تتزايد مخاوف اللبنانيين من عودة سيناريو الاغتيالات خاصة بعد اغتيال الناشط الشيعي “لقمان سليم” المعروف بمواقفه المناوئة لـ”حزب الله”، المتهم الأبرز بارتكاب عمليات الاغتيال والخطف خلال السنوات الأخيرة.
وفي الوقت في الذي تتقاعس الأجهزة الأمنية اللبنانية عن حماية المعارضين للحزب، رغم تعرضهم لتهديدات تمس سلامتهم الشخصية، يعتبر محللون أن عجز القضاء عن محاسبة منفذي تلك الاغتيالات السابقة، مؤشر كبير على احتمالية عودتها بقوة، مؤكدين أنها ليست لمجرد التخويف.
وخلال الأيام التي تبعت اغتيال الناشط “لقمان سليم”، تداولت صفحات ومواقع إلكترونية تابعة لـ”حزب الله”، لوائح بأسماء معارضين للحزب من شخصيات سياسية وإعلاميين وناشطين، مرفقة بعبارة “من يشتري بالرخيص سيأتي يوم ويباع بالرخيص”، ما اعتبرها البعض رسالة تهديد جديدة.
بالتزامن مع ذلك أطلق ناشطون موالون للحزب “هاشتاج” بعنوان “إعلام الحقارة بأمر السفارة”، في إشارة إلى السفارة الأمريكية في بيروت، وأرفقوه بقائمة أسماء تضم أسماء الإعلاميين، “مارسيل غانم” و”ديما صادق” و”ديانا مقلد” و”علي الأمين” و”نديم قطيش” و”جيري ماهر” و”رامي الأمين” و”لونا صفوان”، إضافة إلى الدكتور “مكرم رباح” والدكتورة “منى فياض”، وجميعهم معروفون بمواقفهم المناوئة ضد “حزب الله”.
وحدة اغتيالات خاصة
يؤكد الكاتب الصحفي “بشير جبور”، أن هناك قرارا لدى “حزب الله” بتصفية كل الصحفيين والناشطين وأهل الرأي المؤثرين داخل الطائفة الشيعية خاصة، والمجتمع اللبناني على وجه العموم، وذلك لإسكات كل صوت يناهز سياسة الحزب ويكشف صورة الحقيقة في أذهان اللبنانيين، مشيرا الى أن الاغتيالات هي سلاح الحزب الوحيد لإرهاب كل من يقول لا، ومرجحا أن تشهد هذه المرحلة المقبلة عودة الاغتيالات.
“جبور” يؤكد لمرصد “مينا” أن الحزب أعاد تفعيل وحدة الاغتيالات “121” والتي كان يقودها “سليم عياش”، منفذ عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق “رفيق الحريري”، موضحا أن الوحدة المذكورة مرتبطة بشبكة اغتيالات متعددة ومتشابكة، بدأت منذ العام 1979، مع ظهور حكم الملالي في إيران، مشيرا الى أن الوحدة تعتبر المسؤولة عن الكثير من الاغتيالات التي تم تنفيذها بلبنان، وأن أنشطتها لا تنحصر في الداخل اللبناني بل تقوم باستهداف المعارضين بالخارج خاصة في سوريا والعراق.
يشار الى أن صحيفة “واشنطن بوست” كانت نقلت في وقت سابق عن مسؤولين أمنيين أمريكيين وأوربيين، أن فرقة الاغتيالات باسم “الوحدة 121” تخضع للقيادة العليا داخل “حزب الله”، ونشطت على مدار سنوات تحت مظلة كيانات مختلفة وقفت خلف سلسلة من التفجيرات الفتاكة لسيارات مفخخة، كما استهدفت عددًا من القيادات العسكرية والسياسية اللبنانية والصحفيين على مدار عقود، بينهم الرائد “وسام عيد”، المحقق اللبناني في حادث قتل “الحريري”، واللواء “وسام الحسن”، رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، واللواء “فرنسوا الحاج” مدير العمليات في الجيش اللبناني، والوزير “محمد شطح” وجميعهم قتلوا في حوادث سيارات مفخخة بين عامي 2007 و2013.
