وحدة الدراسات الاستراتيجية بالمرصد
الملخص التنفيذي:
اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله تسبب بهزة كبيرة للحزب المدعوم من إيران، وعلى الرغم من أن مقتل نصر الله لا تعني نهاية حزب الله، لكنه يمثل حدثاً فارقاً قد تخيم ظلاله لعقود على حزب الله وعلى المحور الذي تقوده إيران بشكل عام، خاصة أن عملية الاغتيال سبقتها ولحقتها اغتيالات متعددة لقيادات من الصف الأول والثاني للحزب في كل من لبنان وسوريا، الأمر الذي يخلق فراغاً يصعب ملأه بسرعة، ما يضع الحزب أمام تحديات كبيرة.
تتحدث هذه الورقة عن تأثير اغتيال حسن نصر الله على حزب الله؛ وانعكاس ذلك على المحور الإيراني بشكل عام، وحول مشاركة حزب الله السياسية على الساحة اللبنانية، ومكانة حزب الله في المنطقة؛ وهل يمكن لخليفة نصر الله أن يملأ مكانه بالشكل الأمثل؟
المحاور:
- ما أهمية حسن نصر الله؟
- ما تأثير غياب نصر الله على الصعيد العسكري؟
- ما تأثيره غيابه على الساحة السياسية اللبنانية؟
- ما تأثيره غيابه على محور المقاومة؟
- النتيجة
ما أهمية حسن نصر الله؟
على الرغم من أهمية المنصب الذي احتله حسن نصر الله لأكثر من ثلاثين عاماً كأمين عام لحزب الله، إلا أن دوره الحقيقي كان يفوق ذلك بكثير بخاصة خلال السنوات الأخيرة، حيث بات الشخصية الثانية في المحور الإيراني بالمنطقة بعد قائد فيلق القدس، فيما يذهب العديد من المحللين إلى أن حسن نصر أصبح الشخصية الأولى في المحور الإيراني بعد مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في العام 2020 لأن خليفته “إسماعيل قاآني” لم يستطع ملئ فراغه، وهو ما ساهم في توسيع الدور الذي لعبه نصر الله مؤخراً؛ حتى تخطى حدود لبنان إلى باقي دول المحور الإيراني في الشرق الأوسط.
وتمكن حسن نصر الله خلال سنوات قيادته للحزب من التحول إلى شخصية “كاريزمية”، من الصعوبة تعويضها، وحتى لو أتى شخص موهوب أو قيادي محترف، فإن بناء روابط التي كانت موجودة بين حسن نصر الله ومنتسبي الحزب وقياداته، ستحتاج إلى سنوات.
وبات حزب الله تحت قيادة نصر الله، يدرّب ميليشيات في العراق وينشر القوات في سوريا ويدعّم التوسع الإيراني باليمن، كما أنه كان يُعتبر قائداً ملهماً لهذه الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، لذا فإن غيابه المفاجئ عن المشهد سيكون له آثاره على المنطقة ككل؛ وليس في لبنان فقط.
وتشير العديد من التحليلات إلى أن غياب حسن نصر الله وجه ضربة قوية للتيار اللبناني الذي دار في فلكه، ذلك أن شخصيته ساهمت بالحفاظ على تماسك حزب الله، حيث تحول إلى شخصية أسطورية إلى حد ما بالنسبة للشيعة اللبنانيين.
ويبقى لدى حزب الله تحدي ترميم الروح المعنوية لمحاربيه وإعادة حشدهم نفسياً للقتال بعد الهزائم المتعاقبة، وهو أمر غاية في الصعوبة خاصة مع غياب الشخصية “الكارزمية” الأولى التي أتقنت التواصل مع الجمهور طوال ثلاثة عقود.
