فجر زعيم ميليشيات حزب الله اللبناني “حسن نصر الله”، قنبلة جديدة في الساحة اللبنانية من خلال إعلانه قدوم سفينة محملة بالمازوت من إيران الخاضعة لعقوبات أميركية، محذرا في الوقت ذاته، من مغبة التعرض لها.
إعلان “نصر الله” يتزامن مع حرب سفن مستمرة بين إسرائيل وإيران، ما اعتبره مراقبون وسياسيون مغامرة أخرى قد تقحم لبنان في جولة جديدة من المواجهات البحرية بين الطرفين، كما اعتبر آخرون أن هذا الاعلان يشكل تحدياً للدولة اللبنانية التي أكدت أن عملية الاستيراد من دون علمها وخارج إدارتها، لتتعالى أصوات مطالبة الدولة اللبنانية بالتدخل لمنع استيراد المازوت من إيران خشية المخاطر والعقوبات الإضافية التي قد يجلبها النفط الإيراني.
وتحذر أوساط سياسية لبنانية من أن هذه الخطوة ستضع لبنان في مأزق أكبر من المرجح أن تترتب عليه عقوبات، وتحمّل قوى سياسية الجماعة المدعومة من طهران المسؤولية عن الوضع الراهن، بسبب هيمنتها على أجهزة الحكم وتدخلاتها الخارجية وأنشطتها المصنفة دوليا “أنشطة إرهابية”.
مأزق جديد ينتظر لبنان
خلال كلمته في ذكرى عاشوراء، أمس الخميس، قال “حسن نصر الله” إن “سفينتنا الأولى التي ستنطلق من إيران محملة بالمواد، أَنجزت كل الترتيبات. حُمّلت بالأطنان المطلوبة… وستبحر خلال ساعات.. إلى لبنان”.
ولم يوضح “نصر الله” ما إذا كانت السفينة ستصل إلى الموانئ اللبنانية، لكنه قال “عندما تصل إلى مياه البحر الأبيض المتوسط نتحدث عن تفاصيل إلى أين وكيف ومتى والآليات العملية وما شابه”. ووعد أن سفناً أخرى ستتبعها لاحقا.
بالإضافة إلى ذلك، أكد “نصر الله” إنه سيعتبر السفينة “أرضاً لبنانية”، ما يعني أنه سيرد في حال تعرضها لهجوم بعدما شهدت سفن مرتبطة بإيران وإسرائيل هجمات في الأشهر الماضية، تبادل الطرفان الاتهامات بالوقوف خلفها.
أولى الردود على إعلان “نصر الله”، جاء من رئيس الحكومة الأسبق “سعد الحريري” الذي حذّر من أن دعما إيرانيا سيجلب مزيدا من “المخاطر والعقوبات” على لبنان، مؤكدا رفضه ما وصفه بـ”مشاريع إغراق لبنان في حروب عبثية تعادي العرب والعالم”.
وبعد وقت قصير على كلام “نصر الله”، علّق الحريري متسائلا ما إذا كانت السفينة الإيرانية “بشرى سارة… أم إعلانا خطيرا بزج لبنان في وحول صراعات داخلية وخارجية”.
وقال في بيان إن “حزب الله”، يعلم أيضا أن سفن الدعم الإيرانية ستحمل معها إلى اللبنانيين مخاطر وعقوبات إضافية على شاكلة العقوبات التي تخضع لها فنزويلا ودول أخرى”، مشددا على أن “اعتبار السفن الإيرانية أراضي لبنانية يشكل قمة التفريط بسيادتنا الوطنية”.
في هذا السياق، توجه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، إلى رئيس الجمهورية ميشال عون قائلاً: “لأسابيع خلت والشركات الخاصة وبعض القطاع الخاص تحاول أن تحصل من وزير الطاقة، على أذونات لاستيراد البنزين والمازوت بأسعاره الحقيقية، بعد أن عجزت الدولة عن تأمينه مدعوما”.
وتساءل جعجع: “هل تدري يا فخامة الرئيس ما الذي سيلحق بلبنان من جراء باخرة المازوت هذه في الوقت الذي متاح فيه استيراد هذه المادة شرعا وقانونا من السوق الدولية لو لم يقم وزير الطاقة بمنع الاستيراد؟”.
وختم: إنكم تتحملّون المسؤولية الكاملة عما يمكن أن يلحق بالبلد من جراء عدم تحرير استيراد النفط والأدوية وغيرها، في الوقت الذي تتركون فيه حزب الله، يقوم بالأمر بوسائل ملتوية وغير قانونية دوليا ستعرِّض لبنان لكارثة حقيقية”.
المحامي “خليل الحلبي”، يرى أن السفن الإيرانية التي أعلن “نصر الله” قدومها تخرق العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، مستبعدا أن يتحمل لبنان مسؤولية استيرادها، لأن قضية خرق السفينة للعقوبات من عدمه تتوقف على إن كان هناك تحويل مالي من الحكومة اللبنانية أو من داخلها إلى إيران مقابل المازوت القادم.
