هيئة التحرير
تزامناً مع بدء الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون” لزيارته الثانية إلى لبنان خلال أقل من شهر، تطفوا إلى السطح عدة تساؤلات حول قائمة الطلبات أو الشروط، التي يحملها بجعبته إلى الطيف السياسي اللبناني، خاصةً مع ما كشفه الصحفي الفرنسي المرافق “لماكرون”، “جورجي مالبورن”، لما دار بين الرئيس وبين عضو البرلمان اللبناني عن حزب الله، “محمد رعد”.
وكان الصحفي الفرنسي قد أكد أن “ماكرون” شدد خلال خلوته مع “رعد” والتي استمرت لثمانية دقائق، على ضرورة سحب حزب الله لعناصره من سوريا واليمن، وإعادتهم إلى لبنان، كواحدة من الطلبات الدولية، لافتاً إلى أن الخلوة تمت خلال الزيارة الأولى وجاءت بطلب من النائب “رعد”.
لبنان الصغير والمطالب الكبيرة
أمام ما كشفه الصحافي الفرنسي، يشير الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “ميلاد عرجي” لمرصد مينا، إلى أن مشكلة المجتمع الدولي عموماً لا تتوقف عند سياسات حزب الله داخل الأراضي اللبنانية، بل على العكس تكمن في تورطه بالأزمات خارج لبنان، لافتاً إلى أنه في هذه الحالة من الطبيعي أن تشمل قائمة “ماكرون” إنهاء أي دور للحزب خارج الحدود اللبنانية، لا سيما ضمن إطار مبدأ حياد لبنان، الذي تطالب به القوى الدولية.
إلى جانب ذلك، يعتبر “عرجي” أن التركيز الدولي على مطلب حياد لبنان، يؤكد على أن مهمة “ماكرون” تستهدف بشكل خاص سياسات الحزب على المستوى الخارجي وبدرجة أقل بكثير تصرفاته وممارساته على الساحة الداخلية، مضيفاً: “لو فعلاً أراد ماكرون قيام الدولة اللبنانية، لتحدث عن المعتقلات السرية وشبكات الاتصالات والأجهزة الأمنية الخاصة بالحزب، والسلاح المنفلت والاغتيالات على الساحة اللبنانية والوضع المعيشي الصعب، قبل الحديث عن ارتباط الحزب بإيران وحربه في اليمن وسوريا”.
وبحسب تسريبات الصحافي، فإن “ماكرون” خلال الخلوة طالب “رعد” بضرورة التخلي عن الأجندة الإيرانية وأن يتذكروا بأنهم لبنانيون، والتخلي عن التورط بالصراعات الإيرانية في المنطقة.
شمول قائمة الشخصيات والتيارات السياسية، التي سيعقد “ماكرون” لقاءاته معها، لممثلين عن الحزب، يرى فيه المحلل السياسي “ميشال بوصعب” مؤشراً على أن مشكلة المجتمع الدولي ليست مع الحزب ووجوده ضمن المعادلة السياسية المحلية، وإنما في ارتباطاته أولاً وسلاحه ثانياً، مرجحاً أن يكون ملف سلاح الحزب على طاولة المباحثات اللبنانية – الفرنسية.
وبحسب جدول أعمال زيارة “ماكرون” فإن النائب “محمد رعد” سيكون من بين الشخصيات، التي سيجتمع بها الرئيس الفرنسي، اليوم الثلاثاء.
ديكورات والقضية في الضاحية..
على الرغم من عمق الأزمة اللبنانية وتشعباتها وكثرة الأطراف اللبنانية الفاعلة فيها، يعتبر المحلل “بوصعب” أن الهدف الرئيسي من زيارة “ماكرون” هو حزب الله وأنشطته الخارجية بشكل مباشر وخاص، موضحاً: “إذا نظرنا إلى المعادلة السياسية اللبنانية، فإن كل الأطراف فيها عبارة عن كومبارس، يدورون في فلك حزب الله؛ الآمر الأول والأخير في البلد بفضل سلاحه، فالحزب هو من جاء بعون رئيساَ للجمهورية وهو من أتى بحسان دياب رئيساً للحكومة وهو من أقر ذهاب لبنان باتجاه المعسكر الإيرانية وهو الجهة التي تحدد موعد الحرب مع إسرائيل وموعد السلم، وهو من يحدد متى يعطل البلاد ويدخلها في الفراغات الدستورية”.
كما يؤكد “بوصعب” أن المجتمع الدولي بعمومه و”وماكرون” بشخصه يدركون حقيقة أن لا صوت في لبنان فوق صوت سلاح الحزب، وأن حل المعضلة اللبنانية يكمن في نزع ذلك السلاح، مشيراً إلى أن مصير لبنان يتخذ في طهران ويصدر من ضاحية بيروت الجنوبية، وليس من السراي الحكومي أو قصر بعبدا.
