بينما يتواصل الجدل في البرلمان العراقي بشأن مشروع تعديل قانون منح الجنسية العراقية بما يتيح منحها لمن أقام في العراق عاماً واحداً، تضج وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار حول ضبط دوائر التحقيقات في هيئة النزاهة الاتحادية، معاملات قيود مدنية مزورة منحت على أساسها الجنسية العراقية لأشخاص أجانب في ديالى.
وعلى الرغم من أن خبر الجهات الرسمية لم يذكر هوية المجنسين الأصلية، إلا أن الناشطين تحدثوا عن انتماءات هؤلاء، محذرين من تغيير ديموغرافي قد تشهده البلاد، خاصة في المدن التي تم تهجير أهلها.
وكانت دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة العراقية، كشفت قبل أيام، عن عمليات منح الجنسية العراقية لأكثر من 1360 أجنبي في مدينة خانقين بمحافظة ديالى الحدودية مع إيران، من خلال اعتماد أوراق مزورة، مشيرة الى أنها ضبطت 4333 قيداً مزوراً في المحافظة، تم على أساسها منح الجنسية العراقية لأشخاص أجانب.
بالإضافة الى ذلك، ضبطت دائرة التحقيقات إحدى موظفات الدائرة المتهمة في عملية التزوير، و114 معاملة ترقين قيود مزورة، فيما أوقفت ثلاثة أشخاص بتهمة حيازة وصولات وأختاماً مزورة.
مخطط إيراني لإحداث تغيير ديمغرافي
تعليقا على نتائج تحقيقات هيئة النزاهة، يوضح الخبير القانوني “طارق الحيالي”، أن ما حدث في محافظة ديالى لا يمثل الحالة الأولى، بل حالات كثيرة حصلت، بعضها اكتشف، والبعض الآخر لم يكتشف حتى الآن، مشيرا الى تورط مسؤولين كبار في ديالا وبغداد ومدن عراقية أخرى بعمليات تجنيس لمئات الإيرانيين، بينها نسبة كبيرة تعود لحقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
ويؤكد “الحيالي” لمرصد “مينا” ورود أكثر من 150 شكوى خاصة بعمليات تجنيس من خلال تزوير وثائق، الى المحاكم العراقية يوميا، موضحا أن المحاكم العراقية تتفادى دراسة هذه الشكاوى بحجة أن الملف “خطير جدا”، وأن أغلب المحققين الذي حاولوا معالجتها تم اغتيالهم.
واعتبر “الحيالي” أن عمليات التجنيس تأتي ضمن مخطط إيراني تنفذه الميليشيات الموالية لها في العراق، بهدف إحداث “تغيير ديمغرافي” وإقصاء المكون السني في البلاد لكسب المزيد من المقاعد النيابية خلال الانتخابات، مبيناً أن عملية تزوير الوثائق تمثل جريمة قد تصل عقوبتها إلى السجن 15 عاماً، وإبطال الأوراق المزورة، وإبعاد الأجنبي عن العراق.
يشار الى أن مصادر أمنية عراقية كانت كشفت عن تغلغل لعناصر من المخابرات الإيرانية في دوائر الجنسية العراقية، منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، موضحة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين كان شكل لجنة أمنية عليا للتحقيق في حريق مفتعل طال ملفات الجنسية في منطقة الكرادة وسط بغداد في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، مبينا أن نتائج التحقيق انتهت إلى وجود ضابط عراقي جندته المخابرات الإيرانية في دائرة الجنسية لتزويد مئات الإيرانيين والأفغان بهويات لأغراض وأهداف سياسية.
وربط المصدر بين تغلغل المخابرات الإيرانية داخل مفاصل حساسة في الدولة العراقية في ظل نظام يدير البلاد بقبضة حديدية قبل عام 2003 وحالة الانفلات والضعف التي يعيشها العراق اليوم، لافتا إلى أن مئات الآلاف من هويات الأحوال المدنية وشهادات الجنسية العراقية ومثلها من الجوازات صدرت خلال الأعوام التي أعقبت الاحتلال الأمريكي بهدف تجنيس مبرمج للإيرانيين أو لعناصر أجنبية موالية لإيران.
أرقام صادمة
يرى الباحث “عدنان الطائي”، أن عمليات تجنيس الإيرانيين في العراق بلغت ذروتها بين عامي 2006 و 2014 أي خلال حقبة رئيس الوزراء الأسبق “نوري المالكي”، قبل أن تعود خلال عام 2018 ضمن خطة ممنهجة، معتبراً أنّه “لهذا السبب لم يتم إحصاء التعداد السكاني العام في العراق للعام 2007 والعام 2018 وذلك لإخفاء عمليات التزوير التي حصلت”.
ويؤكد “الطائي” لمرصد “مينا” أن الأرقام الحقيقية لعمليات التجنيس “صادمة وأكبر بكثير من المعلن عنها”، حيث تم تسجيل حوالي 50 ألف عملية في محافظة ديالى، وأكثر من 35 ألف في العاصمة بغداد، بأوامر من قادة بعض المليشيات وغيرها من موظفي دوائر الجنسية.
ضغوط لتعديل قانون الجنسية
لم تقتصر جهود طهران على تجنيس مواطنيها من خلال عمليات التزوير، بل سعت عبر الساسة الموالين لها الى تعديل قانون الجنسية بحيث يتيح في إحدى مواده على منح الجنسية العراقية لمن أقام في العراق عاماً واحداً، حسبما يكشف المحلل “عمران الراوي”، الذي يؤكد لمرصد “مينا”، أن بعض القوى السياسية المتنفذة ومن بينها تحالف “سائرون” المدعوم من التيار الصدري، تمارس ضغوطاً على النواب من أجل حشد التأييد لتعديل قانون الجنسية العراقية.
ويشير “الراوي” الى أن مشروع تعديل قانون الجنسية يحمل في طياته الكثير من السلبيات لا تتناسب مع ظروف العراق الحالية، حيث “يمنح الجنسية لكل شخص يسكن في العراق عاماً واحداً، كما يمنح الجنسية لمن عاش في العراق قبل خمسين عاماً”.
يشار إلى أن قانون الجنسية العراقية المعمول به في العراق، وضع شروطاً عدة لمنح الجنسية للأجانب أبرزها الإقامة لمدة لا تقل عن عشر سنوات، وأن يكون الشخص دخل العراق بصورة شرعية، فضلاً عن كونه حسن السمعة والسلوك، وأن يكون قادراً على العيش سالماً من الأمراض الانتقالية.
ويمنع القانوني الحالي منح الجنسية لأغراض سياسية بهدف التوطين المخلّ بالتركيبة السكانية.