تحولت سياسة تركيا الخارجية من العلمانية والمنحازة للغرب إلى نهج أكثر تركيزاً على المسلمين تحت قيادة الرئيس أردوغان منذ عام 2003. وقد وُصفت السياسة الخارجية لحكومة أردوغان بأنها عثمانية جديدة، والتي تؤكد على ماضي تركيا العثماني وترغب في وجود ونفوذ أكثر أهمية في الأراضي العثمانية السابقة.
حولت البلاد تركيزها إلى إفريقيا في عام 2005 بعد سنوات من الإهمال معلنة أنه “عام إفريقيا”. ومنذ ذلك الحين وقعت حكومة أردوغان اتفاقيات تجارية وتعاون مع 45 دولة أفريقية، حيث أكمل المقاولون الأتراك مشاريع بقيمة 70 مليار دولار. نمت تجارة تركيا مع إفريقيا بشكل كبير في العقدين الماضيين، حيث ارتفعت من 5,4 مليار دولار في عام 2003 إلى 34,5 مليار دولار في عام 2021، و توسع حجم المشاريع التي قامت بها شركات المقاولات التركية بسرعة ووصل إلى 77,8 مليار دولار في القارة الأفريقية. وأنشأت تركيا مجالس أعمال مشتركة مع 45 دولة أفريقية.
ومع ذلك، تحول تركيز تركيا على أفريقيا من برامج التجارة والاستثمار والأعمال الخيرية إلى التعاون الدفاعي، وتحديداً في بيع الطائرات بدون طيار التركية الصنع والمركبات الجوية بدون طيار(UAVs).
أثبتت روسيا نفسها كقوة بارزة في سوق الأسلحة الأفريقية، فوفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) فهي مسؤولة عن 49٪ من واردات القارة بين عامي 2015 و 2019. هناك حالياً اهتمام متزايد بالأسلحة التركية، لا سيما في الطائرات بدون طيار من طراز “بيرقدار” TB2 Bayraktar المصنعة في ” بيرقدار “. و بيرقدار هي شركة يديرها سلجوق بيرقدار وهو صهر الرئيس رجب طيب أردوغان. حيث زاد الطلب على الطائرات بدون طيار في السنوات الأخيرة بشكل كبير بعد أن كان للطائرة بدون طيار الفضل في تغيير اتجاه الصراعات في ليبيا وناغورنو كاراباخ وهي منطقة انفصالية في أذربيجان.
تتماشى القدرات المحلية المتنامية لتركيا وسعيها لإقامة شراكات أمنية جديدة مع رغبة الدول الأفريقية في سياسات أمنية متنوعة. الدول الأفريقية حريصة على الاستفادة من خبرة تركيا في مكافحة التمرد وتحديث قطاع الأمن والتقدم في صناعة الدفاع، وينعكس هذا الاهتمام في زيادة السفارات الأفريقية في أنقرة، من 10 في عام 2008 إلى 37 في عام 2021، مع العديد من السفراء من الجنرالات النشطين أو المتقاعدين. تسعى الدول الأفريقية إلى تعزيز قدراتها الدفاعية وسط استمرار عدم الاستقرار الإقليمي.
شهدت صادرات تركيا من الأسلحة إلى الدول الأفريقية طفرة كبيرة، حيث أصبحت القارة سوقاً للأسلحة التركية الصنع بشكل متزايد مثل الطائرات بدون طيار والمركبات المدرعة وأنظمة الاستشعار وأنظمة المراقبة ومركبات إزالة الألغام والبنادق، حيث تقدم شركات الدفاع هذه معدات عسكرية بأسعار تنافسية دون أي شروط مرفقة. ووفقاً لجمعية المصدرين الأتراك فقد ارتفعت صادرات تركيا الدفاعية والجوية إلى أفريقيا من 82.981 مليون دولار في عام 2020 إلى 460.6 مليون دولار في عام 2021، مما يشير إلى الاهتمام المتزايد للدول الأفريقية والإمكانات الهائلة للسوق.
تقوم البلاد بتزويد الطائرات بدون طيار إلى دول أفريقية بارزة مثل إثيوبيا والمغرب ونيجيريا وتونس ورواندا والجزائر. في أبريل 2021، ذكرت وسائل الإعلام المغربية أن قواتها المسلحة الملكية حصلت على 13 طائرة بدون طيار قتالية من طراز Bayraktar TB2 من تركيا مقابل 70 مليون دولار. بالإضافة إلى ذلك أشارت أفريكا إنتليجنس إلى أن نيجيريا اشترت عشر طائرات بدون طيار صغيرة مسلحة من طراز سونغار من شركة Asisguard التركية في مايو.
