مع إقرار ميليشيات حزب الله اللبنانية للمرة الأولى وبشكلٍ علني، بوجود احتمالية اندلاع مواجهة مع إسرائيل، تتصاعد التساؤلات حول شكل تلك المواجهة في ظل ما تعيشه المنطقة من أزمات شملت أيضاً كلاً من إسرائيل والحزب، وإذا ما كان الشرق الأوسط سيشهد سيناريو جديد من حرب 2006.
شكل جديد من المواجهة
مصادر لبنانية مطلعة، تكشف لمرصد مينا، جانباً من شكل الضربة، التي يستعد حزب الله لتلقيها من إسرائيل، مؤكدةً أنه بحسب الوثائق الموجودة لدى الحزب، فإن الضربة الإسرائيلية لن تكون حرباً شاملة أو مفتوحة، وإنما ستقتصر على عمليات نوعية وسريعة ضد أهداف محددة وحيوية.
كما تبين المصادر نقلاً عن الوثائق المتوفرة، أن إسرائيل وضعت بنك أهداف يضم مواقعاً سرية وشخصيات قيادية في الحزب، بينها الأمين العام للميليشيات، “حسن نصر لله”، لتكون محور أي تحرك عسكري قادم، مشيرةً إلى أن سيناريو حرب 2006 لن يتكرر ولن تدخل إسرائيل في مواجهات تستمر لأشهر، وفقاً للوثائق.
يذكر أن الوثائق كانت قد حصلت عليها ميليشيات حزب الله اللبناني وسلمت نسخة منها لقائد فيلق القدس الإيراني، “إسماعيل قاني”، والتي تشير إلى أن الضربات العسكرية المحتملة ستركز على منشآت حيوية منها ما هو داخل إيران، واغتيالات لشخصيات ميليشيوية فاعلة.
في السياق ذاته، توضح المصادر أن قيادة الميليشيات اللبنانية وضعت خططها على أساس الوثائق الموجودة لديها، وأن الخطط الدفاعية تقوم على امتصاص أكبر قدر ممكن من الضربات الإسرائيلية من خلال زيادة معدلات الحماية للمنشآت والشخصيات المستهدفة، إلى جانب وضع الردود بطريقة مدروسة تحفظ للحزب ماء الوجه دون أن تجره لمواجهات مفتوحة تفوق قدارته العسكري الحالية.
وسبق لمصادر لبنانية مقربة من الحزب، أن كشفت لمرصد مينا عن أنباء تفيد بأن “نصر الله” انتقل إلى إيران، بعد الكشف عن الوثائق وورود اسمه ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية.
يشار إلى أن رئيس المجلس التنفيذي لميليشيات حزب الله، “هشام صفي الدين”، بدوره قد صرح بأن المعلومات لدى الحزب تشير إلى أن إسرائيل تبحث عن شكل جديدة في المواجهة مع حزب الله.
قدرات صاروخية وحالة اتفاق داخلي
أهم ما ذكرته المصادر بناءاً على الوثائق، أن إسرائيل ستركز في ضرباتها على القدرات الصاروخية للحزب، بهدف شلها تماماً، لا سيما وأنها السمة القتالية الوحيدة، التي تمنح حزب الله خطورة ميدانية فعلية بالنسبة لإسرائيل، لافتةً إلى أن العنوان الأبرز للعمليات سيكون تدمير الصواريخ وبرامج تطوير المسيرات، الذي تقوده طهران في لبنان داخل منشآت الحزب.
وبحسب مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن الميليشيا اللبنانية تمتلك 150 ألف صاروخ متعدد المدى، بين قصير ومتوسط وطويل، والتي يمكنها أن تغطي كل الأراضي الإسرائيلية، في حين اتهمت الاستخبارات الإسرائيلية، عام 2019، إيران بإدارة برنامج خاص بإطلاق المسيرات من لبنان، دون علم الحكومة اللبنانية وبالاشتراك مع حزب الله.
إلى جانب ذلك، تؤكد المصادر أنه للمرة الأولى يكون هناك شبه إجماع بين قيادات حزب الله بشقيها السياسي والعسكري، على ضرورة عدم الدخول في مواجهات مع إسرائيل، نظراً للحالة السيئة، التي يمر بها الحزب على كافة المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
يذكر أن حزب الله خلال العامين الماضيين، كان عرضة لعشرات العقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي شلت الشبكات المالية للحزب، مادفع الحزب إلى تنشيط تجارة المخدرات لتغطية نفقاته، التي تصل إلى نحو مليار دولار في السنة الواحدة، بحسب تقارير وإحصائيات نشرتها وكالة رويترز.
كما يواجه الحزب أزمة سياسية على المستوى اللبناني، بعد تحميله مسؤولية كارثة انفجار مرفأ وتعطيل تشكيل الحكومة، بالإضافة إلى ما يعانيه من آثار عسكرية نتيجة تورطه في العمليات العسكرية في سوريا، والتي أفقدته بحسب إحصائيات غير رسمية 10 بالمئة من قادته الميدانيين.
مقتل سليماني وقواعد جديدة للعبة
تعليقاً على المعلومات التي قدمتها المصادر لمرصد مينا، يشير المحلل السياسي، “ناصر قعبور” أن إسرائيل استفادت كثيراً من درس تصفية قائد فيلق القدس الإيراني، “قاسم سليماني”، موضحاً: “مقتل سليماني خلق قناعة جديدة بأن العمليات النوعية والأهداف المحددة تمتلك قدرة تأثير أكبر من الحرب الشاملة، والتي تتطلب أموالاً طائلة، خاصة وأن تغييب سليماني عن الساحة أثر على القدرات الإيرانية بشكل يفوق شن 20 غارة جوية ضد إيران”.
