دخلت أزمة “سد النهضة” منعطفاً جديداً خلال الأيام الماضية، بعد التجاهل الإثيوبي لمطالب مصر والسودان وإعلان المرحلة الثانية من عملية تخزين المياه، وذلك رغم تأكيد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإثيوبية السفير “رضوان حسين” التزام بلاده بالعمل لإيجاد حلول سلمية للنزاع مع السودان، خلال لقاء المسؤول الإثيوبي بوزيرة الخارجية الكينية “ريشيل أومامو” في أديس أبابا.
تراجع أم إضاعة وقت..
الوزير الاثيوبي قال إن بلاده “ملتزمة بإيجاد حلول سلمية والمفاوضات الثلاثية حول سد النهضة مع القاهرة والخرطوم “، داعيا المجتمع الدولي لتقديم دعم ملموس والامتناع عن التسييس غير الضروري للأمر. فيما أعلن وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي “سيليشي بيكيلي” الأسبوع الفائت، أن “بلاده ستبدأ في تنفيذ الملء الثاني للسد 22 يوليو المقبل، وإنها في سباق مع الزمن للانتهاء من بعض الأعمال الهندسية في البوابات الـ13 قبل التخزين القادم، لافتاً إلى أنه “سيتم العمل على رفع الممر الأوسط إلى ارتفاع 573 مترا بدلا من 595 مترا”.
يشار إلى أن كل من مصر والسودان تريدان التوصل إلى اتفاق يتضمن آلية قانونية ومُلزمة يمكن الاستفادة منه حال بروز مشكلة، بينما تعارض إثيوبيا فكرة الاتفاق المُلزم وتؤكد على الاكتفاء: بـ”مباديء إرشادية غير مُلزمة”، للاستيلاء على مياه النيل والاستفادة منها في مشاريع زراعية، دون رعاية المصالح المائية المصرية-السودانية.
وأكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق لشؤون السودان السفير “وائل عادل نصر” لوسائل الاعلام، أن “تصريحات وزير الدولة للخارجية الإثيوبي، تظهر أن اديس ابابا، كشريك موضوعي وعقلاني، لكن بكل أسف التصرفات على أرض الواقع خالية تماما من الموضوعية والعقلانية، وتهدف إلى إضاعة الوقت”، لافتاً إلى أنها “كانت مثمرة بالنسبة لهم، بعد أن نجحوا في إبقاء التفاوض 10 سنوات دون التوصل إلى حلول تذكر، وقد فضلت مصر التفاوض خلال السنوات الماضية وعدم اللجوء إلى أي إجراءات أخرى بحكم علاقات الجوار”.
وبدأت إثيوبيا تشييد سد النهضة على النيل الأزرق في العام 2011، وتخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا، تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.
يذكر أن مصر تعتمد على نهر النيل في توفير نسبة 90% من مياه الشرب، وأي نقص في حصتها المائية سيفضي إلى تبعات اجتماعية واقتصادية مدمرة، بينما تعتقد إثيوبيا أن “سد النهضة” سوف يؤثر باستثمارات: 4.6% في تحويل هذا البلد إلى قطب إقليمي للطاقة، وقد يقضي على الفقر في إثيوبيا.
فشل في البناء..
مساعد وزير الخارجية المصري “وائل نصر” أكد أن “التراجع الإثيوبي عن الملء الثاني كما تم تداوله في العديد من المنصات الإعلامية، يعود إلى عدد من الأسباب، ولا سيما المشاكل الفنية والداخلية، بالإضافة إلى الضغوط السياسية الإقليمية والدولية، ومنظمات حقوق الإنسان فيما يتعلق بالانتهاكات في إقليم تيجراي”.
بدوره، كشف الخبير في شؤون المياه بجامعة القاهر “عباس شراقي”، عن تراجع منسوب بحيرة سد النهضة وفشل إثيوبيا في إتمام الانشاءات الهندسية لتخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه، موضحا أن “المنسوب لم يتعد التخزين الأول، وبحيرة سد النهضة لم تصل تماما إلى مستوى ما كانت عليه في التخزين الأول حوالي 5 مليار متر مكعب.