وبحسب مصادر دولية فإن قوة حزب الله العسكرية وصلت حتى مطلع 2016، إلى 20 ألف جندي عامل و25 ألف احتياطي، في حين يصل حجم التمويل الإيراني للميليشا حوالي مليار دولار سنوياً، وتتخذ من ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان معاقلاً لها.
أما عن المطلوب دولياً في الفترة الحالية، فيحصره “بوصعب” بثلاثة شروط، أولها خروج ميليشيات حزب الله من سوريا وإغلاق المعابر الحدودية غير الشرعية، التي يديرها الحزب بين البلدين وحصر نشاطه في لبنان فقط، وثانيها التخفيف من قوة الترسانة العسكرية للحزب والتوجه أكثر نحو العمل السياسي، وثالثها تخفيف الحزب من سطوته على الحكومة والقرار اللبناني ولو بشكلٍ محدود، لافتاً إلى أن الحديث عن تعديلات سياسية وجذرية ومباحثات مع كتل سياسية وتغيير أنظمة هو مجرد استهلاك إعلامي وديكور إضافة للمشهد حتى يكتمل.
تقاطعات وزيارة إنقاذ محتملة
تناول “بوصعب” للب زيارة “ماكرون” وجوهرها، أيده الخبير في الشؤون الحزبية اللبنانية، “فادي عيدو”، معتبراً أن ترشيح السفير “مصطفى أديب” لرئاسة الحكومة، من قبل رؤساء حكومات سابقين ودعمه من الثنائي الشيعي أمل-حزب الله، دليلاً واضحاً على أن مهمة “ماكرون” ليست خلق بنية سياسية جديدة في لبنان، وإنما تعديل الواقع السياسي الحالي.
وكان الرئيس اللبناني، “ميشال عون” قد أصدر قراراً بتكليف “أديب” بتشكيل الحكومة الجديدة، خلفاً لحكومة “حسان دياب” المستقيلة، بعد سلسلة مشاورات استمرت لساعات.
تطورات الملف اللبناني واجتماعات الرئيس الفرنسي، تثبت وفقاً “لعيدو” أن مهمة “ماكرون” بعيدة كل البعد عن مطالب الشعب اللبناني، بإقصاء الطبقة السياسية بكاملها وتشكيل حكومة كفاءات، والتخلص من الحكم الطائفي، لافتاً إلى أن من يعتمد عليهم “ماكرون” ويجتمع بهم لنهوض لبنان، هم أنفسهم من يعتبرهم الشعب اللبناني أصل المشكلة والأزمة والمآسي، بما فيهم حزب الله، المحرك الأول للمشكلات، على حد قوله.
كما يذهب “عيدو” في تحليلاته إلى أنه ليس من المبالغة اعتبار جولة “ماكرون” وزيارتيه الأولى والثانية، مسعى لإنقاذ الفئة السياسية من خلال امتصاص عضب الشارع على خلفية انفجار ميناء بيروت، 4 آب الماضي، مضيفاً: “يجب أن لا ننسى بأن جزء كبير من الطبقة السياسية اللبنانية يدين بالولاء لفرنسا ويمثل نفوذها على الأراضي اللبناني، اعتقد أن على اللبنانيين أن لا يعلقوا الآمال على الزيارة والجهود الفرنسية في تلبية مطالبهم المباشرة”.
نصر الله تحت السكين..
على الرغم من نظرته لعدم جدية فرنسا في التعامل مع المطالب الشعبية اللبنانية، إلا أن “عيدو” يؤكد على جديتها في التعامل مع ملف حزب الله وسلاحه، مشيراً إلى أن فشله في إقناع الحزب بالقبول بالمطالب الدولية، يعني أن رقبة الأمين العام للحزب، “حسن نصر الله” قد تصبح تحت سكين الاغتيال، وهو ما اتفق عليه أيضاً الخبيرين “بوصعب” و”عرجي”.
في السياق ذاته، يشير “عرجي” إلى أن الوصول إلى “نصر الله” لن يكون أكثر صعوبة من الوصول إلى قائد فيلق القدس، “قاسم سليماني”، معتبراً أن المجتمع الدولي، قد يلجأ إلى تصفية “نصر الله” والعمل على وصول قيادات جديدة أقل ارتباطاً بطهران وتمسكاً بالسلاح.
إلى جانب ذلك، يوضح “بوصعب” أن الولايات المتحدة وحتى إسرائيل، تحاول حالياً تجنب الوصول إلى سيناريو اغتيال “نصر الله” لما قد يحمله من توتر أمني في بلد منهك اقتصادياً ومعيشياً وسياسياً، معتبراً أن زيارة “ماكرون” تأتي فقط كمحاولة لتمرير الطلبات والشروط الدولية دون الحاجة إلى استخدام القوة، على حد قوله.
ويعاني لبنان من سلسلة أزمات على كافة الأصعدة، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 50 في المئة وارتفاع معدلات البطالة إلى 35 في المئة، ووصول حجم الدين الخارجي إلى اكثر من 90 مليار دولار.