تشهد الساحة اللبنانية توتراً جديداً في العلاقات مع دول الخليج العربي، وذلك بعد أسابيع قليلة من أزمة تصريحات وزير الإعلام السابق، “جورج قرداحي”، وذلك على خلفية إقامة أنشطة مناهضة للدولة البحرينية على أراضي لبنان، في فعاليات يعتقد أنها أقيمت بدعم من حزب الله، الذي اتهم في وقت سابق بالضلوع في أحداث شغب شهدتها البحرين بين عامي 2010 و2011.
يشار إلى أن وزارة الخارجية البحرينية، قدمت الأحد مذكرة احتجاج رسمية على استضافة العاصمة اللبنانية بيروت مؤتمرا صحفيا لعناصر وصفتها بالمعادية ومصنفة على أنها داعمة للإرهاب، بغرض بث وترويج مزاعم وإدعاءات مسيئة ومغرضة ضد مملكة البحرين، مؤكدة أن هذه الاستضافة غير المقبولة إطلاقًا، تعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بما يخالف المواثيق الدولية وميثاق جامعة الدول العربية.
إصرار على إقحام لبنان في صراعات إيران
استضافة المؤتمر المذكور وبحسب ما يراه المحلل السياسي، “ميشال بوصعب” يمثل إصراراً من قبل ميليشيات حزب الله على تحويل البلاد إلى ساحة صراعات تحارب فيها إيران دول الخليج وتصفي حسابتها على الأراضي اللبنانية بغض النظر عن الظروف المأساوية التي يمر بها البلد، لافتاً إلى أن استقالة “قرداحي” كان من الممكن أن تساعد في تخفيف التوتر بين لبنان ودول الخليج، إلا أن هذا التصرف غير المسؤول سيعيد الامور إلى ما أسوأ مما كانت عليه سابقاً.
كما يشير “بوصعب” إلى أن حزب الله أراد إفشال زيارة رئيس الحكومة اللبنانية “نجيب ميقاتي” المقررة إلى السعودية خلال الأيام المقبلة، وذلك من خلال استضافة المعارضة البحرينية المدعومة إيرانياً، لافتاً إلى أن مثل هذا التصرف لا يمثل تهديداً للبحرين فحسب وإنما للأمن القومي الخليجي والعربي ككل.
ويتساءل “بوصعب” عن أسباب إقامة المؤتمر في لبنان وليس في إيران وهي التي تمثل الراعي الرسمي لتلك المعارضة، معتبراً ان الهدف الأساسي من ذلك المؤتمر هو إفشال أي خطوات تقارب بين الحكومة اللبنانية ودول الخليج، على اعتبار أن ذلك سيحد من النفوذ الإيراني ويساعد على تجاوز الأزمات الاقتصادية والسياسية الناجمة عن اختطاف حزب الله للبلاد وزجها في معارك طهران.
إلى جانب ذلك، يرى “بوصعب” أن شيعة لبنان باتوا مطالبين باتباع خطوات شيعة العراق، الذين رفعوا الغطاء عن ميليشيات إيران في بلادهم وقادوا تحركات الشارع العراقي ضد نفوذ إيران، الذي ساهم في إضاعة بلدهم وإغراقها في حرب طائفية أنهكتهم وأفقرتهم وجوعتهم، موضحاً: “شيعة لبنان هم طيف من الشارع اللبناني والشعب اللبناني، الذي يعاني من تبعات سياسات حزب الله وارتباطه بإيران، وهو الأقدر على وضع حد لتلك السياسات، وبالفعل كان هناك تحركات خلال السنوات السابقة حتى داخل الضاحية الجنوبية، إلا أنها قمعت من قبل أجهزة الحزب الأمنية”.
يشار إلى أن المملكة العربية والسعودية ودولاً خليجية أعلنت عن قطع العلاقات مع لبنان على خلفية تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق، “جورج قرداحي” التي اعتبرت داعمة لميليشيات الحوثي والمنهضة لتحالف دعم الشرعية في اليمن.
الحكم بالأزمات
سياسة حزب الله في حكم لبنان تقوم على ترسيخ الأزمات وإشغال الشعب بلقمة عيشه أو البحث عن فرصة للهجرة من البلاد، بحسب ما يقوله المحلل السياسي، “أحمد عيسى”، مشيراً إلى أن تصرفات حزب الله خلال السنوات الثلاث الماضية كانت كلها تصب في مصلحة تعميق مآسي لبنان، ليس فقط من خلال الأزمات الأخيرة مع دول الخليج، وإنما مع رفضه إغلاق المعابر الحدودية غير الشرعية مع سوريا، وهو ما أفقد لبنان فرصة الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي كان من الممكن أن يخفف من وتيرة الانهيار الاقتصادي، بالإضافة إلى استمراره في عمليات تهريب الوقود والقطع الأجنبي من لبنان لصالح النظام السوري ما ولد أزمة غير مسبوقة في قطاع الوقود وانهيار متسارع في قيمة النقد المحلي، إلى جانب زج لبنان في أزمات إقليمية ورميه في الحضن الإيراني ما أفقد البلاد شريان المساعدات الدولية.
