باتت مصارف لبنان محظ أنظار الدول واللبنانيين الحانقين على حد سواء، فبعد أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية نهاية العام الماضي عقوبات مالية على بعض البنوك اللبنانية والشخصيات الاقتصادية اللبنانية لارتباطها بمليشيا حزب الله اللبناني، الذراع الإيراني في المنطقة، فرضت الحكومة اللبنانية على المواطنيين اللبنانين شروطًا معقدة وصارمة من أجل عمليات السحب البنكي، حيث لا يتمكن المواطن اللبناني سوى من سحب 100 $ أمريكي في الأسبوع، مهما كانت قيمة ودائعه في البنك، ولو احتاج أكثر فلا بد من تصريح من الجهة التي تطالبه، ويمنح القسط الذي يريد بحال كانت تلك الجهة هي المشفى فقط، ما جعل المواطن اللبناني في ضيق من أمره.
ومنذ بدء شحّ العملة الخضراء في السوق اللبناني في أيلول العام الماضي قبيل بدء الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول، يلعب الصرّافون دوراً رئيسياً في هذه اللعبة النقدية بلبنان من خلال تحكّمهم بمعادلة “العرض والطلب” التي يخضع لها سعر صرف الدولار، وذلك بعدما فقدت المصارف القدرة على تلبية حاجات المودعين لسحب دولاراتهم.
ومع أنه يوجد في لبنان أكثر من 300 صرّاف مرخّص يتوزّعون بين مختلف المناطق اللبنانية، غير أن عدداً قليلاً منهم فقط لا يتخطى أصابع اليد الواحدة يتحكّمون بسعر الدولار بالتواطؤ مع جهات لديها قدرة على التحكّم “بلعبة” النقد.
موجة غضب شعبي خفي
ألقى مجهولون في ساعة متأخرة من ليل السبت الأحد، 3 قنابل مولوتوف على واجهة أحد المصارف في مدينة صور جنوب لبنان.
وحضرت عناصر من استخبارات الجيش اللبناني والقوى الأمنية لموقع الحادث وفتحت تحقيقا في القضية، وكان مجهولون قد ألقوا قنبلة يدوية باتجاه فرع مصرف “فرنسبنك” في شارع رياض الصلح في مدينة صيدا جنوب لبنان مساء السبت، ما أدى إلى تحطم واجهته الزجاجية والسقف المستعار، وعقب الحادث، حضرت القوى الأمنية إلى الموقع وطوقت المكان وفتحت تحقيقا لكشف هوية الفاعلين، حيث تبين وجود شخصين في المكان لحظة وقوع الحادث.
وكانت تظاهرات عدة قد انطلقت في صيدا جنوب لبنان منذ أيام ضد المصارف والمصرف المركزي احتجاجا على السياسة المالية والنقدية وحجز المصارف لأموال المودعين.
وألقى الجمعة ناشطون مفرقعات نارية على فرع مصرف لبنان المركزي في المدينة مطالبين بإقالة رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان.
أسباب ومخاوف
ما دفع الشبان اللبنانيون إلى الغضب هو الإعلان الذي صرحت به الحكومة اللبنانية، غداة إعلان رئيس الحكومة اللبنانية “حسان دياب”، أن 5.7 مليار دولار خرجت من المصارف خلال أول شهرين من العام الحالي، رغم القيود المشددة على سحب مبالغ بالدولار أو تحويلها إلى الخارج، أقدم عدد من الشبان، فجر الأحد، على إلقاء قنابل “مولوتوف” حارقة على الواجهة الخارجية لبنك الاعتماد في مدينة صور الجنوبية، مما تسبب بأضرار مادية في الواجهة الخارجية وجهاز الصراف الآلي.
وتأتي هذه الحوادث في وقت تحجز المصارف على أموال المودعين، وتزامنا مع جدل سياسي حاد في البلاد حول أداء المصرف المركزي وحاكمه رياض سلامة وموجودات المصرف واحتياطاته من الدولار الأميركي.
يذكر أن لبنان يعاني نقصاً في السيولة بالعملات الأجنبية وأزمة اقتصادية بالغة فاقمها منذ آذار الإغلاق جراء انتشار فيروس كورونا، وفي الأشهر الأخيرة تراجعت قيمة الليرة اللبنانية التي تم ربطها بالدولار منذ عام 1997 لتصل إلى 3.800 مقابل الدولار في السوق الموازية.
بسبب إيران، عقوبات أمريكية تطال الاقتصاد اللبناني
لا يخفى أن مليشيا حزب الله اللبناني بزعامة “حسن نصر الله” ما هو إلا ذراع إيراني في المنطقة العربية، فهي تنفذ كل مصالح إيران السياسية، وتساهم في كسر القيود الاقتصادية الأمريكية عن إيران، عبر الأراضي المفتوحة من لبنان إلى إيران مروراً بسوريا والعراق –مناطق الفوضى السياسية والعسكرية والنفوذ الإيراني -، من جهة، وعبر أذرعها الاقتصادية العالمية التي تختفي بلباس إنساني تارة ونشاط اقتصادي مشبوه تارة أخرى.
ويتحدث اللبنانيون بكثرة هذه الأيام عن دور كبير لشركة “حلاوي غروب” للصيرفة ومركزها الغبيري قرب الضاحية الجنوبية (معقل حزب الله) في لعبة رفع سعر صرف الدولار وتخفيضه مقابل الليرة اللبنانية.
وتقول معلومات المتاحة والمتقاطعة، فإن شركة “حلاوي غروب” المملوكة من محمد حلاوي (وهو نقيب سابق للصرّافين) تساهم في عدم استقرار سعر صرف الدولار، لأن لديها رأسمال يُقدّر بأكثر من ملياري دولار يُمكّنها من التقاط عصا الدولار من نصفها.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أدرجت في شهر نيسان 2013 شركة “حلاوي للصيرفة” على لائحة العقوبات واتّهمتها بالتورط بغسيل الأموال لصالح حزب الله إلى جانب شركة “قاسم رميتي وشركاه”.
ووجهت لهما الاتّهام بموجب المادة 311 من قانون باتريوت الأميركي، (USA PATRIOT ACT) وهو ما يطرح علامة استفهام عن دور خفي ربما لـ حزب الله في التحكّم باللعبة النقدية في لبنان وخلق ضغوط إضافية عبر الصرّافين على مصرف لبنان وربما حاكمه “رياض سلامة”، وعلى القطاع المصرفي بشكل عام.
ومنذ أن بدأت العقوبات المالية في المصارف المحلية تطال حزب الله والأفراد والكيانات التابعة له، تنامت علاقته بالصرّافين، فلجأ إلى شركات الصيرفة كبديل بديهي من القطاع المصرفي يؤمّن السيولة ويديّن الأموال وينقلها داخل الحدود وإلى الخارج.
ويأتي في السياق تضمين لوائح العقوبات التي تصدرها وزارة الخزانة منذ سنوات لتجفيف منابع تمويل حزب الله، شركات صيرفة لبنانية، ففي شهر كانون الأول العام 2011 أعلنت السلطات الأميركية أنها تقدمت بدعوى مدنية بحق مؤسسات مالية لبنانية متهمة بالمساعدة على تبييض 483 مليون دولار لحساب حزب الله عبر الولايات المتحدة وإفريقيا في عمليات مرتبطة بتجارة المخدرات.