كثيراً ما تأبى الحكومات التي توجه احتجاجات شعبية إلا أن تغرد خارج سرب مطالب المتظاهرين، أو بمعنى أدق أن تسمع منها ما لا يؤثر بشكل مباشر على سلطاتها، لتعد بمجموعة إصلاحات من شأنها ترضية الشارع، ولكن على ما يبدو فإن رئيس الوزراء العراقي “عادل عبد المهدي” آثر إلا أن يصيح في وادٍ آخر بعيداً كل البعد عن ما يجري في الشارع العراقي.
الحكم السابق على الآلية التي يتعاطى بها رئيس الحكومة القادم من تسوية سياسية دون أي دعمٍ حزبي، لم تكن وفقاً لما ذكره محللون عراقيون، نتيجة مواقفٍ معارضِة مسبقة، ولا وصف عدائي، بقدر ما تم استخلاصه من خطابه التلفزيوني الأخير الذي بثته قنوات محلية، على اعتبار أنه لخص المشكلة العراقية بالحاجة لإصلاحات دستورية وقانون انتخاب جديد، في حين أن عشرات المتظاهرين قتلوا أمام القنصلية الإيرانية أثناء مطالبتهم بالسيادة ووقف التدخلات الإيرانية، وإنهاء الدولة الميليشيوية المدعومة إيرانياً والتي باتت بمثابة دولة أقوى من الدولة العراقية عينها.
ويضيف المحللون: “إما أن السيد عبد المهدي لم يعد يتقن اللغة العربية أو إنه يتابع مظاهرات أخرى غير التي تجتاح الشوارع العراقية، ما هو مطلوب اليوم إنهاء نظام المحاصصة واستعادة السيادة والوطن المسلوبين، إنهاء الدولة العميقة الإيرانية، استعادة هيبة وكرامة العراق والعراقيين التي انتهكها الحرس الثوري منذ عام 2005، المطلوب اليوم هو وجود دولة حقيقية مدنية كاملة وتامة الأركان، وليس دولة محكومة بالعمائم المطرزة في قم وطهران، ليس دولة ميتباحة من ميليشيات وشذاذ آفاق”، لافتين إلى أن تحقيق تلك المطالب كفيل تماماً بحل بقية المشاكلة المرتبطة بها.
حكومة أم دار مظالم
الانتقادات السريعة جداً التي طالت خطاب “عبد المهدي” الأخير، لم تقتصر فقط على ابتعاده الكامل عن لب المظاهرات وجوهر مطالب المتظاهرين، وإنما تعدت ذلك لتصل إلى أسلوب إلقاء الخطاب، الذي تصمنه تظلمات، وفقا لقول المحللين، الذي انتقدوا عبارة: “لا يجوز تحميل حكومة عمرها عدة أشهر ملفات الفساد”، في إشارة ضمنية منه إلى أن حكومته ورثت تلك الملفات عن سابقاتها، مطالبينه بأن يمتلك الشجاعة الكافية للكشف عن ملفات الفساد تلك التي ورثها عن سابقيه وتحويلها إلى القضاء، بدلاً من التظلم وشكوى المتظاهرين.
إلى جانب ذلك، مثل اعتبار رئيس الوزراء ما شهدته البلاد من أحداث دامية رح ضحيتها مئات المواطنين بأنها “سلبيات يمكن تجاوزها”، محل انتقاد واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر عدد من المعلقيين العراقيين عن صدمتهم من التوصيف الذي استخدمه “عبد المهدي” للتعبير عن أعمال القتل والاستهداف التي طالت المتظاهرين.
المعلق العراقي “علاوي عبد الغني” كتب في تغريدة له على تويتر: “هم لو 300 قتيل ويسميها سلبيات، لو نصير مثل سوريا شنو يسميها”، لافتاً إلى أن سوريا ولبنان والعراق يواجهون عدواً مشتركاً ممثلا بإيران وميليشياتها.
أما المعلق “ابن البصرة” فقد توقف في تغريدته عند وصف “المخربين” الذي أطلقه “عبد المهدي” على شريحة من المتظاهرين، حيث كتب: “المخرب من يطلق النار على المدنيين العزل دفاعاً عن الملالي وعصابته، يوم يسموننا شيعة انكلترا وآخر يسموننا عملاء أمريكا، وآخر يصفونا بالمخربين، نحن طلاب وطن، نحن طلاب كرامة، نحن طلاب سيادة”.
من جهة أخرى، اعتبر مراقبون ان سيطرت التيارات الدينية المتشددة الموالية لإيران، والتي سعت لإقصاء التيارات العلمانية، قد مثلت نقطة تحول كبيرة في تاريخ البلاد، بهدف إغراقها في مستنقع التبعية لإيراني، مشيرين الى أن 99 في المئة من رجال الدين والساسة الذين سيطروا على المشهد العراقي كانوا من إنتاج مؤسسات الولي الفقيه، ومتشربين لأفكاره.
من الشعبي إلى السياسي تصعيد جديد يستهدف إيران في العراق
سير الأمور في العراق ورفض التدخلات الإيرانية لم يتوقف على الحراك المدني الشعبي، حيث انضم عدد من التيارات السياسية إلى موجة المطالبين بالتصدي للنفوذ الإيراني، وعلى رأسهم رئيس الحكومة الأسبق “إياد علاوي” الذي يترأس حزب المنبر العراقي المكون من شخصيات شيعية محسوبة على التيار العلماني، والذي أعلن رفضه للوصاية الإيرانية، مستنكرا التصريحات الاخيرة لرئيس الاركان الايراني “محمد باقري”، والذي اتهم خلالها المتظاهرين العراقيين بالارتباط بجهات أجنبية ترغب في تنصيب حكومة جديد مؤلفة من العملاء، الأمر الذي اعتبره الحزب العراقي افتراءات تعكس التدخل السافر للنظام الإيراني في الشأن الداخلي للعراق.
كما أن لهجة حزب “علاوي” والذي شغل منصب أول رئيس حكومة في العراق بعد إسقاط نظام “صدام حسين”؛ تصاعدت أيضاً ضد الوجود الميليشوي الإيراني في العراق، عبر التأكيد أن الأراضي العراقية لن تكون ساحة لتصفية الحسابات، داعياً جميع الدول، بما فيها ايران الى احترام سيادة العراق وشعبه بكل شرائحه وفصائله.
إلى جانب ذلك، فإن أبرز ما تتسم به العلاقة بين المنبر العراقي والنفوذ الإيراني في العراق هو العداء التاريخي، عكس حقيقة الدور الإيراني الداعم للتيارات المتشددة في العراق، وتفسيخ العلاقات الاجتماعية بين مكونات الشعب العراقي، وهو ما تجلى عبر دعم ايران ورجالاتها لرئيس الوزراء العراقي السابق ذو الخلفية الدينية “نوري المالكي” مقابل “إياد علاوي” في انتخابات العام 2007، والتي تناقلت خلالها وسائل إعلامية تصريحات خرج بها “المالكي” وأثارت الجدل في العراق، والتي قال فيها: “لا نريد رئيس وزراء جاء بأصوات السنة.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.