الجغرافية هي نقمة الطبيعة على الدول، وكنوز الأرض هي النقمة الثانية التي تجعل من الدول الضعيفة بين فكي كماشة الطبيعة والخيرات، فيما تكون هذه الخيرات مصدر نعمة وثراء لتلك الدول الغنية، كما أنها سبب لاندلاع الحروب التي أساسها هو الطمع والجشع.
تركيا وليبيا، دولتا المتوسط إحداهما دفعها الجشع للتدخل في الثانية، حيث جذبت الثروات الباطنية الأطماع التركية المستفيدة من حالة الضعف والفوضى العسكرية التي تشهدها ليبيا، في ظل وجود حكومتين متنازعتين على السلطة في البلاد.
عمدت تركيا إلى الطرف الأقرب إليها حكومة “فايز السراج” والتي اتخذت العاصمة طرابلس مقراً لها، اعتمادً على التقارب الفكري في النهج الديني، فكلا القطبين ينتميان إلى فكر الإخوان المسلمين.
عرضت تركيا المساعدة العسكرية على حكومة الوفاق، لكن في السياسية لا وجود للكرم، ولا شيء من دون مقابل، فالدعم العسكري قبضت تركيا ثمنه باهظاً، رسمت الحدود البحرية بين تركيا وليبيا لصالحها، مستغلة الاعتراف الدولي بحكومة السراج، ما يعني أن ليبيا خسرت ثرواتها الباطنية البحرية لصالح تركيا، كما أن السيادة الليبية باتت مهددة في ظل توجه جديد لدعم تركي عسكري أكبر لحكومة السراج، أعلنه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” اليوم الأحد.
الرفض والرد المضاد
فبعد ساعات فقط من إعلان الجيش الوطني الليبي ووحداته البحرية رفع جاهزيتهم للوقوف بوجه التهديد التركي القادم من البحر، بعد التصدي للقوات التركية البرية والجوية، عاد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ليهدد من جديد سيادة الأراضي الليبية، بتوعده بالمزيد من الدعم لحكومة “فايز السراج” التي تسيطر على العاصمة الليبية “طرابلس”.
حيث هدد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” صراحةً يوم الأحد، بتقديم المزيد من الدعم العسكري لحكومة فايز السراج في العاصمة الليبية طرابلس، على الرغم من تصاعد الرفض الدولي للاتفاق البحري الأمني المبرم مؤخراً بينهما، والذي بموجبه تسيطر تركيا على الكثير من الخيرات البحرية قبالة السواحل الليبية، كما تمنح أنقرة تمدد التواجد العسكري فوق التراب الليبي، ما يهدد سيادة واستقلالية ليبيا، ويؤثراً سلباً بمجريات الأمور على الأرض.
وقال أردوغان في خطاب وجهه للشعب: “إن تركيا ستزيد من الدعم العسكري لليبيا إذا اقتضت الضرورة . . . إن أنقرة “ستدرس الخيارات الجوية والبرية والبحرية”.
وأكد الرئيس التركي أن بلاده “لن تتراجع على الإطلاق عن اتفاقاتها البحرية والأمنية المبرمة مع ليبيا”، والتي أثارت جدلا واسعا على الصعيدين الإقليمي والدولي.
فقد أكد رئيس أركان القوات البحرية في الجيش الليبي “اللواء فرج المهدوي” في مقابلة له بثتها قناة العربية، أنّ القوة البحرية الليبية في حالة تأهبّ قصوى تحسبّاً لاحتمال دفع تركيا بمزيد من الأسلحة والجنود إلى ليبيا، تنفيذاً للاتفاق الموقع بينها وبين حكومة الوفاق الوطني، واستجابة لطلب الأخيرة الحصول على دعم لوجستي.
وبيّن اللواء “المهدوي” في حديثه خلال اللقاء التلفزيوني، أن القوات البحرية الليبية مستعدة لكل الفرضيات ولديها من القوة ما يكفيها لصد أي انتهاك تركي للسواحل الليبية، مشيراً في الوقت ذاته، إلى أن هناك رقابة ومتابعة مفروضة على كل السفن القادمة إلى الغرب الليبي.
