مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العراقية المقررة خلال الشهر الجاري، يتصاعد الحديث عن آلية التعامل الإيراني مع عراق ما بعد تلك الانتخابات، لا سيما مع تنامي التوقعات بأن تساهم نتائجها بإحداث تغيير ولو طفيف بالوضع القائم في البلاد، على الأقل من الناحية السياسية والهيمنة الإيرانية على مجلس النواب.
تعليقاً على ذلك، يقول الباحث في شؤون الشرق الأسط، “محمد النهار”: “إيران لا تستعد فقط لمرحلة ما بعد الانتخابات العراقية فقط، وإنما لمجموعة من المتغيرات في المنطقة، والتي قد تفرض معادلة سياسية ودبلوماسية جديدة، في مقدمتها تطورات القضية السورية وتراجع حدة التوتر العسكري هناك، والمتغيرات الحاصلة في لبنان وتصاعد قوة التيار المناهض للمعسكر الإيراني، بالإضافة إلى النقطة الأهم وهي التواجد العسكري الروسي في الشرق الأوسط، والذي سيعيد خلط أوراق التوازنات في المنطقة عموماً”، معتبراً أن القيادة الإيرانية الجديدة ستكون مجبرة على التعامل مع ذلك الواقع وفق استراتيجيات جديدة.
شرق أوسط جديد
يصر “النهار” على التأكيد بأن المنطقة العربية عموماً خلال الأشهر أو الأعوام القليلة القادمة ستتغير بشكل ملموس، لا سيما النقاط الساخنة في سوريا والعراق ولبنان، وهو الدول التي تمثل مواقع النفوذ الرئيسية لإيران، لافتاُ إلى أن التغيرات المنتظرة سيكون قوامها الحد من النفوذ الإيراني من خلال عدة عوامل أولها محاصرة حزب الله في لبنان وتقويض سلطة وقوة الميليشيات العراقية الموالية لإيران، والضغط على روسيا لوقف عمليات تدفق المقاتلين والأسلحة الإيرانية إلى سوريا.
ويقول “النهار”: “في سوريا تحديداً هناك تحركات جديدة توحي بأن الأوضاع ستتغير قريباً وفق تفاهمات أمريكية – روسية وإقليمية، وهو ما كشفت عنه وثيقة عمان المسربة، وهذا يعني أن النظام السوري سيتمكن بشكل محدود من العودة إلى الساحة الإقليمية سواء من خلال خط الغاز الواصل إلى لبنان أو من خلال الحد من كميات المخدرات المصدرة عبر حدوده إلى الأردن ومناطق الخليج العربي، طبعاً بالإضافة إلى الدور الروسي في ترسيخ شيء من الاستقرار السياسي في البلاد، وهو ما يتعارض بشكل كامل مع المشروع الإيراني القائم على دعم استمرار التوتر وبقاء منطق اللا دولة المسيطر في سوريا”، لافتاً إلى أن النظام السوري لن يتردد في الانخراط بأي عملية إقليمية مهما كانت محدودة في ظل سعيه لتعويم نفسه مجدداً.
يشار إلى أن وثيقة سرية رسمية أردنية كشفت عن مقاربة جديدة للتعامل مع دمشق، تقطع مع السنوات العشر الماضية وسياسة تغيير النظام السوري، وتدعو إلى خطوات ترمي إلى تغيير متدرج لسلوك النظام، وصولاً إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية التي دخلت سوريا بعد عام 2011 مع الاعتراف بـ”المصالح الشرعية” لروسيا في هذا البلد، بحسب ما أفادت صحيفة الشرق الأوسط اليوم السبت.
أما في العراق، فيشير “النهار إلى أن كل المؤشرات تؤكد على أن إيران لن تكون قادرة على الاستمرار بذات القوة في فترة ما بعد الانتخابات، مشدداً على أن الولايات المتحدة قبل انسحابها المقرر من العراق نهاية العام الجاري، ستعمل على تقوية وتخصيب البيئة المناهضة لإيران داخل الدولة العراقية، دون أن يستبعد إمكانية عودة البعثيين للحكم ولو من خلف ستار معين.
على الجانب اللبناني، يشدد “النهار” على أن حزب الله بات منهكاً تماماً ماليا وبشريا وعسكرياً بفعل جملة أمور، أهمها الحرب السورية التي كانت بمثابة حرب استنزاف له، والأزمة اللبنانية السياسية والاقتصادية التي أفقدته نسبة كبيرة من الحاضنة الشعبية، وهو ما ظهر واضحاً في المظاهرات التي خرجت خلال الأعوام القليلة الماضية في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل الحزب الرئيسي.
