ليتماهى بعدها موقفهم مع الموقف القطري برفض المبادرة الخليجية، ويعد أحد أهم الأدلة الدامغة التي تؤكد العلاقة المتينة بين قطر والحوثيين في المستويات كلها.
ويعد رئيس تحرير موقع (صعدة أونلاين) صالح الحكمي أن التدخلات القطرية كانت سبباً رئيسياً في تأزم الموقف في اليمن وتطوره تدريجيا حتى اللحظة الراهنة . ويؤكد أنه لولا قطر ودعمها المالي والسياسي لكان التمرد الحوثي في اليمن اليوم محض صفحة مطوية من صفحات التاريخ اليمني المعاصر . لكن، لم يكن وقوف قطر إلى جانب الحوثيين ومساندتهم لوجستيا وماديا نظرا إلى تقاربها معهم عقديا أو فكريا بل نكاية بالسعودية من جهة وإنفاذ لتوجهات الحليف الإيراني من خلال دعم جناحه العسكري في اليمن.
وهذا ما أكده أيضا القيادي المنشق عن ميليشيات الحوثي علي البخيتي، الذي أضاف أن قطر دخلت وبقوة منذ أشهر خط تمويل الحوثيين، وأن الدعم القطري للحوثيين بات يفوق دعم إيران، مشيراً إلى أن قطر تعد (دعم الحوثيين جزءًا من معركتها مع الدول الأربع، ويمنحها ورقة رابحة، وهو خنجر في خاصرة السعودية)، والدليل على ذلك أن قناة الجزيرة باتت النسخة الثانية من قناة المسيرة الحوثية.
واللافت أن وسائل الإعلام التابعة لقطر، أفردت مساحات واسعة من البث عبر منصاتها المختلفة سواء من خلال قنواتها الإخبارية أم صحفها الورقية والإلكترونية، للمحاولات الفاشلة لعصابات الحوثي بعد إطلاقهم سبعة صواريخ بالستية تجاه أربع مدن سعودية قبل أسابيع، مع تبنيها لوجهات نظر ميلشيات الحوثي واستضافتهم عبر قنواتهم، لتؤكد بذلك مدى العلاقة بين دولة قطر والحوثيين .
وأحدث الأدلة على العلاقة القطرية الحوثية، خروج محمد الحوثي، رئيس اللجنة الثوري ليثني على تصريحات وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد العطية، التي قال فيها إن قطر أجبرت على الانضمام لتحالف دعم الشرعية . وتمنى القيادي الحوثي أيضا مزيداً من المواقف القطرية الشجاعة، بحسب قوله.
ومن جهة أخرى، كشفت مصادر يمنية وسعودية، معلومات تفيد بفتح مكتب لمليشيات الحوثي الانقلابية في العاصمة القطرية الدوحة في أواخر العام 2017، وقال الباحث السياسي والأمني اليمني محمد الولص أن المكتب يعمل بصورة سرية في الدوحة ويديره القيادي الحوثي أحمد الحمزي الملقب بـ(أبي شهيد).
ويقوم المكتب بالتنسيق بين الأجهزة القطرية ومكتب عبد الملك الحوثي والدوائر الحوثية الأخرى في صنعاء ومكاتب الميليشيات في سلطنة عمان ولبنان وطهران وبعض دول أوروبا. وتقدم قطر دعماً مالياً شهرياً لمكاتب التنسيق الحوثية في الخارج، سواء مكتب الميليشيات في سلطنة عمان الذي يديره القيادي الحوثي عبد الإله حجر، أم مكتبها في بريطانيا، الذي يديره القيادي الحوثي أحمد المويد، إضافة إلى دعمه عشرات القيادات الحوثية في بيروت وألمانيا.
وتتحدث مصادر عن وجود تنسيق بين الدوحة وحزب المؤتمر الشعبي الموالي للحوثيين في صنعاء بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إذ قدمت له دعماً مادياً، بهدف تشجيع أعضاء الحزب على الاستمرار في شراكتهم مع الحوثي لتوفير غطاء سياسي أمام الرأي العام المحلي والدولي، مقابل تعهدها بدعم الحزبً ماليا.
هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.