ويبين “قعبور” أن “إسرائيل” ستتبع نهج الولايات المتحدة، وتكرر سيناريو “سليماني” مع قيادات حزب الله، التي تأثرت بدورها أيضاً من مقتل الجنرال الإيراني، لافتاً إلى أن الشرق الأوسط يشهد حالياً قواعد جديدة للعبة والمواجهة بين المعسكر الإسرائيلي – الأمريكي وبين المعسكر الإيراني.
في السياق ذاته، يوضح “قعبور” أن كلا الطرفين لا يريدان المواجهة الشاملة، وهو ما ستستغله إسرائيل في ضربتها العسكرية المحدودة، مشيراً إلى أن القيادة العسكرية الإسرائيلية لا تريد إنهاء حزب الله وإنما تقليم أظافره والحد من قدراته العسكرية خارج الحدود اللبنانية.
يشار إلى أن المعلومات المتوفر عن حزب الله، تبين امتلاكه نحو 20 ألف مقاتل بالإضافة إلى امتلاكه ترسانة عسكرية تفوق إمكانيات الجيش اللبنانية، إلا أن مشاركته في الحرب السورية منذ 9 سنوات، أفقدته جزءاً كبيراً من تلك القوة.
ظروف اقتصادية وسياسية
قائمة العوامل، التي تدفع باتجاه استبعاد العمل العسكري الشامل ضد حزب الله، تشمل وفقاً للباحثة في سؤون الشرق الأوسط، “ربا شاهين”، عوامل السياسة والاقتصاد داخل إسرائيل، لافتةً إلى أن الساحة الإسرائيلية غير قابلة للدخول في حرب واسعة النطاق، في الوقت الذي تتصاعد فيه المظاهرات الاحتجاجية على الظروف الاقتصادية السيئة، بالإضافة إلى الحالة السياسية والحكومية غير المستقرة.
وكانت إسرائيل قد شهدت خلال الأيام القليلة الماضية، خلافات داخلية هددت الائتلاف الحكومي وطرحت مجدداً سيناريو الانتخابات المبكرة للمرة الرابعة، في أكبر أزمة سياسية تواجه إسرائيل منذ قيامها عام 1948، إلى جانب تواصل المظاهرات الاحتجاجية المطالبة بإقالة حكومة نتنياهو ومحاسبتها.
في حديثها عن العوامل الاقتصادية والسياسية، تضيف “شاهين”: “الحرب قد تكلف إسرائيل أموالاً ضخمة دون أن تحقق مستوى الأهداف المطلوبة، وهنا لا بد من ذكر أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه أسوء أزمة ركود منذ 70 عاماً، بسبب انتشار فيروس كورونا وبعض المشكلات الاقتصادية، وهذا يدفع الحكومة الإسرائيلية إلى تجنب أي وضع يقود إلى المزيد من الهزات الاقتصادية”.
يشار إلى أن تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، رجح ارتفاع معدل البطالة داخل إسرائيل إلى 12 بالمئة، مع احتمالية إغلاق نحو 250 ألف نشاط تجاري واقتصادي مع نهاية العام الجاري، في حال لم تحصل على دعم حكومي.
على الرغم من ذلك، تؤكد “شاهين” على أن إسرائيل لن تفوت فرصة الضعف، التي يعيشها حزب الله لتوجيه ضربات مؤلمة له، ولكن بشكل محدود ومدروس وأقل تكلف، مع التنويه أن الضربات ستكون سريعة ونوعية، ولا تؤثر على الوضع اللبناني العام.
خلفية مكشوفة وشعبية لم تعد موجودة
المخطط الإسرائيلي ضد حزب الله، يراعي بحسب المحلل السياسي، “ميشال بوصعب”، ضرورة حرمان الحزب من استغلال أي عملية ضده لترميم صورته وإعادة بناء شعبيته، كما كان الحال عام 2006، وما روجه الحزب وآلته الإعلامية وقتها، مشيراً إلى أن إسرائيل ستبحث عن تعميق أزمات الحزب وليس منحه متنفساً لاستعادة صورة الحزب المقاوم، وهو ما يدفعها أكثر باتجاه العمليات النوعية.
كما يشير “بوصعب” إلى أن حزب الله لن يرد على الضربات الإسرائيلية، بالشكل الذي يجبر الجيش الإسرائلي على فتح الجبهة، كونه “أي الحزب”، يعلم بأن خلفيته على الساحة اللبنانية مكشوفة وأن لا غطاء سياسي له، وأن حرباً شاملة سترافقها حرب أكثر عنفاً على الساحة الداخلية لنزع سلاحه، وقد تكون الصدمة بخروج تلك الحرب من الضاحية الجنوبية، معقله الأساسي، على حد قول المحلل.
وكانت الضاحية الجنوبية قد شهدت خلال الأشهر الماضية، عدة مظاهرات وتحركات احتجاجية رفضاً للمارسات قيادات الحزب واستخدامه للمعتقلات السرية والقبضة الأمنية، ضد أهالي الضاحية، بالإضافة إلى دعمه لعائلات ضد عائلات في الخصومات الحاصلة.
إلى جانب ذلك، يؤكد “بوصعب” أن الحرب المفتوحة لن تكون الخيار الأنسب للطرفين، سواء حزب الله أو إسرائيل، بسبب ظروفهما الداخلية والحالة الإقليمية ككل.