وأوضح رئيس أركان القوات البحرية في الجيش الليبي الوطني، أن قواته لديها الأوامر بمهاجة القوات التركية، لحماية البر والبحر الليببي، وذلك في إطار الحرب التي تشنها قواته للسيطرة على العاصمة الليبية “طرابلس”: “إن الجيش جاهز للتدخل في أي وقت وتحت أي ظرف، وسيستهدف الأتراك في البحر قبل وصولهم إلى الأراضي الليبية، بعدما استهدفهم برّاً وجوّاً، ولن يسمح بدخول أي دعم للميليشيات قد يعيق تقدمه في معركة طرابلس”.
ماذا يريد أرودغان من ليبيا؟
تتسابق روسيا وتركيا للسيطرة على مفاتيح الصراع الليبي، ولكل منهما أدواته وجنوده على الأرض، روسيا التي تبحث عن تدعيم دخولها للساحة الإفريقية، كقوة موازية للقوة الأمريكية والأوربية في القارة السمراء، وجدت من ليبيا مكاناً خصباً؛ كما أن أرودغان الذي يريد المنافسة على زعامة العالم الإسلامي يجد في مكان ثغرة يتدخل من خلالها.
لكن الأطماع الأردوغانية في ليبيا كبيرة، بحال تمكن من السيطرة على المياه الليبية، سيؤمن دعم خلفي لناقلاته وسفنه التي تنقب عن الغاز والنفط في المياه القبرصية، والتي تتنازع عليها تركيا وقبرص.
إضافة لمشاركة كل من مصر والأراضي الفلسطينية في الحقول النفطية الباطنية بعمق المتوسط، ما يعني أن الأبار النفطية لدول حوض المتوسط ستكون تحت الرقابة التركية، ما يجعل تركيا لاعب مهم في المنطقة، وتكسب بذلك مفاتيح قوة جديدة.
ويقول خبراء: إن تصريحات وتهديدات أردوغان توحي بوجود سباق مع الزمن، لتحقيق طموحات وأطماع اقتصادية وأمنية، تتجاوز الحدود، ولا تلقي بالا لحجم المواقف المناهضة له، ولما قد تؤول إليه هذه المخططات، أمام ضغط المجتمع الدولي.
يحاول “أردوغان” ابتزاز جميع الأطراف اللاعبة في المسألة الليبية، لكنه في نهاية المطاف مُطالَب بحسم موقفه، فترامب يُهدِّده ويعتبر أن تركيا تخذله، ويُلمِّح إلى تنفيذ العقوباتٍ الاقتصاديةالتي فرضها من شأنها تُدمِّير الاقتصاد التركي… والروس يُدركون أن أردوغان يُماطل في تنفيذ ما كان قد وعد به في موضوع إدلب.
أردوغان يعمل مع كل من روسيا وإيران في المسألة الروسية، في ذات الوقت الذي يصرح بأن “الأسد قاتل”، ويدين كل الأعمال “اللإنسانية” التي يقوم بها الأسد داخل سورية، متناسياً أن سبب مآساة السوريين هم الروس والإيرانيين، الذين لو لم يدعموا الأسد لأسقطه السوريون منذ أعوام.
ازدواجية المعايير والقيم لدى أنقرة، أدخلتها في حالة فوضى، لذا فإن أردوغان يعمد إلى خلط الأوراق في ليبيا، لعلمه أن الروس أيضاً بات لاعباً خفياً في المسألة الليبية، لكن خلط الأوراق الليبية لن يفيد كثيراً، ربما تنقلب بشكل عكسي.
يعاني الرئيس التركي من حالة لا يحسد عليها في الداخل، انشقاقات وفضائح داخل الحزب الذي يقوده، ويحكم البلاد باسمه، مطالبات بفتح تحقيق “من أين لك هذا” من قبل “رفيق دربه” أحمد داوود أوغلو، كل ذلك جعله يبحث عن نصر خارجي يصرف به أنظار الشعب عما يجري، وكأنه يريد أن يقول لهم أنا السلطان التركي الجديد، سنرجع أمجاد الماضي!.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.