هيئة التحرير
مع تعقيدات المشهد السياسي التونسي وتشابكاته، يرى المحلل السياسي، “فاروق يوسف”، أن رحيل رئيس حركة النهضة، “راشد الغنوشي” عن منصب رئيس البرلمان، لم يعد مصلحة لخصومه فحسب، وإنما تحول إلى مصلحة للحركة ذاتها، على اعتبار أنه سيساعدها بشكل أو بآخر أن تتخطى الأزمة الحالية، المتعلقة بالارتباطات الخارجية.
ويواجه “الغنوشي” اتهامات من قبل المعارضة التونسية؛ بمحاولة ربط تونس بالمشروع التركي في شمال إفريقيا، وعقده اجتماعات سرية مع الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان”، دون علم الدولة التونسية.
في السياق ذاته، فإن الحديث عن إزاحة “الغنوشي”، يعني إزاحة العقبات التي تحول بين الحركة وبين تجديد آليات عملها بما ينسجم مع تطورات الحياة السياسية الداخلية والخارجية، وفقاً لرأي “يوسف”، موضحاً: “سياسته القائمة فرض أجندة إخوانية ستجعل من إقصائه واجباً وطنياً وحزبياً”.
خطوة مريحة لجميع الأطراف
يذهب “يوسف” إلى وصف تنحية “الغنوشي” عن الحياة السياسية بشكل عام، بـ “الخطوة المريحة لجميع الأطراف”، معتبراً أن سياسة الحركة خلال الأعوام التسعة الماضية، والقائمة على محاولة الاستيلاء بشكل كامل على السلطة، شكلت عقبة أمام طريق سير البلاد ما بعد ثورة 2011.
وشاركت الحركة في تشكيل كافة الحكومات التونسية، بنسبة كبيرة وقادة عدد كبير من الائتلافات الحكومية، من خلل النظام شبه البرلماني، التي تم تبنيه في تونس، الذي يقوم على أساس الأكثرية النيابية في تشكيل الحكومات وتوزيع الحقائب الوزارية.
على جهة الخصوم السياسيين للنهضة، فإن غياب “الغنوشي” يعني من وجهة نظر “يوسف”، فرصة لطرح الكثير من التشريعات في مجلس النواب، التي تتعلق بتدعيم الدولة المدنية، ويعيد المجلس إلى وضعه الطبيعي كسلطة تشريعية، على حد وصفه، مضيفاً: “حين تُطوى صفحة الغنوشي تُطوى معها الكثير من الصفحات التي تثقل الحركة بتاريخ ملتبس من العلاقات التي ينبغي عدم الالتفات إليها”.
على الرغم من الحديث بأريحية عامة لاستقالة زعيم حركة النهضة، إلا أن “يوسف” يعتقد بأن “الغنوشي” سيواجه تلك المحاولات والدعوات بعناد شديد، معتبراً أن رد الفعل تلك ستقود بشكل حتمي إلى توسيع دائرة الانشقاقات والحد من قدرت الحركة في الحفاظ على تماسكها.
وكان زعيم الحركة، “الغنوشي” قد أصدر قبل أسابيع قليلة قراراً مفاجئاً بحل المكتب التنفيذي للحركة، وسط تأكيد محللين سياسيين، وجود خطين سياسيين متصارعين داخل الحركة، الأول يمثله “الغنوشي”، أما الخط الثاني فيمثله أبناء التنظيم وقاعدته الانتخابية، ممن أعلنوا معارضتهم توجهات زعيمهم وفريقه.
مسار الديمقراطية ومشاريع إقليمية
على الرغم من وجود حالة توافق على المسار الديمقراطي بين الأطراف التونسية، إلا أن الكاتب “عبد الحميد توفيق” يشير إلى أن تلك الحالة سرعان ما اصطدمت بالأجندات العقائدية للحركة وارتباطاتها بفكر الإخوان المسلمين، معتبراً أن القيادة الحالية للنهضة تعيش حالة هوس سلطة أثر بشكل كبير على الاستقرار الداخلي في تونس، وانتقال تلك الآثار إلى مؤسسات الحكم، التشريعية والتنفيذية.