غير أن ظهور نعيم قاسم بشكل متماسك وواثق ومسيطر أسهم في إضفاء صفة الاستمرارية في قمة هرم الحزب، مشيراً إلى أن نصر الله أعد الخطط؛ ووضع الهيكل التنظيمي لاختيار القيادة السياسية والعسكرية للحزب بشكل متوالٍ بعد اختفائهم. ثم عاد قاسم وأشار إلى أهمية اعتبار نصر الله دائم الوجود في الحزب في محاولة للشحذ النفسي الذي يُتوقع أن يؤثر إيجابياً في المقاتلين ويدفعهم للعمل بجدية ثأراً لاغتياله.
تمكن حزب الله من تجاوز لحظات الخطر منذ إنشائه في عام 1982. فقد قاتل إسرائيل، أحد أقوى الجيوش في العالم لأكثر من 18 عامًا لتحرير جنوب لبنان، وحقق ذلك أخيرًا في العام 2000. وفي العام 2005، فقد حزب الله الرعاية السورية المباشرة؛ عندما أُجبرت الأخيرة على سحب قواتها من لبنان في أعقاب انتفاضة شعبية لبنانية وضغوط دولية بقيادة الولايات المتحدة. كان على الحزب أن يتكيف داخلياً وبدلاً من الدفع نحو الوحدة اللبنانية، اختارت استبدال الحكم السوري للبنان بحكمها الخاص.
وبعد ست سنوات، اضطر حزب الله إلى التدخل في الصراع السوري لإنقاذ حليفه بشار الأسد، فخسر عدداً كبيراً من الرجال؛ إضافة لخسارته لشعبيته عربياً. ولقد نجح حزب الله في التغلب على هذه العواصف والحفاظ على تماسكه الداخلي، حتى بعض القضاء على شخصيات بارزة مثل عباس الموسوي، وعماد مغنية، ومصطفى بدر الدين، وفؤاد شكر على يد الجيش الإسرائيلي. ومع ذلك، تذهب تحليلات إلى أن الشيء الوحيد الذي سمح لحزب الله بالصمود في وجه هذه العواصف والحفاظ على تماسكه الداخلي كان نصر الله نفسه. وليس من قبيل المبالغة الذهاب إلى أنه كان العقل والقلب النابض لحزب الله وبدونه من الصعب أن نتصور كيف سيفكر حزب الله ويتحرك ويؤثر بالطريقة التي فعلها قبل أن تضرب طائرة مقاتلة إسرائيلية مخبئ نصر الله في الضاحية.
ما تأثير غياب نصر الله على الصعيد العسكري؟
من الصعوبة بمكان تحديد التأثير المحتمل لمقتل نصر الله على القدرات العسكرية لحزب الله، فقد تبادلت إسرائيل وحزب الله إطلاق النار لمدة عام عبر الحدود اللبنانية في أسوأ صراع بينهما منذ عام 2006، والذي اندلعت شرارته في أعقاب الحرب في غزة. وأعلن حزب الله مسؤوليته عن عدة هجمات صاروخية على إسرائيل في الساعات التي أعقبت الضربة على بيروت، فيما قال محللون إنها محاولة لإظهار قدرته على تنفيذ مثل هذه العمليات رغم مقتل أهم قياداته.
ويواجه حزب الله مشكلة حقيقية في الاتصالات بين قادته ومنفذي العمليات العسكرية في الجنوب بسبب الخوف من اختراق الاتصالات من جانب إسرائيل، الأمر الذي يساعدها على استهداف القيادات ومنصات إطلاق الصواريخ، لكن مع ذلك يواصل حزب الله عملياته العسكرية، ذلك أن ما ينطبق على الجيوش النظامية قد لا ينطبق على ميليشيا حزب الله من حيث ضرورة تلقي الأوامر من قيادة عليا، فحزب الله نشأ بشكل لا مركزي من مجموعة من الخلايا المسلحة التي عملت في الجنوب لسنوات طويلة بشكل مستقل، ثم قررت في مرحلة ما أن تتوحد مركزياً لتباشر عملها على نحو أكثر احترافية، وهو ما يعني أن الصفة الطاغية على عمل الحزب على المستوى الميداني هي العمل المستقل المتوازي، الذي لا يخضع بالضرورة للتراتبية الهرمية التي تفترضها الجيوش النظامية.
