لطالما اتصف الحضور النسائي في جماعة الإخوان المسلمين بالمحدودية وكان دورها- كما حدّده مؤسس الجماعة حسن البنا- مُختزلاً بأمور الأسرة وتربية النشء “تربية إسلامية سليمة” حتى بات التحيز النوعي ضد المرأة سمة طاغية في أدبيات الجماعة، وفي إطارها التنظيمي، حين استحوذ العنصر الذكوري فيها على الأدوار القيادية داخل هياكلها المختلفة، الحزبية، والتنظيمية، والعملياتية، لعقود خلت.
ولكن منذ بدأ الألفية الجديدة، طوّر الإخوان المسلمون، وخاصة المقيمون في الدول الأوربية، أدواراً جديدة للمرأة الإخوانية، بحيث أصبحت “واجهة” للعديد من الشبكات العاملة لصالح الجماعة، في خطوة يربطها مراقبون بمساعي الإخوان للتناغم مع الواقع القائم في تلك الدول، وإظهار جماعتهم بمظهر المنظمة المتحضّرة والمنسجمة مع القيم الغربية.
أمثلة حيّة..
على سبيل المثال، تقود ناشطتان من الجماعة اثنتين من أهم المنظمات المظليّة المرتبطة بالإخوان في بريطانيا.
رغد التكريتي، نجلة أحد أعلام حركة الإخوان المسلمين في العراق، أسامة التكريتي، وشقيقة القيادي البارز ومؤسس مركز قرطبة، أنس، تشغل منصب رئيسة مجلس شورى الرابطة الإسلامية في بريطانيا (ماب) منذ فبراير الماضي، في سابقة هي الأولى من نوعها إذ أنّ المنصب احتكره الرجال على الدوام. كما كانت قبل ذلك رئيسة مجلس إدارة الرابطة منذ 2020، كأول امرأة قادت (ماب) منذ تأسيسها في 1997.
أمّا المجلس الإسلامي في بريطانيا (المجلس الإسلامي البريطاني MCB) الذي يعتبر أكبر وأهم منظمة دعم سياسي تعمل باسم المسلمين في بريطانيا، فيقوده اليوم، الناشطة من أصول باكستانية زارا محمد، حيث جرى انتخابها لتكون أصغر وأول سيدة في منصب الأمين العام للمجلس في يناير 2021.
وفي بريطانيا أيضاً، تشغل العراقية “لانة الصميدعي” منصب رئيسة جمعية المرأة المسلمة للمستقبل (MWS). والجمعية عضو في “مجلس مسلمي أوروبا” (اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا FIOE سابقاً) الذي يعتبره متخصصون في جماعات الإسلام السياسي بمثابة الجناح الأوروبي لتنظيم الإخوان المسلمين العالمي.
وفي ألمانيا، تبرز الطبيبة من أصول سورية “هويدا تارجي” كإحدى أبرز قيادات الجماعة هناك، فهي عضو في “الجالية الإسلامية الألمانية” (DMG)، المنظمة التي أسقط “المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا” (ZMD)أواخر يناير الفائت عضويتها بسبب صلتها بجماعة الإخوان. كما كانت “تارجي” نائبًا لرئيس الجالية الإسلامية في ألمانيا من عام 2006 إلى عام 2010، ووفقًا لسجل جمعيات محكمة مقاطعة كولونيا بين عامي 2015 و2018، كانت عضوًا في مجلس إدارة الجمعية، وهي أيضًا عضو مجلس إدارة المجلس المركزي للمسلمين.
وكانت إحدى شقيقات تارجي، هبة تارجي، عضوًا سابقًا في مجلس إدارة المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة، وعملت أيضًا في مركز فرانكفورت الذي شارك في تأسيسه ابراهيم الزّيات.
ويندرج في هذا إطار الواجهات الإخوانية ذات الإدارة النسائية أيضاً “المركز الإسلامي لإعادة تدريب وتأهيل النساء المسلمات” في كولونيا الذي تأسّس عام 1996 من قِبل أمينة ثيس (إريكا ثيسن سابقاً) وهي واحدة من أكثر النساء المسلمات نشاطاً في ألمانيا. ولدت في كولونيا واعتنقت الإسلام في عام 1987. ويرأس مجلس إدارة المركز حالياً هانيم إزدار.
