تدخل تركيا ولأول مرة على خط إنهاء الإنقسام الفلسطيني والمتعثر منذ 13 عاماً، والذى تحاول جمهورية مصر رعايته طوال الفترة الماضية دون مخرجات إيجابية، هذا التدخل يضع علامات إستفهام كبيرة أمام أهداف تركيا والتى تقطع الطريق على جهود عربية أخرى تبذل منذ سنوات لإيجاد مخرج للأزمة، فيما تشير تقديرات سياسية بأن حماس هي من إختارت التوجه نحو تركيا لتدير هذا الملف لكسب مصالح إستراتيجية، فحماس تبحث عن موطئ قدم لها في مناطق إستراتيجية جديدة للتواجد وليس فتح مقر دائم فقط، فهناك نشاط كبير لحماس في الأراضي التركية يديره القيادي في حركة حماس صالح العاروري، والذي طالبت إسرائيل في شروط المصالحة الكاملة وتطبيع العلاقات بإبعاده عن الأراضي التركية، فهو يعد مهندس العلاقات التركية مع حركة حماس، وإن كانت أجهزة الأمن التركية طلبت رسمياً من الحركة تخفيف نشاطه وتحركاته، إلا أنه يحظى بعلاقات قوية ويواصل نشاطاته بعلم من تركيا.
ويرى مراقبون سياسيون أن تركيا تمتلك أوراقاً تؤهلها لدفع ملف المصالحة قدماً، مؤكدين أن ذلك يعني كسر الإمساك المصري بالملف المتعثر، لافتين إلى أن نجاح الجهود التركية يبقى رهيناً بكثير من العوامل المحلية والإقليمية والدولية، التي تؤثر بنسب متفاوتة على المشهد الفلسطيني المعقد، ومدى استجابة طرفي الإنقسام للشروط التركية الواقعة عليهم.
في سياق ذلك يقول الكاتب والمحلل السياسى وائل البطة أن تركيا تريد أن يكون لها ميزان قوة في الشرق الاوسط، من خلال التدخل في قضايا الدول العربية وإظهار نواياها السليمة إتجاه حل القضايا العربية الشائكة، وهذا يشكل ذريعة للتغطية على ما تقوم به من أطماع في الدول العربية ونهب للخيرات، وهذا ما تقوم به في العديد من الدول وأبرزها سوريا وليبيا.
وأشار البطة لـ”مرصد مينا”: أن تركيا قادرة على ملئ الفراغ الذي خلفه غياب الوسيط بين حركتي فتح وحماس، سيما وأن تدخلها جاء بطلب صريح من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأمر الذي يمنحها الفرصة لتحقيق وعدها الذي ظلت تكرره، بإمكانية التدخل في هذا الملف إذا طلب الفلسطينيون ذلك.
وأوضح البطة ان هناك فارق بين إنهاء الانقسام والمصالحة بين قادة الحركتين، فهم عملياً متصالحون لكن الحركتين أبعد ما تكونان عن فكرة إنهاء الانقسام، من خلال تنازل كل منهما عن صلاحياتها في منطقة حكمها تحت الإحتلال الإسرائيلي أو المحاصر في غزة لصالح كيان وطني قوي سياسياً، وينهي مهزلة عدم وجود مؤسسات وعنوان فلسطيني واحد.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين أن تركيا لن تنجح في إنهاء الصراع السياسى القائم بين حركتي حماس وفتح، مستبعداً في ذلك بأن يتمكن الرئيس محمود عباس من الإنتقال في التحالفات إلى المحور الذي تقف فيه حماس، وهو المحور الإيراني والتركي والقطري التابع للإخوان، لكنه لم يستبعد أن يكون لقاء الرجوب والعاروري في تركيا أخر المناورات والرسائل التي يرسلها عباس إلى حلفائه السابقين، وأن هناك مزيد من المناورات الإعلامية التي ليس لها جدوى.
وأوضح شاهين لـ”مرصد مينا”: أن لدى حماس وتركيا على وجه التحديد مشكلة عالقة، وهى تتعلق بالقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان والمقيم في دولة الامارات، حيث أن دحلان مطلوب لتركيا على خلفية إتهامات وجهتها له بمحاولة زعزعة الأمن، في مقابل ذلك حماس تقيم علاقات قوية مع دحلان وتسمح بنشاطات له داخل قطاع غزة، وهناك انشقاق بين حماس داخلياً شق يريد التوجه مع دحلان وأخر يرفض ذلك، وهذا الشأن يعيق نجاح المصالحة برعاية تركيا التي تبحث عن مصالها.
ويرى شاهين أن حماس باتت على قناعة، بأن الأوان قد حان للخروج من حالة الانعزال عن العالم، وباتت تفهم أن التقارب مع عباس هو قناة للخروج من الأزمات التي يعيشها قطاع غزة الرازح تحت حصار إسرائيلي منذ أكثر من 13عاماً، في حين فإن الرئيس عباس بات على قناعة بأن ضغوطه على قطاع غزة قد أتت أكلها، وأن ممارسته للمزيد من الضغوط قد تدفع لإنفجار وقد لا يسلم هو وحركة فتح من تداعياته.
أما الكاتب والمحلل السياسى سمير حمتو فقد أشار لـ”مرصد مينا”: إلى أن تركيا ستدفع بملف المصالحة إلى الأمام، ولكن ستستعين بقطر والتى لها تأثير كبير على السلطة الفلسطينية، فالرئيس عباس بعث بعضو اللجنة المركزية حسين الشيخ إلى قطر قبل أسابيع لطلب قرض عاجل بمبلغ 300 مليون دولار، إلا أنه عاد خالي الوفاض وذلك سيدفع عباس للقبول بإملاءات تركيا والضغط عليه، لتقديم تنازلات من شأنها دفع الملف نحو مخرجات إيجابية تزيل النزاع والإنقسام المستمر منذ سنوات بين الطرفين.