كما أن شبكة الاتصالات التي اعتمدت عليها إسرائيل لاختراق الحزب، تعتبر حديثة نسبياً، اضطر حزب الله لاستخدامها في السنوات الأخيرة عندما اضطر للعمل خارج ميدانه التقليدي، بمعنى أن القتال في سوريا هو الذي دفع حزب الله إلى الاعتماد المتزايد على الأجهزة اللاسلكية.
ولكن القتال في لبنان في الجنوب أو البقاع لا يحتم مثل هذا الاعتماد لأن الاتصال الأساسي هو اتصال سلكي. وكانت محاولة تفكيك شبكة اتصالات الحزب السلكية هي التي أدت لاقتتال داخلي عنيف سيطر على إثره حزب الله على بعض الأحياء السُنية في بيروت في مايو عام 2008، ونشبت على خلفية ذلك أزمة سياسية طاحنة لم تُحل إلا بإبرام اتفاق الدوحة الذي أنتج تقاسماً جديداً للحقائب الوزارية في حكومة وحدة وطنية.
أشار نعيم قاسم نائب الأمين العام الجديد للحزب في 30 سبتمبر 2024 في ظهوره المتلفز الأول بعد اغتيال نصر الله، حيث قال إن عميلة استبدال القيادات سلسة وتتم وفق الهيكل التنظيمي والخطط البديلة للأفراد والقادة التي وضعها نصر الله لملء الفراغات في حال الطوارئ. كما أكد قاسم أن الحزب جاهز للتصدي إلى أي توغل بري، وهذه الجهوزية تعود أيضاً إلى تدريب عناصر الحزب لنحو عام كامل على إمكانية تحول التهديدات الإسرائيلية نحو لبنان، حيث سبق أن حاول متسللون من لواء (غولاني) العبور إلى الحدود اللبنانية، ولكن العناصر الحدودية لحزب الله اشتبكت معهم فانسحبوا. كان ذلك في سياق التصعيد بين إسرائيل وإيران منتصف أبريل 2024 في أعقاب الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق. فالراجح أن خطط حماية الحدود وصد التوغل البري جاهزة منذ زمن ولا تحتاج لتوجيهات قيادية جديدة كي تدخل حيز التنفيذ فيكفي أن يبدأ التوغل كي تبدأ.
نجحت إسرائيل في إظهار نقاط ضعف حزب الله ومن خلفه إيران، وقوة ومدى قدراتها الاستخباراتية والعملياتية. وبالنسبة لإسرائيل فإن هذه النتيجة الأخيرة تشكل ركيزة مهمة لأهدافها الأمنية، ففي أعقاب إخفاقات إسرائيل الاستخباراتية في السابع من أكتوبر الماضي، سعت تل أبيب إلى الإثبات لإيران ووكلائها أنها لا تزال قوة عسكرية واستخباراتية لا يستهان بها، وقوة قادرة على معالجة التحديات الأمنية المتعددة الجبهات في آن واحد.
وبالنسبة للقيادة الإسرائيلية، كان هذا بمثابة مسألة استعادة الردع والسعي إلى إعطاء مواطنيها ضمانات بأن الإخفاقات التي ألحقت مثل هذا الدمار بمجتمعاتها الحدودية الجنوبية في السابع من أكتوبر، لن تتكرر في الشمال على أيدي حزب الله.
ما تأثيره غيابه على الساحة السياسية اللبنانية؟
يشكل اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله نهاية حقبة في تاريخ الحزب الذي بات يواجه شكوكاً حول دوره السياسي في المرحلة المقبلة، وفوض حزب الله حليفه نبيه بري رئيس البرلمان بالتفاوض لوقف لإطلاق النار الذي يبدو مهماً بالنسبة للحزب في هذه المرحلة، هذا في الوقت الذي يكرر مسؤولون لبنانيون بينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن الاتصالات مقطوعة مع الحزب منذ أسابيع. وأعلن الحزب من خلال القاسم، أن بري يتكلم باسم الحزب. ونقلت تقارير صحفية في لبنان عن بري موافقته أخيراً على وقف لإطلاق النار في لبنان.