أما في بلجيكا فلدينا المنظمة الشبابية الشهيرة؛ “منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية” (FEMYSO) وهي الذراع الطلابية لمجلس مسلمي أوروبا (اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا سابقاً).
تم إنشاء “فيميسو” في عام 1996، وعلى مر السنين، طور المنتدى علاقات شراكة مع مجلس أوروبا والمفوضية الأوروبية والعديد من المنظمات المهمة الأخرى على المستويين الأوروبي والدولي، وقد تلقت ثلاث منح بين عامي 2010 و2016، وفقًا لرد مكتوب من المفوضية في عام 2017. الأمر الذي أثار أزمة بين فرنسا والمفوضية الأوروبية أواخر العام 2021 على خلفية اتهام باريس لـ “فيميسو” بالتحريض على الكراهية ونشر الفكر المتطرف.
ويبدو أنّ هذه الاتهامات دفعت جماعة الإخوان إلى تصدير الوجوه النسائية إلى واجهة “منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية”، ففي 1 نوفمبر 2021، أعلن المنتدى أنه خلال جمعيته العامة الخامسة والعشرين، انتخب لجنة تنفيذية جديدة للفترة 2021-2023، بحيث باتت “هاندي تانر” وهي ناشطة إسلامية من هولندا، رئيسة للمنتدى، كما تضمّن مجلس الإدارة الحالي؛ فاطمة حلاوة وهي مديرة التنمية الداخلية (إيرلندا)، ومديرة التدريب السابقة لـ FEMYSO، وابنة زعيم الإخوان المسلمين في إيرلندا حسين حلاوة. إضافة إلى هبة لطرش، رئيسة جمع التبرعات (فرنسا) والأمين العام السابق لفيميسو، علماً أنها ابنة الناشط الإسلامي الفرنسي محمد الناصر لطرش الذي جمّدت الحكومة الفرنسية أصوله في عام 2014 بعد دفاعه عن أعمال الإرهاب الجهادي في سوريا.
الهدف من تصدير الوجوه النسائية؟
ويبدو أن تعيين النساء في مثل هذه المناصب العليا يهدف أساساً إلى تلميع صورة الجماعة وتحصينها ضد النقد الاجتماعي، والتماهي مع التوقعات المتصوَّرة لصانعي القرار السياسي الأوروبيين فيما يتعلق بتمكين المرأة.
في المقابل يعتقد مراقبون أنه لا يمكن التعويل على الإخوانيات المتصدرات للمشهد في إعادة صياغة المواقف الدينية المُحافظة للجماعة حيال المسائل الجدلية التي تمس حرية المرأة المسلمة، كالحجاب مثلاً.
وترى د. هدى النعيمي في ورقة بحثية منشورة في موقع ترندز أنّ المرأة الإخوانية لا تشكل حركة “نسوية” بالمعنى الحقيقي للكلمة، والتي ترتكز فكراً وسلوكاً على تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، وتضيف بأنّ نساء الإخوان “فواعل حركية مسخرة لخدمة النخبة من رجال الجماعة، ويرتكز نشاطهن على حشد التصويت لمرشحي الإخوان المسلمين، واستغلال مهاراتهن التنظيمية في إدارة الحملات السياسية والانتخابية وتنظيمها، ولكسب عضوات جدد وتجنيدهن للعمل الإخواني”.
وبحسب الورقة البحثية فإنّ نساء الجماعة لا يعملن جدياً على تحقيق المساواة أو محاولة تغيير الثقافة السائدة داخل الجماعة التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية.. فالمرأة الإخوانية، منذ انخراطها في الجماعة تتبع سلطة الرجل والثقافة الأبوية في العمل السياسي، ولن يكون بمقدورها أن تكون مؤمنة بقيم المجتمع المدني الذي يوجد فيه الجميع ضمن دستور علماني يؤسس للمساواة والمواطنة والحريات والعدالة الاجتماعية، لأنها قبلت بالتبعية والتنفيذ دون نقاش.
مراجع:
https://femyso.org/we-are-femyso/executive-committee/
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.