تمسك نظام الأسد وحلفاؤه بإجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا، وسط رفض أمريكي وغربي، ما أثار التساؤلات حول طبيعة المواقف الدولية، ومدى تأثير نتائج تلك الانتخابات على الحل السياسي، ومستقبل مفاوضات اللجنة الدستورية.
وبينما يتوقع مراقبون إقدام الأطراف الدولية خاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية على تبني نهج مغاير بالتعامل مع النظام الذي تحدى المجتمع الدولي وضرب بالحائط بنود قرار مجلس الأمن 2254، الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي، وتأمين البيئة الآمنة والمحايدة، وإقرار دستور جديد للبلاد، وصولاً إلى إجراء انتخابات بإشراف ورقابة الأمم المتحدة، يرى آخرون أن الكلمة الأخيرة تبقى لروسيا التي ترى الانتخابات شأنًا داخليًّا سوريًّا يتوافق بالكامل مع الدستور السوري لعام 2012، والقوانين المحلية، ولا تتناقض بأيّ شكلٍ من الأشكال مع قرار مجلس الأمن “2254” وغيره من القرارات الدوليّة التي تخدم سيادة سوريا.
مساء أمس الخميس، أعلن رئيس مجلس الشعب التابع للنظام السوري “حموده صباغ”، مساء الخميس، فوز “بشار الأسد” بالانتخابات الرئاسية بنسبة 95.1 بالمئة.
وخلال مؤتمر صحفي لإعلان نتائج الانتخابات، قال صباغ، أن “14 مليون من بين نحو 18 مليون يحق لهم التصويت شاركوا في الانتخابات” دون تقديم تفاصيل أخرى.
يشار إلى أن نظام الأسد أجرى خلال اليومين الأخيرين، انتخابات رئاسية هي الثانية من نوعها منذ انطلاق الثورة السورية، في المناطق التي يسيطر عليها داخل البلاد، وسط غياب أكثر من نصف المواطنين الذي تحولوا إلى نازحين ولاجئين، متجاهلا بذلك قرارات مجلس الأمن.
وكانت بعض المناطق السورية حتى الخاضعة لسيطرة النظام، قد شهدت احتجاجات على الانتخابات، واعتبرتها “مسرحية” ستقود لتمديد ولاية بشار الأسد، كما استنكرت الولايات المتحدة في بيان مشترك مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، الثلاثاء، انتخابات النظام السوري، معربةً عن دعمها للمعارضة السورية.
المواقف الدولية لن تتغير
يرى المحلل السياسي، والمختص في الشأن السوري “خالد برمو”، أنه لن يحدث أي تغيير أممي أو أمريكي في طريقة التعاطي مع النظام، مرجحا أن تقتصر المواقف ضد النظام على التنديد والشجب، بعد الانتخابات، لافتا إلى أن التغير الأمريكي الطفيف في السياسات الأمريكية تجاه النظام السوري منذ تنصيب الرئيس “جو بايدن”.
“برمو” اعتبر أن موقف واشنطن الرافض لهذه الانتخابات الصورية والحديث الصريح عن حقيقة النظام القمعية والاستبدادية، يأتي خلافا لما كان عليه الموقف في فترة “ترامب” حين أعلن الرئيس الأمريكي بوضوح أنه غير مهتم بالملف السوري. كما يشير “برمو” إلى إعلان إدارة “بايدن” منذ بداية فترتها عن تمسكها بالقرار الدولي 2254 كمسار متفق عليه للمضي قدما في الملف السوري.
ولم يستبع “برمو” أن تحدد القمة المتوقعة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي “جو بايدن” خلال الأسابيع المقبلة تفاصيل المرحلة القادمة في سوريا، معربا عن اعتقاده بأنه من الصعب التنبؤ بالمدى الذي يمكن أن يذهب إليه هذا الموقف الأمريكي، خاصة أنه ما زال يفتقر إلى الإيجابية أو ترجمة الأفعال إلى أقوال، سواء على سبيل المسار السياسي أو حتى البرامج التنموية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية التي كانت عاملة في الشمال السوري في فترة الرئيس باراك أوباما.
نتائج تُقابل بالرفض حتى قبل صدورها
وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، استنكروا إجراء انتخابات في سوريا خارج إطار القرار الأممي “2254”، مؤكدين أنها غير شرعية، وفي بيان مشترك لهم، الثلاثاء الماضي، قال الوزراء إنه يجب إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقًا لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة.
وأضاف البيان أن الانتخابات العادلة يجب أن تتم برقابة أممية، وأن يُتاح لكل السوريين المشاركة بها في بيئة آمنة ومحايدة، بمن فيهم النازحون واللاجئون والسوريون في الشتات.
كما تعتبر الأمم المتحدة ودول غربية والمعارضة السورية القرار رقم “2254” الصادر عن مجلس الأمن في كانون الأول عام 2015، المرجعية الأساسية من أجل التوصل إلى حل سياسي في سوريا.
ومنذ بداية العام الحالي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عدم اعترافهما بإقامة انتخابات رئاسية في سوريا، وتوعدا النظام بالمحاسبة على ارتكابه انتهاكات لحقوق الإنسان.
الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، “جوزيب بوريل” قال في تصريحات صحفية، “إذا كنا نريد انتخابات تسهم في تسوية الصراع، يجب أن تعقد وفقًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “2254”، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتسعى إلى تلبية أعلى المعايير الدولية”.
وأضاف، “يجب أن تكون حرة ونزيهة، ويجب أن يسمح لجميع المرشحين بالترشح وإجراء الحملات الانتخابية بحرية، وهناك حاجة إلى الشفافية والمساءلة، وأخيرًا وليس آخرًا، يجب أن يكون بإمكان جميع السوريين، بمن فيهم مَن في الشتات، المشاركة”، مؤكدا أنه لا يمكن لانتخابات النظام في وقت لاحق من العام الحالي أن تفي بهذه المعايير، وبالتالي لا يمكن أن تؤدي إلى تطبيع دولي مع دمشق”.
كما حذرت الولايات المتحدة، في آذار الماضي، “الأسد” من أن إدارة الرئيس الأمريكي، “جو بايدن”، لن تعترف بنتيجة الانتخابات الرئاسية ما لم يكن التصويت حرًا ونزيهًا وتحت إشراف الأمم المتحدة وممثلًا للمجتمع السوري بأكمله.
من جهتها أعلنت الأمم المتحدة أنها غير منخرطة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في سوريا، مؤكدة أهمية التوصل إلى حل سياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن “2254”، وخلال مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، “ستيفان دوجاريك”، علّق على إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا بأنها ليست جزءًا من العملية السياسية التي ينص عليها القرار الأممي.
وحول موقف الأمين العام للأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيريش”، من الإعلان عن إجراء هذه الانتخابات وترشح بشار الأسد إليها، قال “دوجاريك”، نرى أن هذه الانتخابات ستجري في ظل الدستور الحالي، وهي ليست جزءًا من العملية السياسية، لسنا طرفًا منخرطًا في هذه الانتخابات، ولا يوجد تفويض لنا بذلك.
وبالرغم من أن الانتخابات لا تحظى على المستوى الدولي، سوى بدعم أنصار النظام السوري، اقليميا ودوليا، وعلى رأسهم الصين وروسيا وإيران، يستبعد الباحث “عبدالله السمره”، أن يطرأ أي تغيير على طريقة التعاطي الدولي مع الملف السوري بعد إجراء “مسرحية الانتخابات”، ويقول أن “الواضح أن الملف السوري سيكون على طاولة المباحثات الغربية مع إيران، وهذا ما يجعل التكهن باحتمالية وجود تغيير في الموقف الغربي من النظام السوري على قدر من الصعوبة”.
مواصلة الضغوط الاقتصادية والسياسية
“السمره” يعتقد أن تتصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية على النظام السوري، متوقعا أن تصل أزمات النظام الاقتصادية إلى مزيد من التدهور، وبعد أيام ستعود الأخبار عن شح المحروقات ونقص المستلزمات الأساسية لتتصدر المشهد في مناطق سيطرة النظام السوري.
ويضيف أن “التصعيد الغربي ضد النظام موجود أساسا العقوبات الأوروبية، وقيصر، والأرجح أن يتصاعد بسبب عنجهية النظام وروسيا، أو على الأقل ستبقى على حالها، منوها إلى أن “العقوبات الاقتصادية والمقاطعة السياسية للنظام لها أثر بالغ على الأخير وداعميه، خاصة على روسيا، غير أن الشعب السوري ينتظر تفاعلا أكبر من الأمم المتحدة والدول الكبرى وتحركات أوسع ضد النظام، بحيث يكون التأثير على الأسد ومنظومته فقط، لا على السوريين.
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي أعلن أمس الخميس، تمديد عقوباته التي كان قد فرضها على النظام السوري لمدة عام.
الكلمة الأخيرة لروسيا
تعد إيران وروسيا أكبر داعمي نظام الأسد، فقد وفرت موسكو الدعم العسكري للنظام مع دخول الثورة السورية عامها الرابع وتحديدا عام 2015 عندما كانت القوة العسكرية السورية في أضعف حالاتها، فيما شمل الدعم الإيراني إرسال مسلحين من “حزب الله” اللبناني وميليشيات “الحرس الثوري” الإيراني.
ويرى المحلل السياسي والمختص في الشأن السوري، “فراس الحمادي” أن إعادة انتخاب “الأسد” لا يجب أن يُنظر إليها باعتبارها دليل على قوته ونفوذه، بل يتعين النظر إليها على أنها دليل على قوة روسيا بل ومؤشر على استفادة روسيا وإيران من حالة التقاعس النسبي للغرب في تنفيذ ما يسعى إليه لتسوية النزاع.
ويؤكد “الحمادي” أن روسيا وحدها القادرة على تحديد الفائز والخاسر في الانتخابات الرئاسية السورية، قائلا في هذا السياق، “أعتقد أن روسيا إذا لم تكن تريد إعادة انتخاب الأسد، لما كان المضي قدما في إجرائها ممكنا، فحاليا بقاء الأسد في السلطة يخدم المصالح الروسية. لكن رغم ذلك ومع مرور الوقت وفي حالة إبرام اتفاق بشأن القضية السورية، وقد يتضمن أن تقدم موسكو تنازلات، فأعتقد أن روسيا قد لا تعارض رحيل الأسد”.