بالمقابل تشير تقارير إلى أن إيران هي من تمسك بزمام الحزب بشكل مباشر، وإذا ما كان هذا صحيحاً، فإنه يعني أن حزب الله وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من الضعف على المستوى السياسي، ستؤدي به في النهاية إلى فقدان سيطرته المحكمة على لبنان، وقال الباحث والإعلامي اللبناني علي الأمين: إن اختيار حزب الله لقاسم ليكون أميناً عاماً له بعد مقتل سلفه حسن نصر الله في غارة إسرائيلية أواخر سبتمبر أيلول الفائت، هو “أمر مؤقت”.
وأوضح أن “من يدير بشكل فعلي في الوقت الحالي هو الجهاز العسكري الميداني بإدارة مباشرة من إيران”، وأشار الأمين إلى أن “المندوب الخاص لوزير الخارجية الإيراني لشؤون الشرق الأوسط، محمد رضا شيباني الموجود في بيروت، تحدّث بشكل واضح عن وجود إدارة شبه مباشرة لحزب الله من قبل طهران”.
وأكد أن الحرس الثوري الإيراني أوفد أيضاً قيادات عسكرية إلى الميدان في لبنان، لتلعب دوراً مهما في إدارة المعارك، حيث تمكنت من ملء الفراغات التي أحدثتها الاغتيالات الإسرائيلية للقيادات الأساسية والمتوسطة في حزب الله، مشدداً على أن طهران هي من تدير مواجهة حزب الله مع الجيش الإسرائيلي. ولفت إلى أن شروط إنهاء الحرب والوصول إلى تسوية سياسية باتت مرتبطة بالإستراتيجية الإيرانية بالدرجة الأولى، دون أن تتحكم فيها الحسابات اللبنانية. وهذا يعني أن طهران تستخدم الجبهة اللبنانية كورقة ضغط لا تريد أن تخسرها، لأنها تستشعر خطراً إسرائيلياً أو ربما أمريكياً عليها.
وقاد حسن نصر الله المنظمة عندما دخلت السياسة اللبنانية رسمياً، وفازت بمقاعد في البرلمان وانضمت إلى الائتلافات الحاكمة، وكانت له علاقات وثيقة مع كبار قادة حماس والميليشيات الإقليمية الأخرى، فضلاً عن علاقته الخاصة بآية الله علي خامنئي المرشد الأعلى لإيران.
ويمثل اغتيال حسن نصر الله، فرصة لحزب الله للعودة إلى موقع أكثر اعتدالاً والسعي إلى تسويات تمكن الدولة اللبنانية من استعادة سيادتها على كامل أراضيها. كما يعتبر مقتل نصر الله والأحداث الأخيرة التي شهدها الحزب قد تفتح باباً للحل السياسي في لبنان، بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية وضمان حماية عناصر حزب الله اللبنانيين بعد تخليهم عن مشروع إيراني لا ينتمي للبنان. وتتوقع مصادر أن غياب نصر الله عن الساحة السياسية قد يقسم حزب الله إلى تيار متطرف صغير، بينما يعود القسم قسم آخر إلى حضن الدولة اللبنانية وترك المشروع الإيراني، خاصة إذا ما واصلت الأطراف اللبنانية الأخرى ضغطها على الحزب ليتراجع عن سياسته التي انتهجها لمصادرة القرار اللبناني.
لكن من المؤكد أن الجمهورية الإسلامية لا تريد أن تفقد جوهرة تاجها. فحزب الله هو الوكيل الأول لطهران وكان له دور فعال في تنفيذ السياسة الخارجية للنظام الإيراني. وقد استخدمت إيران حزب الله لضمان بقاء بشار الأسد خلال الحرب الأهلية السورية، كما استخدمت المجموعة لتهديد دول الخليج العربي. كما استخدمت طهران عملاء حزب الله للتخطيط وتنفيذ هجمات على أراضٍ أجنبية، بما في ذلك في الولايات المتحدة وأوروبا. وعلاوة على ذلك، يعمل حزب الله كحارس لإيران، ذلك أن وجود حزب الله على حدود إسرائيل يهدف جزئياً إلى ردع إسرائيل عن مهاجمة برنامج الأسلحة النووية الإيراني.
