تحاول إيران استغلال الأرضية المشتركة التي تمتلكها مع الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، البلد المجاور لطهران والذي تخوض فيه القوات الأمريكية أطول حرب خارجية منذ عقود، وسابقا حاول الوسطاء الغربيون استغلال الوجود الإيراني ونفوذ طهران في البلد الذي أسقطت القوات الأمريكية حكم جماعة طالبان – المدعومة إيرانيّا – فيه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيول عام 2001.
ويبدو أن إيران تحاول اليوم استغلال تموضعها ونفوذها بغير الخطط السابقة، كخطوة انتقامية للتوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن عقب اغتيال الأمريكان للجنرال ” قاسم سليماني ” الشهر الماضي في بغداد.. هذا ما حذر منه تقرير لموقع ” دا هيل ” الأمريكي، وفي الشهر الماضي اتهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إيران بأن لديها علاقات مع جماعات مسلحة في الشرق الأوسط، ومع حركة طالبان الأفغانية.
وقال بومبيو، في مؤتمر صحفي وقتها، إن إيران تعمل بنشاط لتقويض عملية السلام الأفغانية، من خلال مواصلة دعم الجماعات المسلحة هناك، وأضاف أن الجميع لديه علم بوكلاء إيران في العالم العربي، والنظام الإيراني لديه أيضا علاقات مع حركة طالبان، وجماعات أخرى ذات صلة مثل “تورا بورا” وغيرها، وحذر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، من أن إيران تحاول تقويض المحادثات الأميركية مع حركة طالبان التي ترمي لانسحاب واشنطن، ليأتي تقرير موقع ” هيل “وي حذر من تبعات هذا الانسحاب، وذكر أن من شأنه – أي الانسحاب – التحضير لحملة معادية للولايات المتحدة في أفغانستان.
ويعتبر تسلم خلفة ” سليماني ” الجديد ” إسماعيل قآاني ” لمناصبه، نقطة التحدي الجديدة، فالرجل كان مهندس العلاقات الإيرانية الأفغانية منذ الثمانيات حيث كان المهندس الأساسي وراء تدريب وتوجيه الميليشيات الأفغانية المسلحة، من بينها فصائل طالبان والخلايا المتشددة، إضافة إلى لواء “فاطميون”، كما نشط قاآني في الحصول على دعم سياسي لهذه الجماعات بين قادة الفصائل البارزة في أفغانستان.
وتعتبر أفغانستان من منابر النفوذ الذي يختص به فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والذي يقوده ” قآاني ” خلفا للجنرال المقتول سليماني، وذلك عبر الوحدة “الإدارة 06″، والتي تعمل بالمساعدة في الجهود السياسية والبرلمانية فيما يخص الوجود الإيراني في أفغانستان، كما ويشرف المرشد الأعلى علي خامنئي على هيئة أخرى مختلفة كليا اسمها اللجنة المشتركة للعمليات الخاصة، والتي تحدد الخطوط العريضة للسياسات.
وكان لتلك الإدارات في إيران، دور محوري في عرقلة المجهود الذي تبذله واشنطن في أفغانستان لتحقيق أهدافها، حيث وقفت هذه الجهات عائقا أمام البعثة الأميركية هناك من خلال تغذية وإنماء التنظيمات المعارضة للولايات المتحدة وتعزيز التفرقة السياسية والعرقية بين الجماعات الأفغانية من خلال رعاية قادة الفصائل المتشددة.
كما وعمل فيلق القدس على اختراق عناصر طالبان ودعمهم الخاص لفصائل الحركة، من بينها “الوحدة الحمراء”، مما هدد وجود أمريكا هناك، فقد زودت إيران طالبان ببنادق للقناصة ومعدات موجهة بالليزر ونظارات للمراقبة الليلية وطائرات مسيرة صغيرة للتجسس إضافة إلى معدات للاتصالات، واستفاد عناصر طالبان من تدريب تلقوه من مئات الخبراء العسكريين الإيرانيين.
وعملت إيران على صناعة تنظيمات شيعية في أفغانستان السنية (تحوي أقلية شيعية تسببت بمشاكل بين طهران وكابول) حيث تمكن فيلق القدس من خلق نسخة أفغانية من حزب الله اللبناني بشكل ميليشيات “فاطميون” أعضاؤها من إثنية الهزارة الشيعية الأفغان ومن 1.5 مليون لاجئ أفغاني في إيران. آلاف الأفغان عادوا إلى بلادهم بعد أن شاركوا لسنوات للدفاع عن المصالح الإيرانية في سورية عبر الميليشيات الشيعية العاملة هناك.
وأشار تقرير الموقع الأمريكي أن إيران شجعت القادة الأفغان – في خطابات مسؤولي نظام الملالي في طهران تحت قبة البرلمان – على تبني خطابات معادية للولايات المتحدة، إذ أظهرت اتصالات أميركية مسربة أن إيران شجعت السياسيين الأفغان على استخدام نقاط معادية للولايات المتحدة،وبشكل مشابه لما حدث في العراق، قد تحفز إيران وتشجيع وكلائها الأفغان في سبيل تحقيق نتيجة مماثلة في أفغانستان بمطالبة البرلمان ومختلف التيارات السياسية سحب القوات الأميركية من البلاد، كي يتلاشى أي دعم لوجود القوات الأميركية في البلاد وفي توقيت لا تحدده واشنطن وفقًا لخططها.
يضاف لذلك تعزيز إيران عبر استخدام نفوذها في أفغانستان، لمخاوف التيارات الرافضة لبقاء الجنود والقوات الأمريكية هناك، عبر التهديد بقيام عمليات موجهة ضد القوات الأمريكية، مما يعزز وجهة نظر الداعين لسحب القوات بشكل مستعجل من تلك المناطق، واستنتج التقرير الأمريكي أن مخاطر نمو التأثير الإيراني في أفغانستان حقيقية، ومن المرجح أن تقوم طهران بتعديل قوانين النزاع وأن ترفع من دعمها الخطير لفصائل محددة من طالبان، بالأخص شبكة “حقاني”، لتضم قسما مخصصا لصواريخ أرض – جو.
وتتخوف الإدارة والمسؤولون الأمريكيون من أن أي انسحاب غير مدروس يعزز من فرص انتشار وانبعاث التنظيمات الإرهابية في أفغانستان – مثل تنظيم داعش – بعد الضربات التي وجهت لهم في السنوات الأخيرة.