كشفت عملية الانقلاب الفاشلة في السودان عن الصراع بين أركان السلطة العسكرية والمدنية، اذ انتقد رئيس مجلس السيادة الانتقالي “عبد الفتاح البرهان”، الحكومة والأحزاب السياسية واتهمهم بفتح الباب أمام محاولة الانقلاب وانغماسهم في الصراعات الداخلية.
رئيس مجلس السيادة “البرهان” قال إن “شعارات الثورة ضاعت بين الصراع على المناصب ولا توجد حكومة منتخبة ونحن أوصياء على الحفاظ على أمن الوطن.. نحن أوصياء رغم أنف الجميع على وحدة وأمن السودان”، لافتاً إلى أن “القوات المسلحة تركت العمل التنفيذي للسياسيين ولكن المسألة انحرفت عن مسارها الصحيح، ما يعني أن الخلافات التي تجذرت داخل الحكومة وظهيرها السياسي الممثل في قوى الحرية والتغيير، السبب الرئيسي في الأزمات”.
وكان السودان قد أعلن يوم الثلاثاء الفائت، عن احباط محاولة انقلاب مجموعة من الجيش تنتمي إلى سلاح المدرعات في منطقة الشجرة جنوبي العاصمة الخرطوم تابعة للنظام للسابق، بينما يقول سياسيون إن “الرواية الرسمية ضبابية ولا تقدم إجابات كافية للشعب السوداني، لأن السلطات تتكتم على المعلومات المتعلقة بتفاصيل المحاولة الفاشلة لقلب السلطة”.
تشكيك في الرواية الرسمية..
في المقابل، رفضت قوى سياسية سودانية تصريحات “البرهان”، اذ اعتبر حزب الأمة أنها “تصريحات خطيرة، واتصالات قد بدأت للجلوس مع المكون العسكري لبحث الأزمة”، كما أعرب حزب “المؤتمر السوداني”، رفضه اتهامات رئيس مجلس السيادة للقوى السياسية، مؤكداً أنه “ليست هناك جهة بعينها تعتبر وصية على السودان، والشعب وحده هو من يملك قراره”.
ولفت القيادي في تحالف الحرية والتغيير “نورالدين صلاح الدين” أن “تصريحات البرهان غير موفقة في هذا الوقت ولا تخدم روح الشراكة مع الحكومة، لأن التباين يناقش في الاجتماعات والغرف المغلقة وليس في الهواء الطلق”، مشيراً إلى أن “الوثيقة الدستورية وجود التزامات نصت عليها، وإخلال أي طرف بها سيكون وبالا على الجميع وعلى مستقبل السودان الذي بحاجة إلى اصطفاف الكل على ما توافقوا عليه من إسدال الستار على مرحلة الشمولية، والانطلاق نحو بناء دولة ديمقراطية تلتزم فيها مؤسسات الدولة بواجبها الدستوري.
بدوره، أكد القيادي بقوى الحرية والتغيير “طه عثمان إسحق” عبر فيسبوك أن “خطاب رئيس مجلس السيادة ونائبه محمد حمدان دقلو أخطر من الانقلاب نفسه، موضحاً أن “الخطاب يحاول تحميل المدنيين مسؤولية ما حدث، ليس للمدنيين أي نية أو توجه سيئ تجاه العسكريين أو المؤسسة العسكرية”. “.
وألقى النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” باللوم على السياسيين في تكرار محاولات الانقلاب بالبلاد، مشيراً إلى أنهم “أهملوا المواطن ومعاشه وخدماته الأساسية وانشغلوا بالصراع على الكراسي والمناصب مما خلق حالة من عدم الرضا وسط الشعب.
إلى جانب ذلك، شكك أمين عام حزب المؤتمر الشعبي، “عبدالوهاب سعد”، في الرواية الرسمية حول الانقلاب، لافتاً إلى أن “الانقلابات دائما ما تبدأ بالسيطرة على وحدات عسكرية أو حجز كبار السياسيين أو حتى بالسيطرة على الإذاعة والتلفزيون، وهو ما لم نشهده خلال الانقلاب المزعوم الأخير”.