ويقول “عيسى”: “يبدو أن المستفيد الأكبر من الازمة هو حزب الله ومن خلفه إيران وهو ما يدفعه لقطع أي محاولات يبذلها رئيس الحكومة ميقاتي لإصلاح العلاقات مع دول الخليج، واعتقد أنه في حال تمكن الحزب من تحقيق مبتغاه فإن رئيس الحكومة سيكون مطالباً بتقديم استقالته وشرح ذلك للرأي العام، على اعتبار أن بقاءه في المنصب سيمنح حزب الله غطاءاً لسياساته”، مشيراً إلى أن دول الخليج ليس لديها أي مشكلات في لبنان ولا مع الدولة اللبناني وإنما مشكلتها الأساسية تتمثل في اختطف لبنان وتحويله لمستعمرة إيرانية على حد قوله.
يشار إلى ان السعودية كانت تعتبر صاحبة أكبر استثمارات أجنبية على الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى أنها واحدة من أكبر جهات التصدير للبضائع اللبنانية، حيث ارتفعت صادرات لبنان إلى السعودية من حوالي 286 مليون دولار إلى حوالي 289 مليون دولار بين 2018 و2019، لتصل إلى 247 مليون دولار في 2020، قبل أن تقرر المملكة حظر استيراد البضائع اللبنانية على خلفية الأزمة الأخيرة المتمثلة بتصريحات “قرداحي”.
في السياق ذاته، يعتبر “عيسى” أن حزب الله يقود حالياً سياسة إستفزازية تجاه دول الخليج بشكل خاص، والتي تتمثل في تبني عمليات تصدير المخدرات إلى السعودية والدعم العلني لعمليات ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانياً ضد السعودية وإظهار التمسك ببقاء “قرداحي” في منصبه، إلى جانب الدعم العلني للمجموعات المعارضة البحرينية المدعومة من إيران، والتصريحات المستمرة للأمين العام للميليشيات، “حسن نصر الله” التي غالباً ما يهاجم فيها حكام الخليج عموماً.
في سياق متصل، يحسب لميليشيات حزب الله، وفقاً “لعيسى” نجاحها في تحويل لبنان من دولة ذات مركز ثقل مالي واقتصادي خلال حقبة التسعينيات ومطلع القرن الجاري، إلى دولة مشتتة وممزقة تحكم بالسلاح المنفلت والأجندات الخارجية، مشدداً على أنه حالياً لا يمكن لعاقلين أن يختلفا على قضية أن حزب الله هو لب الأزمة اللبنانية وأن تلك الأزمة لا يمكن حلها إلا بنزع سلاحه وتفكيك دويلته الخاصة.
يختطف شيعة لبنان ويجمد سواهم
تعلقياً على وضع حزب الله في لبنان وسياسياته، يصر الباحث في شؤون الشرق الأوسط والميليشيات “معتز لحام” على ضرورة التأكيد على أن حزب الله يختطف شيعة لبنان ولا يحميهم، لافتاً إلى أنه يستغل حالة المناخ الطائفي المهيمن على البلاد لترويج صورته كمدافع عن شيعة البلاد.
ويشير “لحام” إلى أن حزب الله يحاول جاهداً ترسيخ المنطق الفكري والعقائدي الإيراني داخل صفوف شيعة لبنان ليس فقط لكسب الدعم المالي والعسكري ووحدة العقيدة بينه وبين النظام الإيراني، وإنما كون تلك العقيدة وبناءها على أسس طائفية وربط الحزب بالبعد الديني يمكنه من فرض سياساته على الشارع الشيعي دون أن يكون هناك أي مجال للجدال، لافتاً إلى ان الحزب عندما ذهب للقتال في سوريا تذرع بحماية المقامات الشيعية في البلاد، وهي الرواية التي زاد إعلامه من التركيز عليها مع تزايد أعداد قتلاه هناك.
كما “يرى” لحام أن الحزب في ذات الوقت يعمد لتجميد دور بقية طوائف لبنان من مسلمين سنة ومسيحيين من خلال قوة السلاح التي يمتلكها، لثبيت حكمه بشكل يساعده على ترسيخ المخططات الإيرانية، مشدداً على أن حزب الله بات حالياً بمثل قوة إحتلال وليس طيفاً من أطياف السياسة اللبنانية، وأن على بقية الدول أن تتعامل مع لبنان كدولة خاضعة للاحتلال.