كما يشير “الحلبي”، إلى أن حزب الله يتعاطى بمنطق أنه لا تهمه هذه العقوبات إن حدثت ولا يكثرت لها، مشددا على أن “حزب الله هو مسؤول عن الأزمة في لبنان وهو من يهرب البنزين إلى سوريا”.
رجال أعمل شيعة على خط الأزمة
في حين لم يقدم “نصر الله” تفاصيل إضافية عن الوقت المحدد لإبحار السفينة وأين ومتى وكيف سترسو في لبنان وهل أن المازوت الإيراني هبة للبنان وكيف سيوزّع، أفادت وسائل إعلام إيرانية، أن شحنات الوقود الإيرانية إلى لبنان تم شراؤها بالكامل من رجال أعمال شيعة.
وكشفت مصادر مطلعة أن رجال أعمال شيعة لبنانيين في الصين دفعوا ثمن شحنات الوقود الإيراني بالدولار مقابل الحصول على خدمات من الحكومة الصينية لهم كمثل تخفيف الضرائب والرسوم على شركاتهم في الصين.
وبحسب المصادر فن هؤلاء اشتروا شحنات الوقود حسب سعر صرف الدولار في السوق الإيرانية غير الرسمية بمعدّل 8 أمثال (أو ما يُعرف ببلات) للدولار الواحد، وذلك بحسب منصة دبي platt المختصة بتحديد أسعار النفط والغاز عالمياً.
أما حول آلية نقل المازوت إلى لبنان، فقد أوضحت المصادر أن مرفأ بانياس في سوريا سيكون وجهة البواخر الإيرانية بدلاً من مرفأ بيروت، حيث سيتم تفريغها في صهاريج لتُنقل مباشرة إلى لبنان.
مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “لوري هايتيان”، توقعت في تصريحات صحفية، أن تُبحر الباخرة من مرفأ بندر عباس في جنوب إيران لتمرّ بمضيق باب المندب ثم مضيق هرمز فالبحر الأحمر ثم قناة السويس لتتّجه بعدها إلى لبنان بعد أن تستغرق رحلتها نحو 15 يوماً”.
وقالت “إذا رست باخرة المازوت الإيرانية في مرفأ بيروت فإن الدولة اللبنانية ستتعرّض للعقوبات الأميركية”.
ولم تستبعد “أن يكون رجال الأعمال الشيعة اللبنانيون الذين أعلن أنهم دفعوا ثمن بواخر النفط الإيرانية مُدرجين على لائحة العقوبات، لأنه ليس من السهل التجارة بالنفط الإيراني في وقت العقوبات الأميركية ستكون بالمرصاد”.
استعراض إعلامي مكرر
المحلل السياسي “خلدون بيضون” يرى أن ما أعلن عنه “نصر الله”، حول توجه سفينة نفط إيراني إلى لبنان مجرد استعراض إعلامي، مشيرا إلى أنها ليست المرة الأولى التي يعلن الحزب فيها استقدام النفط الإيراني.
ويؤكد “بيضون”، أن أزمة الوقود في لبنان لا يمكن حلها باستيراد سفينة أو عدة سفن، خاصة مع تزايد عمليات تهريب البنزين والمازوت إلى سوريا.
يشار إلى أنها ليست هذه المرة الأولى التي تُثار فيها أزمة الدعم الإيراني، ففي نهاية يونيو/حزيران الماضي، أثارت تغريدة للسفارة الإيرانية في توتير جدلًا واسعًا بشأن وصول شحنات نفط من طهران إلى بيروت.
وجاءت التغريدة بعد حديث للسفيرة الأميركية “دوروني شيا” لقناة “الجديد” اللبنانية، حول ردّ فعل واشنطن حال وصول الشحنات الإيرانية إلى موانئ بيروت.
وأكدت السفيرة الأميركية وقتها أن استيراد النفط من إيران ليس حلًا للأزمة الراهنة في لبنان، وأن هناك حلولًا أفضل بكثير من اللجوء إلى طهران، مطالبةً السلطات اللبنانية بالتخلص من الفساد في قطاعي الطاقة والكهرباء.
وعلى وقع الانهيار الاقتصادي المستمر منذ عامين الذي صنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ 1850، يشهد لبنان منذ أشهر أزمة محروقات متفاقمة تنعكس بشكل كبير على مختلف القطاعات من مستشفيات وأفران واتصالات ومواد غذائية.
وخلال الأشهر الماضية تراجعت تدريجيا قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التيار لكافة المناطق، ما أدى إلى رفع ساعات التقنين لتتجاوز 22 ساعة يوميا. ولم تعد المولدات الخاصة قادرة على تأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء.
وتفاقمت الأزمة أكثر مع إعلان مصرف لبنان منتصف الأسبوع الماضي نيته فتح اعتمادات لشراء المحروقات بالدولار بسعر السوق، ما يعني عمليا رفع الدعم عن هذه المواد الأساسية، الأمر الذي أثار هلعا بين الناس.