أما عن آليات عمل الوحدة “121”، يؤكد “جبور” أنها تضم العشرات من العملاء، منفصلين تمامًا عن بعض وعن أي شيء آخر، ويتلقون أوامرهم على نحو مباشر من أمين عام الحزب “حسن نصرالله”، ونائبه، “نعيم قاسم”، موضحا أن الوحدة تتبع في عملها الحرس الثوري الإيراني، وتحديدا فيلق القدس، المسؤول عن العمليات في منطقة الشرق الأوسط.
المنار تدخل على خط التهديدات
خلال الأيام القليلة الماضية، التي تبعت اغتيال “لقمان سليم”، تصاعدت حدة التهديدات لمعارضي “حزب الله” في لبنان، حيث دخلت قناة المنار التابعة للحزب على الخط، و نشرت لائحة أسماء وصور عدد من المعارضين للحزب، بعد مقدمة نشرة أخبار عالية السقف، شنت القناة خلالها هجوماً مباشراً على قناة “إم تي في”، وذلك بعدما كانت قناة “إم تي في” عرضت برنامجاً تقدمه الإعلامية “ديما صادق”، اتهمت فيه “حزب الله” بشكل مباشر باغتيال “سليم”.
المحامي “خليل الحلبي”، يرى أن التصعيد الأخير يحمل رسائل عدة للشعب اللبناني، أولها أن لبنان ليس بخير وأن جميع المؤشرات تؤكد عودة الاغتيالات السياسية الى لبنان قريبا، خاصة أن اغتيال “سليم” جاء بعد تعرضه لتهديدات سابقا، ما يعني أن الحزب يقول للبنانيين اصمتوا او ستلقون المصير ذاته، مشيرا إلى أن ما أسماه “الجيوش الإلكترونية” والحملات التي تقوم بها وسائل إعلام تابعة للحزب، لا يمكن أن تنفصل أو تعمل بشكل منفرد عن الجهة التي تتبعها، لا سيما أنه يتم استخدام وسائل وتقنيات حديثة ويقوم بها أشخاص معينون يتوجهون إلى جمهور واسع ضمن عمل منظم.
بالإضافة الى ذلك، يشير “الحلبي” الى أن الحزب يدرك أنه لا فائدة من تدخل القضاء، خاصة أن المستهدفين بالدعاوى القضائية سيكونون من الخطوط الأمامية للحزب، ما يعني أن القضاء اللبناني سيكون أمام امتحان اليوم، وأي قاضي يلجأ الحزب إليه سيشعر أنه أمام ضغط ما يمثله “حزب الله” من قوة أمنية وعسكرية وسياسية وبالتالي القضاء سيواجه مرحلة مشابهة لما كان قائماً إبان الاحتلال السوري للبنان، بحيث كانت كل السلطات ترضخ لترهيب النظام السوري، السلطة القضائية هي جزء من المشهد السياسي.
وكانت “رشا الأمير” شقيقة الناشط الراحل “لقمان سليم” أكدت خلال تصريحاتها أن شقيقها قد سبق وأشار لتعرضه إلى تهديدات متنوعة، وصلت إلى منزله، مشيرة إلى أن هؤلاء هم من قتله.
وكان الناشط الراحل قد تحدث عن تجمع للعشرات أمام منزله في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت، تزامن مع اعتداء مماثل نفذه مؤيدون لـ”حزب الله” وحركة أمل واستهدف خيمة لنشطاء في بيروت.
وقال “سليم” وقتها إن هناك ربطا بين الاعتداءين باعتبار أنهما نفذا من قبل نفس الجهة وهي جماعة حزب الله متخفين تحت غطاء شعارات علمانية.
أما فيما يتعلق بدور القضاء اللبناني فقد أكدت “الأمير” أنها لا تثق في قدرة القضاء اللبناني، قائلة بسخرية: “هذا قدر وليس قضاء.. قدر سيخنقنا جميعا”، شاكية من تكاسل الأمن في الاستجابة لشكوى شقيقها.