في الوقت الذي تهدد الدول المتصارعة في سوريا بين الفينة والأخرى بعضها البعض بفزاعة “داعش” تكيل هذه الدول التهم لبعضها بدعم التنظيم الإرهابي، لكن الدول الثلاث المتصارعة في سوريا “تركيا، إيران، روسيا” ومن ورائهم الدول الكبار تعي تماماً أهمية كبح جماح “داعش” والقضاء عليها.
ففي آذار 2019 أُعلن القضاء على تنظيم الدولة “داعش” بعد معركة الباغوز، وبالرغم من ذلك ما زال التنظيم يملك خلايا نائمة قوية على امتداد مناطق سيطرته القديمة، يشن عمليات انتقامية متفرقة من حين لآخر، كما أن معسكرات احتجاز عناصر التنظيم ونسائهم في شمال سوريا بمثابة قنابل موقوتة تنفجر في اللحظة التي ينتهي فيها الرهان.
الأكراد يلوحون بفزاعة داعش
بدأت تركيا الأسبوع الماضي عمليتها العسكرية في الشمال السوري باسم “نبع السلام” والتي تهدف إلى حماية أمن حدودها الجنوبية، كما تريد إنشاء المنطقة الآمنة لتكون موطناً لآلاف السوريين اللاجئين في تركيا.
بدا الموضوع صدمة ً للأكراد الذين توقعوا أن تأسيس”منطقة الإدارة الذاتية” على غرار “إقليم كردستان العراق” محمي الظهر بأمريكا، التي دعمتهم طيلة السنوات الماضية بالمال والسلاح وحتى بالمشورة والتخطيط، لكن وقع ما لم يخطر ببال الإدارة الذاتية الكردية وتخلت عنهم الولايات المتحدة الأمريكية التي وصفت حربهم مع تركيا لإنشاء وطن قومي لهم بـ “السخيفة”، مما دفع الأكراد إلى التلويح بفزاعة داعش ورقة الضغط الأخيرة التي يملكونها، للحصول على دعم وحماية من القوة الأمريكية.
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بعد منحها الضوء الأخضر لتركيا من أجل البدء بعمليتها العسكرية ضد الأكراد، أن مسألة حماية وإدارة سجون داعش ستكون بيد أنقرة، ما يفرض على الأكراد تسليم المعتقلات والمخيمات المخصصة لعناصر التنظيم الإرهابي للإدارة التركية، لكنه ومنذ الساعات الأولى للعملية التركية أعلنت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وهي الجناح العسكري الكردي للإدارة الذاتية أن النيران التركية طالت سجناً لتنظيم الدولة، في إشارة لاحتمالية هروب بعض العناصر من السجن، لكن القوات الأمريكية كانت قد أبلغت نظيرتها التركية بإحداثيات السجون والمخيمات المختصة بعناصر التنظيم حتى تكون بعيدة عن الأهداف التركية، بيد أنّ “قسد” لم توضح أي شيء عن السجن، ولا عن الأضرار التي لحقت به على الرغم من أهمية الخبر، ما يضع الخبر برمته تحت الاختبار.
في هذا الوقت أعلنت العراق والتي تمتلك حدوداً مع المنطقة التي تستهدفها العملية التركية أن حدودها مع سوريا باتت تحت حراسة مشددة وقوات الحدود العراقية في حالة نفير عام، كما أعلنت السلطات العراقية اليوم السبت أن أربعة من جنودها بينهم ضابط قتلوا إثر هجوم لخلية “داعشية” على أحد نقاط المراقبة أمنية الحدودية بين العراق وسوريا.
وقال العقيد “شامل خضر” من الجيش العراقي: ” إن عناصر داعش هاجموا، صباح اليوم، نقطة تابعة للجيش العراقي قرب الحدود العراقية مع سوريا على أطراف قضاء البعاج – 70 كلم غرب الموصل- فقتلوا أربعة عسكريين، بينهم ضابط برتبة عقيد، قبل أن يلوذوا بالفرار إلى جهة مجهولة”.
فيما لا تزال مناطق كثيرة من محافظة نينوى، خاصة القريبة من الحدود السورية شمال غربي البلاد، تشهد نشاطاً لخلايا تنظيم داعش، الذي ينفذ عمليات مسلحة مختلفة ضد القوات الأمنية والمدنيين أجبرت عشرات العوائل على النزوح إلى مدينة الموصل.
الأمر الذي فهم على أن التنظيم في مرحلة استعادة هيكلة نفسه من جديد ذاتياً أو بفعل فاعل، على أن هناك أطرافاً عديدة يهمها عودة داعش لإثبات أهميتها في معادلة الحفاظ على التوازن والاستقرار في المنطقة.
حقيقة الأمر
الخبير بشؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة “حسين هنية” وفي اتصال سابق مع مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكد أن خلايا التنظيم منتشرة في مناطق سيطرته القديمة في سوريا والعراق، وزاد: لديها شعور الانتقام لذا فإنها تقوم بعمليات متفرقة، مستبعداً قدرة التنظيم على استعادة قوته ككيان قوي.
يرى “هنية” أن التنظيم يعيش مرحلة استنزاف وستستمر طويلاً ربما لعقود، قبل أن يستعيد قوته السابقة ككيان مسيطر، ويقول هنية لمرصد مينا: ” فمنذ أن تحول التنظيم من السيطرة المكانية إلى حروب العصابات ولاستنزاف بدء يشن هجمات عديدة ومتفرقة لكنها صغيرة، وهذه هي خطة التنظيم استنزاف بعيد المدى والحفاظ على الهيكل التنظيمي بشكل أساسي ومن ثم العودة للهجمات الصغيرة في كل التكتيكات”.
وأوضح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة: ” تنظيم الدولة له نشاط كبير في العراق وفي سوريا وفي بقية المناطق التي يسيطر عليها، والتفوق يكون في منطقة مرة وفي أخرة مرة ثانية”.
وقال: التنظيم الإرهابي عبر منصاته الإعلامية، تمكن من شن 73 هجمة على الأراضي العراقية خلال أسبوع واحد، بينما بلغت هجماته على الأراضي السورية 43 هجمة أي ما يقارب النصف، ما يطرح تساؤلات عدة حول السبب الذي يجعل هذا التنظيم الإرهابي قوياً في العراق حيث المنافسة الملشياوية أكثر، منها في سوريا.
وتشير تقارير الأمم المتحدة بأن التنظيم يملك تمويلاً كبيراً يصل إلى أكثر من 2300 مليون دولار أمريكي، ما يعني أنه قادر على تمويل العناصر والعمليات وهنا يقول هنية في حديثه مع مرصد مينا: “إن التنظيم لديه القدرة التمويلية ، ولدية الكوادر وقادر على التجنيد المحلي، والأوضاع في العراق غير مستقرة، فأمور إعادة الاعمار، المحاصصة الطائفية، والفساد، هي كلها أسباب الموضوعية التي أدت إلى ظهور التنظيم في العراق ما زالت موجودة، لذلك هو موجود ويعمل في العراق وسيبقى يعمل في العراق نتيجة لكل العوامل من خبرة وتمويل وقياداته العراقية”.
وهذا يعني أن الأخبار التي أطلقها الأكراد ليخيفوا العالم بعودة داعش كبديل عنهم مقابل تركيا فقاعة كاذبة هدفها الحرب الإعلامية، لكن الأكراد الذين يواجهوا تركيا لوحدهم في الوقت الذي رفض حتى نظام الأسد الحوار معهم، أساؤوا تقدير الموقف حين أداروا ظهورهم لإخوانهم في الثورة السورية سابقاً.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.