تعود صواريخ الكاتيوشا مجدداً لتهديد الأمن والاستقرار في العراق مع تعرض مناطق في العاصمة العراقية، بغداد لقصف صاروخي فجر الأحد، وفقا لتقارير صادرة عن خلية الإعلام الأمني العراقية، التي أكدت أن أحد الصاروخين تم تفجيره في السماء فيما سقط الآخر في منطقة مفتوحة لتقتصر أضراره على الماديات.
يشار إلى أن العديد من المناطق الحيوية في العراق بما فيها المنطقة الخضراء والسفارة الامريكية ومطار بغداد ومطار أربيل، قد تحولت خلال السنوات الماضية إلى أهداف للهجمات الصاروخية وسط اتهامات للميليشيات العراقية المدعومة من إيران بالوقوف وراء تلك الهجمات.
وتكشف مصادر أمنية عراقية عن بدء التحقيق في عمليات إطلاق الصواريخ ضد مواقع قريبة من السفارة الأمريكية، لافتةً إلى أن المعلومات الأولية المتوفرة تشير إلى ضلوع الميليشيات المدعومة من طهران بإطلاق الصواريخ، خاصة وأنها من ذات الطراز الذي تستخدمه تلك الميليشيات عادةً.
وتبين المصادر أن فرق التحقيق تضع في حسبانها إمكانية أن تتكرر عمليات إطلاق الصواريخ خلال الفترة المقبلة مع تصاعد وتيرتها في ظل الأزمة السياسية الحاصلة، موضحةً أن تحركات قادة الميليشيات الأخيرة تشير إلى إمكانية استخدامها للتصعيد الأمني خلال الفترة المقبلة.
مؤشرات سلبية وحرب مفتوحة الاحتمالات
تجدد الهجمات الصاروخية على العاصمة العراقية يحمل وفقاً للباحث في الشؤون العراقية “حيدر الحسني” مؤشرات سلبية حول المفاوضات السياسية الجارية في العراق حيال التشكيلة الحكومية ونتائج الانتخابات، بالإضافة إلى التحقيقات الجارية حول محاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية “مصطفى الكاظمي”، معتبراً أن الميليشيات قد تكون لجأت إلى إطلاق تلك الصواريخ لاستعراض القوة وإجبار الحكومة العراقية على تقديم المزيد من التنازلات لصالح الميليشيات.
ويرى “الحسني” أن الميليشيات تخوض حالياً حرباً مفتوحة لتلافي أخطار تهدد مستقبلها واستمراريتها، خاصةً بعد خسارتها للانتخابات النيابية الأخيرة وتصاعد نفوذ المعارضين لها داخل حكومة “الكاظمي” وتجريد عدد كبير من الموالين لها من مناصبهم الامنية، مشيراً إلى أن الميليشيات تقاتل حالياً في معركة وجودية في نظرها، لا سيما وأن الداعم الإيراني بدأ يبحث في إحداث تغييرات في رعاة نفوذه في العراق.
يذكر أن مجموعة من قادة الميليشيات العراقية في مقدمتهم زعيم عصائب أهل الحق، “قيس الخزعلي” كانوا قد أقدموا على تحركات مناهضة للحكومة العراقية في العاصمة بغداد عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخيرة، وسط تهديدات أطلقتها ميليشيات حزب الله العراقي باستهداف رئيس الحكومة، “الكاظمي”.
في ذات السياق، يوضح “الحسني”: “الميليشيات تريد طرح نموذج حل محدد للازمة العراقية بما يتناسب مع سياستها ومصالحها، باستخدام القوة المسلحة والتصعيد الامني، وهذا ما يهدد بانزلاق العراق باتجاه مستنقع قد يبتلع ما تبقى من البلاد ومقدراتها”، مشدداً على أن الحكومة العراقية غير مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة لصالح الميليشيات على اعتبار أن ذلك سيعيد العراق إلى دائرة النفوذ الإيراني بشكل كلي.
اتجاه الميليشيات للمزيد من التصعيد وبحسب ما يراه المحلل السياسي، “جبار الباجه جي”، يرتبط أيضاً بتعهدات أطلقها قادة تلك الميليشيات في اجتماعات سرية مع قادة الحرس الثوري الإيراني، بإعادة الأوضاع في العراق إلى ما كانت عليه قبل مقتل قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني”، مقابل استمرار الدعم المالي والسياسي والعسكري الإيراني المقدم لتلك الميليشيات، لافتاً إلى أن ما يتم تداوله في الساحة العراقية عن إمكانية تحويل الدعم الإيراني لصالح حزب الدعوة، بقيادة “نوري المالكي”، يثير القلق قادة الميليشيات التقليدية، خاصة وأن العلاقات بينم وبين المالكي لا تسير بشكل جيد.
الوجود الامريكي والدعم الدولي والإقليمي
احتمالية انزلاق العراق إلى المواجهات المسلحة بين الدولة والميليشيات، يحتم بحسب “الباجه جي” على المجتمع الدولي ودول الجوار توفير الدعم اللازم لأجهزة الدولة العراقية لمواجهة تلك الميليشيات، مشدداً على أن قطع اليد الإيرانية من العراق سيمثل أيضاً خطوة مهمة في محاربة الإرهاب في المنطقة، على اعتبار أن إيران ساهمت في تحريك مجموعات إرهابية من أفغانستان باتجاه الشرق الأوسط تزامناً مع انطلاق الثورة السورية عام 2011.
كما يذكر “الباجه جي” بدور رئيس الحكومة الأسبق، “نوري المالكي” وقائد فيلق القدس السابق، “سليماني” في دخول داعش إلى الإقليم السني في العراق عام 2014، مشدداً على أن الحكومة العراقية تخوض حرباً بالنيابة عن المجتمع الدولي ضد الميليشيات التي قد تستغل العراق لصالح إيران.
من جهته، يعتبر المحلل السياسي، “جاسم سامرائي” أن الوجود الامريكي في العراق يربك حسابات الميليشيات ويمنعها من السيطرة الكلية على البلاد وإسقاط الحكومة العراقية بقوة السلاح، لافتاً إلى ان إطلاقها للصواريخ لا يحمل نية جدية في التصعيد وإنما مجرد استعراض لأوراقها في البلاد من باب الاستعداد للحرب قد يلغيها.
ويشدد “سامرائي” على أن إيران ترسم للميليشيات سقف تصعيد محدد لا يمكنها تجاوزه، موضحاً: “التصعيد المطلق ليس من مصلحة إيران وهو ما ظهر بشكل كبير وجلي عقب محاولة اغتيال الكاظمي، والزيارة التي أجرها قاني للعراق بعد ساعات من محاولة الاغتيال، لذا فإن تصعيد الميليشيات لن يتجاوز عتبة التهديدات والتلاعب”.
إلى جانب ذلك، يرى “سامرائي” أن الميليشيات في نهاية المطاف ستكون مجبرة على الرضوخ لأي حل تقبل به الحكومة العراقية كونها لا تمتلك الأوراق الكافية لضرب أعدائها خاصة مع انتقال التيار الصدري إلى المعسكر المقابل خارج سرب الميليشيات الموالية لإيران، مشيراً إلى أن إيران ستتجه إلى طرح ورقة الاستقرار في العراق ضمن مباحثاتها مع المجتمع الدولي حيال ملفها النووي.