بالمقابل اعترف حزب الله نفسه بأن المجموعة تعتمد على الدعم الإيراني. وإن حزب الله كما هو موجود الآن هو في الحقيقة من صنع إيران، على الرغم من ادعاءاته بأنه حركة وطنية لبنانية. ومن غير المرجح أن تتخلى طهران عن منظمة أنفقت سنوات في بنائها ــ وخاصة منظمة تسيطر بحكم الأمر الواقع على بلد بأكمله.
والواقع أن أجهزة الدولة اللبنانية، كما هي الآن، تعتبر مخترقة إلى حد كبير من حزب الله. ومن المعروف أن الحزب لديه تواجد في موانئ الدخول والمطارات. وهناك العديد من كبار الساسة اللبنانيين الذين تربطهم صلات بحزب الله. في عام 2017، أعلن رئيس البلاد آنذاك ميشال عون الذي شغل أيضًا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد أن ترسانة حزب الله “لا تتعارض مع الدولة”.
تدعو قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1701 و1559، وكلاهما منذ عقود من الزمان في هذه المرحلة، إلى نزع سلاح حزب الله وحله. ومع ذلك، لم تنفذ الأمم المتحدة ولا القوات المسلحة اللبنانية هذه القرارات. لقد أظهر الجيش اللبناني والسياسيون اللبنانيون الحاكمون أنهم لا يملكون الإرادة لتحدي الحزب، حتى لو كانت لديهم القدرة على القيام بذلك. ففي الشرق الأوسط يمكن القول أكثر من أي مكان آخر في العالم من يحمل السلاح هو من يملك القوة، وحزب الله هو من يملك السلاح حتى الآن.
ومع ذلك فإن مقتل نصر الله وتراجع القدرة التنظيمية والسياسية لحزب الله، إلى جانب تأثيره الاجتماعي والاقتصادي وتداعياته على العلاقات الطائفية، قد يوفر فرصة لحل قضية الرئاسة التي شلت حكم البلاد لمدة عامين تقريباً. وفي هذا السياق، فإن كيفية رد فعل حلفاء الحزب، وخاصة رئيس مجلس النواب، ستكون حاسمة.
ما تأثيره غيابه على محور المقاومة؟
على الرغم من استبعاد الانهيار الكامل لحزب الله، إلا أن الحرب الأخيرة ستؤدي إلى إضعافه وخاصة على المستوى الخارجي، ففي سوريا مثلاً تلقى الحزب ضربات موجعة وسط صمت النظام السوري، ليس هذا فقط، بل إن النظام السوري أغلق مكتب تجنيد كان قد افتتحه “حزب الله” بالقرب من مقام السيدة زينب بريف دمشق بهدف استقطاب متطوعين للقتال ضمن صفوف “المقاومة الإسلامية في لبنان” في مواجهة إسرائيل على الجبهة الجنوبية في لبنان. ورفض النظام السوري بشكل قاطع السماح لحزب الله بتجنيد أي سوري للقتال في صفوفه ضد إسرائيل رغم مساندة حزب الله لقوات النظام السوري ضد المتمردين، وبعد انتهاء الحرب سيترك هذا شرخاً في العلاقات بين جماهير الحزب والنظام السوري، ومن المستبعد أن تتمكن إيران من إصلاحها، خاصة أن الشكوك باتت تراود الكثير من منتسبي حزب الله حول مدى اهتمام إيران بمعاناة الحاضنة الشعبية للحزب نتيجة النزوح، وستكون المشكلة الأكبر عند الانتهاء من آثار الحرب وعجز إيران المتوقع عن تقديم مساعدات كافية لعملية إعادة الإعمار، حيث ستجد الحاضنة الشعبية للحزب نفسها من دون دعم، وتستنتج أن سياسة إيران جرت أبناء الشيعة في لبنان إلى حرب غير مجدية الهدف منها حماية إيران وإبعادها عن الاشتباك المباشر مع إسرائيل، بغض النظر عما يحدث في لبنان.