لا تزال ليبيا سوقاً مربحة لأنقرة، على الرغم من حالات متعددة من انتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة من خلال توفير طائرات بدون طيار ومعدات عسكرية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً. لعبت طائرات بيرقدار بدون طيار دوراً أساسياً في الدفاع عن طرابلس ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر في عام 2019.
كما برزت إثيوبيا كسوق مهم للطائرات بدون طيار TB-2. وفقاً لجمعية المصدرين الأتراك فقد ارتفعت صادرات الدفاع والطيران التركية إلى إثيوبيا من 235000 دولار في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2020 إلى 94.6 مليون دولار في نفس الفترة من عام 2021. ومع ذلك، أثارت هذه المبيعات مخاوف مصر والسودان اللتين انخرطتا في نزاع طويل الأمد حول استخدام مياه النيل مع إثيوبيا. وفي الوقت نفسه، فإن الجزائر غير راضية عن استحواذ المغرب على طائرات بدون طيار تركية. كما أعربت السلطات الأمريكية عن مخاوفها بشأن مبيعات تركيا للطائرات بدون طيار إلى إثيوبيا، مما قد ينتهك القيود الأمريكية على مبيعات الأسلحة لنظام أديس أبابا. أفادت وسائل إعلام مختلفة عن استخدام الحكومة الإثيوبية لطائرات بايراكدار بدون طيار في منطقة تيغراي الشمالية التي مزقها الصراع، حيث قتل الآلاف من المدنيين وشرد الملايين.
تعمل حكومة أردوغان على توسيع تركيزها على الدول الأفريقية المتورطة في النزاعات المسلحة. في فبراير 2022، أبرمت تركيا صفقات أمنية واقتصادية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية عندما هددها المتمردون الانفصاليون المدنيين، حيث تدرس جمهورية الكونغو الديمقراطية الآن شراء طائرات بدون طيار تركية الصنع. وتسعى نيجيريا، وهي سوق مهمة أخرى، إلى الحصول على طائرات بدون طيار تركية من طراز Bayraktar TB2 لجيشها.
تلقت تونس الدفعة الأولى من الطائرات التركية المسلحة بدون طيار في سبتمبر 2021، بينما ورد إن رواندا مهتمة بالطائرات التركية بدون طيار للعمليات العسكرية في شمال موزمبيق. في نوفمبر 2021، أعلن أردوغان أن النيجر ستشتري طائرات بدون طيار من طراز Bayraktar TB2 وطائرات تدريب HÜRKUŞ ومركبات مدرعة من تركيا. كما تعمل تشاد على تطوير العلاقات الدفاعية مع قطاع الدفاع التركي.
وتمتد صادرات تركيا الدفاعية إلى ما هو أبعد من شمال وغرب أفريقيا، حيث طلب الجيش الكيني 118 ناقلة جنود مسلحة من الشركة التركية كاتميرسيلر. مع وجود قاعدة عسكرية في الصومال ووجود متزايد في ليبيا فإن البلاد ترسخ نفسها كقوة دائمة في المنطقة.
وقد عززت حجم التجارة صادراتها المتزايدة من الطائرات بدون طيار إلى أفريقيا. ومع ذلك فإن سياستها المتمثلة في تسليح القارة يمكن أن تؤدي إلى توترات إقليمية على المدى الطويل، مما قد يعرض استثماراتها ومصداقيتها الأخرى للخطر. ويعمل الاتحاد الأفريقي على منع التدخلات والانقلابات الأجنبية والحفاظ على السلام في القارة. ومع ذلك فإن دعم أنقرة للقادة الأفارقة المستبدين ومبيعات الأسلحة المتقدمة تهدد التقدم الديمقراطي في أفريقيا.
نشرت حكومة أردوغان دعاية معادية للغرب في أفريقيا بالإضافة إلى مبيعات الأسلحة. واتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا بتعزيز المشاعر المعادية للفرنسيين في القارة. ويبدو أن إدارة أردوغان تستفيد أكثر من الصراع، لا سيما في غرب أفريقيا والقرن الأفريقي، ويؤدي بيع الطائرات بدون طيار إلى تفاقم الوضع الأمني في أفريقيا، مما قد يؤدي إلى اضطرابات وتدفقات لاحقة للاجئين إلى أوروبا.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.