وأفاد السياسي السوداني بأن “حزب المؤتمر الشعبي بالمجمل هو ضد أي انقلابات عسكرية تأتي لتستلم الحكم، أو حتى تبقى لفترة طويلة في الفترة الانتقالية”، موضحاً أن “من تحدث بوجود انقلاب هم أعلى سلطة سياسية وعسكرية في البلاد، حيث تحدثوا عن محاولة انقلاب “لم نر لها أثرا”، والتي قد تكون لم تتجاوز صيغة الاحتجاجات أو التمرد”.
انقلاب أم مسرحية..
محاولة الانقلاب أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي في السودان، اذ شهدت آراء السودانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي انقساما كبيرا حول أهداف “الانقلاب” والمسؤولين عنه.
وأطلق ناشطون وسوما عدة أبرزها “محاولة انقلاب السودان لا للانقلاب العسكري “انقلاب عسكري لمناقشة وتحليل ما جرى، لافتين إلى أن “محاولة الانقلاب لا تعد خبرا مفاجئا لمن يعرف تاريخ السودان منذ استقلاله، والفاشل في السودان هدفه إفشال الثورة السودان التي زهق من أجلها شباب الثورة”.
كما شكك ناشطون فيما أعلنه الجيش السوداني بشأن إحباط محاولة انقلاب، معتبرين أنها “مسرحية لجس نبض الشارع السوداني واستمرار فرض حكم العسكر، وأثبتت بما يدع مجال للشك أن الحاضنة السياسية فقدت الشارع تماما وأصبحت عارية من أي غطاء جماهيري”.
مراقبون يرون أن “هناك احتقانا كبيرا بدأ يخرج إلى العلن وربما ينفجر، بما يوحي بأن الكيل قد فاض بالمكونين، وما لم يتم التوافق سريعا والعودة إلى نصوص الوثيقة الدستورية لن تستطيع السلطة الانتقالية الاستمرار وسط الألغام التي يضعها كل طرف للآخر، مشيرين إلى أن “كل جانب لديه من أدوات القوة التي تمكنه من مضايقة الآخر، ولذلك فلعبة عض الأصابع التي تمارس الآن يتحمل نتيجتها السودان، لأن جس النبض له حدود، وما جرى الآن تصاعد بصورة خطيرة ما يشي بصدام على وشك الحدوث”.
صراع المناصب..
تحذيرات المجلس العسكري لم تكن الأولى، اذ حذر النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو في وقت سابق من “هشاشة الأوضاع الأمنية في السودان”، موضحاً أن “المشهد السياسي في البلاد يعاني من الانقسامات”.
ويرى الباحث السياسي السوداني “الرشيد إبراهيم” أن التشكيك في رواية محاولة الانقلاب، له مبرراته، خاصة لتضارب التصريحات الرسمية ما بين الجهات العسكرية والمدنية، فالأولى تحدثت بإفشال انقلاب، والثانية تحدثت بإفشال انقلاب قام به فلول النظام السابق”، مؤكداً أنه “خلال العامين الماضيين أعلن أكثر من مرة عن إفشال محاولات انقلاب، ولكن من دون تقديم تفاصيل”.
“الرشيد إبراهيم” لفت إلى أن الحكومة عادة ما تربط أي إخفاق إلى فلول النظام السابق، ولكن التباين في التصريحات، يضعف موقف الحكومة، فهي تسعى فقط للفوز بمشاريع الإستيلاء على السلطة، وعلاقتها مع المجلس العسكري تنافسية وليست تكاملية”، موضحاً أن “تقوم كل جهة بتوظيف محاولة الانقلاب لمصلحتها وخدمة أجندتها الخاصة، ولهذا نجد علاقة ضدية ما بين المدنيين والعسكريين”.
ويرى “إبراهيم” أن “طول أمد الفترة الانتقالية هو شيء غير صحي على الإطلاق، خاصة وأن الأمور تتجه نحو الأسوأ، والإقصاء الذي تم ممارسته على العديد من الأطياف في البلاد، أجج مشاعر الغبن، وهو ما قد يعني انتقال الاحتجاجات من السلمية إلى حركات مسلحة”.
يشار إلى أن المجلس العسكري الانتقالي الذي تسلم الحكم بعد الاطاحة بالبشير في العام 2109 وقع مع قادة الحركة الاحتجاجية المدنيون، في أغسطس من العام ذاته، اتفاقا لتقاسم السلطة نص على فترة انتقالية من ثلاث سنوات، تم تمديدها لاحقا حتى نهاية 2023.