إن قدرة إسرائيل على شل حركة حزب الله في غضون أسابيع جعلت مبدأ “الدفاع الأمامي” الذي تتبناه إيران منذ فترة طويلة موضع تساؤل. فعلى مدى عقود من الزمان اعتمدت الجمهورية الإسلامية على حلفائها من الميليشيات في مختلف أنحاء المنطقة للضغط على إسرائيل وردع الضربات على الأراضي الإيرانية. وكان حزب الله المتمركز على الحدود الشمالية لإسرائيل مع ترسانة من الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار محور هذه الاستراتيجية.
كما كان حزب الله شريكاً مفيداً في توسيع نفوذ إيران في المجتمعات العربية. ولعب عملاء حزب الله دوراً رئيسياً في تدريب المسلحين العرب الآخرين في مختلف أنحاء المنطقة. ولكن في العام الذي انقضى منذ اندلاع حرب غزة، قتلت إسرائيل العشرات من قادة حزب الله ومئات المقاتلين ودمرت الأسلحة والبنية الأساسية الرئيسية.
النتيجة
في الأمد القريب قد تعتمد إيران بشكل أكبر على الحوثيين في اليمن، وهو ما قد يزيد من خطر التصعيد بالمنطقة. وفي الوقت نفسه، قد تشعر إيران بضغوط أكبر للرد ضد إسرائيل. فقد تبنت طهران موقفاً أكثر تحفظاً مع مراعاة المخاطر التي قد تواجهها في مواجهة مباشرة أكبر مع إسرائيل، حيث شن وكلاء إيران في المنطقة بالفعل ضربات إضافية ضد إسرائيل، وأعلنت المقاومة الإسلامية في العراق مسؤوليتها عن غارة بطائرة بدون طيار على إيلات في 25 سبتمبر الماضي، وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن ضربات على تل أبيب في 28 سبتمبر الماضي. وردت إسرائيل بضرب ميناء الحديدة اليمني للمرة الثانية هذا العام.
وفي الأمد المتوسط إلى البعيد، قد تفكر إيران في بدائل لاستراتيجيتها في مواجهة إسرائيل، وخاصة إذا كان حزب الله وحماس يواجهان صعوبة في إعادة بناء أنفسهما. ومن بين الخيارات المتاحة إنتاج الأسلحة النووية. واعتباراً من منتصف عام 2024، قد تنتج إيران ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لتشغيل قنبلة نووية واحدة في غضون أسبوع أو أسبوعين فقط. وسوف تحتاج طهران إلى عدة أشهر أو أكثر من عام لتجميع رأس حربي وربطه بنظام توصيل، مثل صاروخ باليستي.
ومما سبق كله؛ فإن التعويل والمراهنة على عودة الحزب على ما كان عليه عسكرياً وسياسياً وحتى اجتماعياً؛ يكاد يكون شبه مستحيل؛ خاصةً بعد الضربات الموجعة التي تلقاها في حربه مع إسرائيل؛ وكذلك اتفاقية الإذلال التي وقعها مع إسرائيل لتتوقف الحرب؛ الذي نظن أنها بشكل أو آخر بأنها هدنة وليس توقفاً للحرب.
المصادر:
- المعهد الأمريكي للسلام (USIP) في 1 أكتوبر 2024
- موقع (Washington Examiner) في 2 أكتوبر 2024
- موقع (The New York Times) في 15 أكتوبر 2024
- موقع (Committee for Accuracy in Middle East Reporting and Analysis) في 2 أكتوبر 2024.
- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 1 أكتوبر 2024
- موقع (bbc) في 28 سبتمبر 2024
- موقع (bbc) في 29 سبتمبر 2024
- موقع (washington institute) في 30 سبتمبر 2024
- موقع (الحرة) في 30 سبتمبر 2024