وتشهد الساحة السياسية التونسية، مطالبات من المعارضة وبعض النقابات المهنية، بإلغاء النظام السياسي الحالي شبه البرلماني، والعودة إلى النظام الرئاسي الذي كان معتمد سابقاً، وهو ما ترفضه حركة النهضة، وتعتبر جزءاً من حملة تستهدف شرعيتها البرلمانية.
الحديث عن سياسات الحركة في الحكم، يمر من خلال ممارسات رئيسها، كما يرى “توفيق”، الذي يتهم “الغنوشي بتعطيل العمل البرلماني والحكومي، بسبب انتهاجه سلوكاً فردياً بعيداً عن منصبه كرئيس للبرلمان، مضيفاً: “ما يضعف حكم الحركة هو ارتباطها وزعيمها بالمشروع التركي بشكل واضح وهو ما ينعكس سلباً على المسار الديمقراطي وسياقات العمل الحكومي والبرلماني”.
في السياق ذاته، يعتبر المحلّل السياسي التونسي، “فريد العليبي”، أن أساس المشكلة في محاولة “الغنوشي” القفز على صلاحياته كرئيس للبرلمان، والتصرف كما لو كان رئيس دولة، وهو ما خلق شرخ بين مؤسسات الحكم، بسبب انزعاج رئيس الجمهورية، “قيس سعيد”، من تلك التصرفات، لافتاً إلى أن “الغنوشي” يسعى لإيصال رسالة من خلال تلك التصرفات، وخاصة لحلفائه في الحكومة التركية، بأنه ممسك بشكل كامل بزمام السلطة وسير الأوضاع في البلاد.
وكان الرئيس التونسي، “سعيد”، قد صرح في وقتٍ سابق، بأن تونس يحكمها رئيس واحد فقط، في إشارة إلى رفضه لسياسات رئيس حركة النهضة وتجاوزه لصلاحياته كرئيس للبرلمان.
تصدير الحلفاء واللعب بالتوازنات
الأزمة التي يعيشها رئيس الحركة على المستوى الداخلي والسياسي، دفعته وفقاً لما يؤكده مصدر تونسي، لمرصد مينا، للممارسة المزيد من الضغط على رئيس الحكومة، “إلياس الفخفاخ”، لتوسيع الحكومة وإشراك حزب قلب تونس فيها، موضحاً: “الغنوشي بات يبحث عن تدعيم موقف حلفائه خارج حركة النهضة وداخل البرلمان، لمنع إسقاطه من منصب رئيس البرلمان، وتثبيت نفسه في الساحة السياسية، خاصةً وأن قلب تونس يستحوذ على المركز الثاني داخل البرلمان من حيث عدد المقاعد، ما يمكنه من مواجهة أي محاولات لعزله، خاصةً وانه الحزب الذي دعمه للوصول إلى كرسي رئاسة البرلمان”.
وكانت وسائل إعلام تونسية، قد كشفت قبل أيام عن تلويح الغنوشي بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها، في حال عدم ضم عناصر من حزب قلب تونس، بزعامة “نبيل القروي”، إلى الائتلاف الحكومي.
أمام تلك التجاذبات والتهديدات، يؤكد النائب عن حركة الشعب، “سالم لبيض”، أن حكومة “إلياس الفخفاخ” لا يمكن أن تسقط إلا في حالة واحدة وهي أن تسحب منها الثقة من قبل عدد 109 نواب في إشارة إلى أن قرار حركة النهضة لا يكفي لاسقاط الحكومة كونها تستحوذ على 54 مقعد فقط.
كما يكشف “لبيض” أن حركة الشعب اتخذت قرارها بعدم الانسحاب من الحكومة، مضيفاً: “تونس أمانة وليست لعبة يتسلى بها من أراد ذلك، والمصلحة الوطنية تتعالى على مصالح وأنانيات بعض الأحزاب ونزواتهم السياسية”.