“نعم.. أعرف” بهذا فقط رد رئيس النظام السوري “بشار الأسد” على مجموعة من الصحفيين المواليين، عندما سألوه أن سوريا تمر بأزمة جوع خانقة واقتصادها على وشك الانهيار التام، مقترحا إلغاء برامج الطهي من الشاشات خوفا على مشاعر السوريين من وجبات ليست في متناولهم.
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، عن اللقاء السري الذي عقد قبل شهر تقريبا، ومنعت أجهزة أمن النظام نشره فيما بعد، إلا أن أحد الصحافيين سرب تفاصيل ما جرى فيه، لتصل إلى الصحيفة الأميركية وتنشر تقريرا عن تردي الاوضاع المعيشية في مناطق نظام الأسد، وطريقة تعامله معها.
وكان “الأسد” التقى في 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، بعدد من الإعلاميين الموالين له دون نشر اللقاء بشكل رسمي إلا أن عدداً من الإعلاميين نشروا صورا عبر حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي تجمعهم معه.
تسريبات اللقاء تأتي في ظل واقع اقتصادي متردٍ يعصف بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، إذ وصل سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار إلى 3500 ليرة سورية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 30 بالمئة.
منفصل عن الواقع..
الصحيفة الأميركية قالت إن التهديد الأكبر الذي يواجهه “بشار الأسد” الآن، بعد مرور عقد من الزمن من الحرب الأهلية في سوريا، هو المشاكل الاقتصادية الطاحنة التي تعصف ببلاده.
وأضافت “نييورك تايمز” في تقريرها الذي أعده مراسلاها “بن هوبارد” بدا الأسد منفصلا عن الواقع وعاجزا تماما عن تقديم الحلول للأزمات التي تعصف بالبلاد”.
كما أشارت الصحيفة إلى أن ردود الأسد على أسئلة الصحفيين خلال اللقاء تشي بأنه لا يملك حلولا ملموسة للمحنة الشديدة التي تمر بها البلاد، وتكشف عن بعده عن الهموم التي تؤرق الشعب وعجزه عن فعل أي شيء.
وأوضحت أن “الأسد” أكد إدراكه للأزمة الاقتصادية عندما سئل عن انهيار العملة الذي أضر بالرواتب، والارتفاع الهائل لأسعار السلع الأساسية والنقص الحاد في الوقود والخبز، بيد أنه لم يقدم خطوات ملموسة لمعالجة الأزمة، وإنما اكتفى بالقول إن على القنوات التلفزيونية إلغاء البرامج المتعلقة بالطهي حتى لا تعذب السوريين بتصوير وجبات بعيدة عن متناولهم.
تقرير الصحيفة الأميركية سخر من اللقاء ووصف “لأسد” كعادته ” بالمتمسك بالتفاهات التي تميز خطاباته العامة، إذ يتحدث دائما بمنطق الأستاذ”.
وحمل “الأسد” المسؤولية لـ”وحشية الرأسمالية العالمية، وغسيل الدماغ من قبل مواقع التواصل الاجتماعي، والليبرالية الجديدة التي تقوض قيم البلاد”، مطمئنا الصحفيين بان سوريا لن تعقد سلاما مع إسرائيل، ولن تُشرع زواج المثليين، وفق الصحيفة.
التهديد المباشر..
وترى الصحيفة أنه مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية، فإن التهديدات المباشرة للأسد ليس الفصائل المسلحة والقوى الأجنبية التي لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد، رغم سيطرة قوات النظام على 65 بالمئة تقريبا من مساحة سوريا، وإنما الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أعاقت جهود إعادة إعمار المدن المدمرة، وأدت إلى إفقار السكان، حيث بات العديد من السوريين يكافحون للحصول على ما يسد رمقهم من الغذاء.
واختتمت “نيويورك تايمز” تقريرها بأن الأزمة التي يمر بها الاقتصاد السوري هي الأسوأ منذ بداية الحرب عام 2011، إذ تراجع سعر الليرة مقابل الدولار بالسوق السوداء هذا الشهر إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، مما أدى إلى انخفاض قيمة الرواتب وارتفاع تكلفة الواردات.
كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بأكثر من الضعف خلال العام المنصرم، وقد حذر برنامج الغذاء العالمي هذا الشهر من أن 60 في المائة من السوريين، أي قرابة .512مليون شخص، باتوا معرضين لخطر المجاعة.
أزمات وتخلي الحلفاء..
على الأرض، وبحسب التقرير، فإن معظم السوريين باتوا يكرسون أيامهم لإيجاد الوقود لطهي الطعام وتدفئة منازلهم، والوقوف في طوابير طويلة للحصول على الخبز، مع انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي، فبعض المناطق لا تجد كهرباء حتى لشحن الهواتف المحمولة يومياً.
حليفا الأسد الاستراتيجيان، روسيا وإيران، وباعترافات مسؤولين لهم، لمحوا إلى أنهم لم تعودا قادرتين على تقديم المساعدات الإنسانية كونهما بالأساس تعانيان من قلة الموارد جراء العقوبات الغربية وتبعات وباء كورونا.
وجاء ذلك باعتراف روسي رسمي، فقد أكد السفير الروسي في سوريا “ألكسندر يفيموف” قبل أيام أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا اليوم صعب للغاية، وأن إرسال المساعدات أضحى “صعبًا جداً” لأن روسيا أيضًا تعاني من الوباء والعقوبات.
إضافة إلى ذلك فأن الحليفين فشلا مرارا في تعويم الأسد وفتح ملف بناء إعادة الإعمار، والبدء باستثمارات شركاتهم الموقعة مع النظام، سعيا لتحقيق مكاسب مادية صُرفت عسكريا دعما لنظام الأسد في حربه على السوريين.