تقرير من إعداد وحدة الدراسات الاستراتيجية في مرصد مينا الإعلامي
تقدم هذه الورقة قراءة لما آلت إليه الأمور في ليبيا بعد طرد داعش من أغلب مناطقها؛ لكن المشكلة أن التيار الإسلاموي الذي حلَّ محل داعش لا يختلف كثيراً عنها؛ حيث ترصد هذه الورقة أفعال ذلك التيار من خلال المحاور التالية:
- سيطرة تيار المدخلية على مدينة درنة والمنطقة الشرقية بأكملها.
- الغاية من تحرير بنغازي كما صرح زعماء التيار المدخلي؟.
- تكفير العلمانيين والتنكيل بهم!.
- محكمة الجنايات الدولية تتدخل ولكن.
- هل ستبقى ليبيا رهينة للتطرف الإسلاموي؟.
المدخل
داعش بدأت في ليبيا رسمياً من درنة عبر إعلان مبايعتها للبغدادي خليفة للمسلمين، ولقد شكل هذا الحدث صدمة لليبيين والمتابعين معاً رغم أن الفصيل المُبايع لم يكن أقل تطرفاً من فكر داعش وممارساته الوحشية، إلا أن المبُايعة كانت اعلاناً ببدء الصدام العلني مع هذا التنظيم على الاراض الليبية.
ورغم أن التنظيم هزم بشكل رسمي في ليبيا وطرد من درنة وبنغازي وسرت الا أن الفرحة لم تكتمل لدى طيف واسع من المجتمع.
فالتنظيم هزم وطرد من درنة على يد تنظيم متطرف آخر يختلف مع داعش في تفاصيل صغيرة، ولكنه يتفق معه في اغلب ما يسمونه اركان العقيدة وفكرة تحكيم الشريعة ونطاق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ورغم أن التنظيم الجديد (التيار السلفي المدخلي) الذي تولى ادارة المدينة خفف من الكثير من قيود التي فرضها داعش، الا أن غياب مظاهر الدولة المدنية ظل مستمراً بحجة محاربة قوات حفتر والحكومة التابعة للبرلمان في شرق البلاد.
لقد كان التنظيم الجديد يكرر تبعيته لدار الافتاء الموجودة في العاصمة طرابلس، ولكنه لم يعلن ولائه لحكومة المجلس الرئاسي التي تدير اغلب مناطق البلاد وتحظى باعتراف دولي.
تحرير بنغازي ولكن
أما في بنغازي التي دارت فيها رحى حرب عنيفة خلفت عدد كبير من القتلى والمعاقين والجرحى والنازحين، فلم تكن أحسن حالاً بعد تحريرها من قبل قوات الجيش التابع للبرلمان في شرق البلاد وهزيمة تنظيم داعش والتنظيمات الاسلامية الاخرى.
فلقد اتضح أن تنظيماً آخر له اليد الطولى في إدارة المدينة بل والمنطقة الشرقية بأكملها وإن كان تحت ستار القوى النظامية من جيش وشرطة، فلقد تغلغل التيار المدخلي مستغلاً دعمه لحفتر منذ البداية (في شرق البلاد) بل وجعل من حرب ضد داعش والجماعات الإسلامية الاخرى حرباً على (الخوارج) ووفر له الفتاوى الداعمة من قبل زعماء التيار المدخلي من خارج البلاد، ومنح مناصريه الحق في قتل من اسماهم (الخوارج) بدون محاكمات وذلك امتثالاً لأمر الشرع حسب وصفهم.
وهكذا اصبحت حرب تحرير بنغازي حرباً ايدولوجية لإحلال فكر محل فكر، حتى أن قائد قوات الجيش التابع للبرلمان صرح في أحد خطبه قائلاً: نحن نقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
ولا يخفى على المختصين دلالة هذه الكلمة وارتباطها العميق بالفكر الاصولي عامة والسلفية بخاصة، فهو وإن كان ذا خلفية عسكرية قومية، إلا أن هذه الجملة تعكس قوة تأثير التيار المدخلي عليه.