ولا يستثني “النهار” ترصد الجيش الإسرائيلي لأي تحركات من الحزب لشن حرب واسعة ومفتوحة ضده، قد تأتي على ما تبقى من قوته العسكرية، موضحاً أنه حتى التحالفات التي أنشأها الحزب مع التيار الوطني الحر تراجعت ولم تعد كما في السابق، لا سيما بعد حملة العقوبات الاقتصادية والحصار الدولي على الميليشيات ومؤسساتها المالية. في ذات السياق، ينتهي “النهار” إلى التأكيد على أن منطقة مثل منطقة الشرق الأوسط لا يمكن فصل التطورات في دولها عن بعضها البعض، فهي أشبه بأحجار الدومينو على حد قوله، لافتاً إلى أن كافة التطورات والتغييرات المنتظرة في المنطقة تتجه للحد من النفوذ الإيراني.
“خطة ب”.. نار تحت الرماد وحديقة خلفية تشتعل
في ظل اتفاقه مع فكرة توجه المنطقة العربية نحو واقع جديد يحد من سلطة وتحرك الإيرانيين، يقول المحلل السياسي “حسام يوسف”: “أمام هذا الواقع يمكن تصور بعض السيناريوهات المتوقعة لسلوكيات النظام الإيراني من خلال سياساته المتبعة في المنطقة عموماً وآلية تفكيره”، لافتاً إلى أن النظام الإيراني من المرجح إن يتجه لما يمكن تسميته بـ “الخطة ب”، لمواجهة تلك التغيرات الاحتفاظ بما يمكن الاحتفاظ به من نفوذ.
معالم الخطة “ب” كما يسردها “يوسف” تقوم على ناحيتين أساسيتين، الأولى هي محاولة التهدئة في الشرق الأوسط والعمل على الحصول على مساحة تحرك سياسي وثقافي واقتصادي بعيد عن العسكرة وهو ما يؤمن لإيران الاستمرار بوجود موطئ قدم لها في المنطقة ويجنبها الكثير من الخسائر، لافتاً إلى أن إيران ستحاول الاحتفاظ بشعلة نار تحت رماد المنطقة لتزيد اشتعالها في الوقت المناسب.
يذكر أن رجل الأعمال السوري “فراس طلاس” الذي كان مقرباً من نظام بشار الأسد، كان قد كشف الجمعة عن معلومات حصل عليها تؤكد توجه النظام السوري لبيع 40 شركة من القطاع العام للنظام الإيراني.
أما العامل الآخر في خطة الإيرانيين، فيشير “يوسف” إلى أنه يقوم على تغيير البوصلة العسكرية باتجاه وسط آسيا، في أفغانستان وأذربيجان على وجه التحديد، وهي التي تمثل الحديقة الخلفية لإيران ومنطقة الصراع الجديدة لإيران مع الولايات المتحدة بشكل خاص، لافتاً إلى ان إيران ستعمل على الاستفادة من سيطرة طالبان على أفغانستان وانهيار الدولة الأفغانية والصراع بين تنظيم داعش والحركة، لإنشاء قوة عسكرية لها داخل البلاد وربما بحجة حماية الشيعة هناك.
ضرورات التفاوض ومرحلة انتقالية
سعي إيران لامتلاك النفوذ في العديد من مناطق العالم خاصة في الشرق الأوسط، يقوم بحسب ما يقوله الباحث في الشؤون الإيرانية، “ميلاد هيداتي”، على حالة الصدام الدائمة التي تبناها النظام الإيراني ضد القوى الدولية، وهو ما يدفعه دائما لاستغلال أي منطقة توتر في ذلك الصدام، تارة لتقوية موقفه في مفاوضات الملف النووي وتارة أخرى للضغط باتجاه رفع العقوبات المفروضة عليه وتارات أخرى لترسيخ ديكتاتوريته والتغطية على جرائمه بحق الشعب الإيراني.
ويلفت “هدايتي” إلى أن إيران تتجه عملياً نحو مرحلة انتقالية جديدة عنوانها الرئيسي “خلافة المرشد”، وهي التي قد تشعل صراعاً كبيراً على السلطة، وهو ما بدا واضحاً خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مشدداً على أن تلك الأمور تدفع النظام الإيراني أيضاً لمحاولة تصدير أزماته إلى الخارج.
كما يوضح “هدايتي”: “في ظل صعوبة إشعال صراعات جديدة في الشرق الأوسط أو استمرار الصراعات القديمة، تكون أفغانستان بشكل خاص منطقة ملائمة لتكون ساحة حرب جديدة، أما في أذربيجان فإن إيران ستحاول أيضاً تأمين مناطقها الداخلية من خلال الأزمة مع أذربيجان، خاصةً وأن طهران تتهم حكومة أذربيجان بدعم الحركات الأذرية الانفصالية داخل إيران”، لافتاً إلى أن الصراعات بشكل عام هي الفكرة الأساسية التي قام عليها النظام الإيراني منذ تأسيسه قبل نحو 42 عاما.