ولفت الخبير المصري الذي استند إلى صور الأقمار الصناعية إلى أنه “طبقا للإنشاءات الهندسية الحالية فإن حجم البحيرة سوف يزداد تدريجيا إلى أن يصل إلى منسوب 573 متر بعد الأسبوع الثالث من يوليو، وهو يعادل حوالي 9 مليار متر مكعب وهي كافية لتشغيل التوربينين “في حالة تركيبهما”، مشيراً إلى أنه “كان من المقرر التخزين عند منسوب 595 متر الذى يعادل 18.5 مليار متر مكعب إلا أنه لن يحدث بسبب عدم الانتهاء من الإنشاءات الهندسية على جانبي السد طبقا لتصريحات وزير المياه الإثيوبي”.
الخبير في الشؤون المائية “شراقي” قال إن “إثيوبيا فشلت في إتمام التخزين هذا العام، كما أنها فشلت في إتمام الإنشاءات الهندسية لتخزين 13.5 مليار متر مكعب، وسوف يتم تخزين 10 مليار متر مكعب سنويا خلال السنوات القادمة”، مؤكداً أن “التخزين الجديد يصل إلى حوالي 4 مليار متر مكعب يمكن تخزينها خلال الثلاثة أسابيع الأولى من يوليو كما حدث العام الماضي، ويمكن تشغيل أول توربينين في أغسطس”.
وكان وزير المياه والري الإثيوبي أعلن في مؤتمر علمي عقد بجامعة “أربا منش”الأسبوع الفائت، آخر تطورات سد النهضة، وجاري العمل في سباق مع الزمن للانتهاء من بعض الأعمال الهندسية في البوابات الثلاثة عشر قبل التخزين القادم، وسوف يتم العمل على رفع الممر الأوسط إلى ارتفاع 573 متر بدلا من 595 متر، والانتهاء من التخزين في يوليو القادم”.
وأفاد الخبير في جامعة القاهرة، بأنه ما كان مخطط له لن يتم هذا العام أي رفع الممر الأوسط إلى 595 متر وتخزين حوالى 10 مليار متر مكعب ليصل إجمالي التخزين العام القادم 18.5 مليار متر مكعب، وتظهر صورة الأقمار الصناعية عدم زيادة المخزون الحالي من البحيرة الذي يبلغ 5 مليار متر مكعب، وسوف تمر مياه الفيضان بعد الاسبوع الثالث من يوليو من أعلى الممر الأوسط، ويمكن للسودان تفريغ جزء الآن من سد الروصيرص الذي يحتوي على حوالي 5 مليار متر مكعب بعد التأكد من محدودية التخزين هذا العام”.
يذكر أن إثيوبيا، التي تطور محطة للطاقة الكهرومائية بطاقة 6000 ميجاواط في سد النهضة الإثيوبي الكبير، شرعت في مرحلة الملء الأولى العام الماضي وكان من المفهوم أنها تخطط للمرحلة الثانية في شهر يوليو.
تحركات مشتركة..
التحركات المصرية السودانية المشتركة لم تتوقف، اذ من المقرر أن يتوجه اليوم الاربعاء وزير الخارجية “سامح شكري” ووزير الموارد المائية والري “محمد عبدالعاطي” إلى الخرطوم، لعقد جلسة مباحثات موسعة مع وزيري الخارجية والري السودانيين في مقر وزارة الخارجية.
إلى جانب ذلك، أكد رئيس الوزراء السوداني “عبدالله حمدوك” أمس الثلاثاء، أن “الملء الأحادي لسد النهضة الإثيويي تهديد مباشر للسودان على تشغيل سد الروصيرص وعلى مشروعات الري ومنظومات توليد الطاقة والمواطنين على ضفتي النيل الأزرق، مشددا رفض بلاده للملء الأحادي الجانب دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم.
وجدد “حمدوك” تمسك السودان وإيمانه بمبدأ الحلول الافريقية للمشاكل الإفريقية مستهدياً بالتجارب الافريقية المماثلة في إدارة نهري النيجر والسنغال وغيرها من التجارب الأفريقية في إدارة موارد المياه العابرة للحدود.
يشار أن الخلاف بين دولتي المصب مصر والسودان، وإثيوبيا لم ينته بعد حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، التي فشلت كل جولات المفاوضات بين الأطراف الثلاثة في التوصل لاتفاق حولها، وكانت أبرز هذه الجولات قد عقدت برعاية أمريكية، اذ رفضت إثيوبيا توقيع الاتفاق الذي توصلت إليه المفاوضات، كما فشل الاتحاد الأفريقي على مدى ثلاث دورات، برئاسة كل من مصر وجنوب أفريقيا والكونغو على التوالي، في دفع الدول الثلاث لإبرام اتفاق.