تكفير العلمانيين والتنكيل بهم
كانت حادثة الاحتفال بيوم الارض صدمة ايقضت الكثيرين من نشوة الفرح بتحرير المدينة ليكتشفوا أن القادم ربما يكون أمر، حيث تم اعتقال منظمي الاحتفال بيوم الارض الذي اقيم ببنغازي واتهامهم بالماسونية والعلمانية والدعوة الى العلمانية الكافرة.
ومن بعد حادثة اعتقال منظمي يوم الارض، وقعت حادثة مصادرة كتب وروايات عالمية بحجة مخالفتها لشرع الله وطبعاً كان من قرر ذلك هي هيئة الاوقاف التي تدار من المداخلة في شرق البلاد، والتي لم تترك شكاً في أن تطرفاً آخر يفرض ايدولوجيته في هذا الجزء من ليبيا.
كما تم اعتقال العديد من نشطاء المجتمع المدني بتهمة العلمانية واضطر بعضهم للخروج خارج البلاد بعدما تم تكفيره علانية على المنابر التي لم يعد يعتليها سوى المداخلة.
وأصبحت الاعدامات ورمي الجثث في شوارع بنغازي أمراً معتاداً يتم تنفيذه على من يتهمون بصفة (الخوارج) بدون محاكمات ولا تحقيقات والغريب أن الاعدام كان يتم بطريقة مشابهة لإعدامات داعش، حيث يتم اتهام المعتقلين بالخروج عن دين الله ثم يتم تلاوة آيات واقوال ابن تيميه ومن ثم ينفذ فيهم الحكم.
ومع انتشار ظاهرة الاعدامات المصورة في شوارع بنغازي وظهور رتب عسكرية تقوم بالإعدام مستندة على فتاوى ابن تيميه والسرخسي، طالبت الجنايات الدولية قيادة الجيش الليبي باعتقال هؤلاء وتسليمهم لها، ورغم أن الجيش الليبي أعلن اعتقال بعضهم إلا أن عملية التسليم لم تتم لغاية الان.
وقد أعلنت الجنايات الدولية أن المتهمين لايزالون يواصلون عملهم المعتاد في الجيش الليبي.
ولا شك أن هذه الحوادث تبين تغلل الفكر المدخلي في مفاصل القوات النظامية والضبطية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المؤقتة والجيش التابع للبرلمان.
أما في غرب البلاد فلم يكن الحال بأفضل من شرقها، فبعد صراع مناطقي دامي دمُر فيه مطار العاصمة الرئيس، دخلت العاصمة في صراع بين المليشيات الاسلامية راح ضحيته العديد من القتلى وتسبب في تعطيل مرافق حيوية عديدة، وانتهى الصراع بسيطرة قوات الردع (المدخلية) على القوات التابعة للجماعة الليبية المقاتلة والتشكيلات الموالية للإخوان.
ورغم أن قوات الردع تعلن ولائها للمجلس الرئاسي (كحاكم متغلب) وتتبع وزارة الداخلية إلا أن المظاهر السلفية واضحة في هيئة منتسبيها، وهي أيضا اعتقلت نشطاء مدنيين منهم منظم حفل سبتيموس سيفيروس، والذي شن عليه الخطباء المداخلة من على المنابر هجوماً قوياً بالعلمانية ونشر التفسخ في المجتمع.
كما تم هدم العديد من الاضرحة والمساجد التاريخية من قبل مداخله بحجة أنها اضرحة شركيه تخالف عقيدة السلف الصالح.
ولعل الأمر الذي صدم كثيرين هو اصدار المجلس الرئاسي قرار بمنح صلاحيات لقوات الردع يرى كثيرون أنها تمس خصوصية المواطن وتحد من حريته الشخصية وتعد عودة لحقبة الدكتاتورية.
ومع انتقال البلاد من مرحلة انتقالية لأخرى واستمرار حالة التشظي السياسية والمقامرة من الاطراف السياسية باستخدام ورقة (الدين) وتمكين الجماعات المتطرفة المؤيدة لهذا وذاك تظل ليبيا رهينة التطرف الى اجل حتى وإن رحلت داعش.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.